بطرس دانيال يكتب: الميلاد.. بداية حياة
«المجد لله فى الأعالى وعلى الأرض السلام وللناس المسرّة». كل عامٍ نعيش مع نشيد الملائكة أياماً ممزوجة بفرحة الميلاد المجيد فى محبةٍ وسلام، ومما لا شك فيه أن كل عيد ميلاد هو بداية جديدة لنا، لكى نغيّر من أنفسنا، ونحن نختبر هذا مع كل جديدٍ نحصل عليه والذى يجلب لنا السعادة، مثل الهدايا والملابس وغيرها؛ كذلك عندما نحتفل بالعيد كأنه لأول مرة، سنشعر بطعمٍ آخر، ونستطيع أن نولد من جديد فى حالة النعمة وبراءة الأطفال. ولكن للأسف كثيراً ما نهتم بالتجهيزات الخارجية التى تستغرق وقتاً طويلاً والتى تزيّن الظاهر فقط تاركين الداخل كما هو من قبل، ونهتم بالمظهر تاركين الجوهر، ونفعل مثل الرجل البسيط الذى يعيش فى قريةٍ بسيطة عندما نظر إلى ساعة الحائط الضخمة المعلّقة على الحائط فى بيته، والتى ورثها عن أجداده، فلاحظ أن عقربى الساعة ثابتين لا يتحركان، وبكل ثقةٍ انتزعهما حاملاً إياهما إلى ساعاتى المدينة لإصلاحهما. فسأله الساعاتى: «لماذا لم تحمل لى الساعة كلها؟» فأجابه بكل كبرياء: «لا دخل لك بالساعة، لأنها تعمل كباقى الساعات، وهى موجودة على الحائط بكل شموخٍ وثبات، لكن العيب الوحيد فيها هذان العقربان، إذاً عليك إصلاحهما أو استبدالهما». وبدون جدوى حاول الساعاتى أن يقنعه، لكن الرجل الريفى كان متمسكاً بآرائه المغلوطة وانصرف فى غضبٍ متمتماً: «الويل لكم يا أهل المدينة لأنكم تضخّمون كل شىء حتى تحصلون على المال الكثير، ولكننى أفهم جيداً كل ألاعيبكم». ثم مضى فى طريقه مما دفع الساعاتى إلى الحديث مع نفسه: «هل يغسل المريض وجهه ليصلح داء قلبه، أم يصلح القلب فيستنير الوجه ويضىء؟» من الملاحظ أن الغالبية العظمى من الناس يوم عيد الميلاد أو الأعياد الأخرى يتظاهرون بأنهم أفضل البشر؛ صالحون وأسخياء ومتعاطفون ومهذّبون ومتسامحون إلى درجة أنهم يبْدون كالقديسين. ولكنهم فى الغد يعودون كما كانوا من قبل إلى الأنانية واللامبالاة تجاه القيم الإنسانية والروحية، ويبحثون عن المنفعة الذاتية والمصالح الشخصية وغيرها دون أى اعتبار للآخرين. ومما لا شك فيه أننا نخترع شتّى الطرق للاحتفال بالعيد من طعامٍ وملابسٍ وهدايا وزينةٍ ومشاعر طيبة، كلها تُستهلك فى هذا اليوم. ولكن من الأفضل أن نعيش كل هذه الفضائل والمعاملات الحسنة يوم العيد والأيام التى تليه، كثيرون هم الذين يقدّمون أفضل ما عندهم فى هذا اليوم، بينما الأوقع أن يكون الأفضل فى حياتنا هو ثمرة ونتيجة العيد والتغيير الذى نناله منه، لأن أعظم شىء هو ما قدّمه الرب لنا جميعاً. ولكن للأسف هناك الكثيرون الذين يعتبرون عيد الميلاد يوماً خارج التقويم السنوى، أو أنه يوم لا وجود له فى الزمن، وكأنه محطة الوصول النهائية. لكن الواقع هو أن عيد الميلاد نقطة الانتقال والسفر لأننا لم نصل إلى النهاية فى عيد الميلاد؛ بل نبدأ مسيرة السفر والرحيل والتغيير. وبالنسبة للكثيرين كل شيء ينتهى فى عيد الميلاد، ولكن يجب أن نبدأ من هناك، وهذا ما حدث مع الرعاة والمجوس الذين بدأوا الرحيل من لحظة الميلاد، وكانت هذه نقطة حاسمة لهم. إذاً يجب أن نقتنع تماماً بأن لحظة الاحتفال الحقيقى والمؤثر بعيد الميلاد، تبدأ بعد الانتهاء من مباهج الفرحة الخارجية التى نعيشها لمدة يوم واحد فقط. نستطيع إذاً أن نكتشف مجىء عيد الميلاد وتأثيره فى حياتنا ونُعلن ذلك للآخرين عن طريق أعمالنا الحسنة وتصرفاتنا الراقية والتجديد الذى تم بداخلنا وفى علاقتنا مع الآخرين. إذاً عيد الميلاد ليس تاريخاً محدداً مكتوباً فى النتيجة السنوية كسائر المناسبات؛ ولكنه حدث مكتوب فى قلوبنا ويسطع على وجوهنا. الله أعطانا أفضل ما عنده فى هذه المناسبة كما فى باقى الأيام، فهل من المعقول أن يدّعى أى شخص بأنه أضاف جديداً فى هذا اليوم. يا ليتنا نعتبر عيد الميلاد بدايةً جديدة ومرحلة حاسمة فى حياتنا الشخصية، وبهذا سيتغيّر العالم إلى الأفضل والأجمل مزيّناً بالحُب الحقيقى والسلام الفعلى والتغيير الداخلى. إذاً يجب الانتظار لليوم التالى للعيد حتى نبدأ إحياء هذه المناسبة على مدار العام بأكمله. كل عام وجميع المصريين بخير وسلام بمناسبة العام الجديد وعيد الميلاد المجيد طالباً من الله أن يمنحنا الأمن والأمان، وأن يجعل هذه المناسبة السعيدة تغيّر من تصرفاتنا وسلوكنا إلى الأفضل، متبعين نهج الخير والحُب والجمال.