رامي المتولي يكتب: Marriage Story دراما العلاقات التى يدمرها الطموح والفن
ما يبدأ بكونه رسالة غرامية لزوجين يتبادلان مسببات السعادة فى علاقتهما ينتهى بعلاقة زوجية تفككت، Marriage Story هى حكاية شارلى (آدم درايفر) ونيكول (سكارليت جوهانسون) مخرج وممثلة وقعا فى الغرام من النظرة الأولى وفرقتهما الأحلام والفن، مرة أخرى نتعامل مع واحدة من العقد الشهيرة فى الدراما الأمريكية هو الخلاف التاريخى بين نيويورك العاصمة الأقدم للفن فى الولايات المتحدة وهوليوود العاصمة الأحدث، التى اتخذتها الاستوديوهات الكبرى كنقطة انطلاق بينما كانت نيويورك هى عاصمة المتمردين ومركز الموجة الأمريكية الجديدة، العلاقة بين المخرج المشهور برؤيته الفنية الغالبة ورفضه لما هو تجارى وشائع والممثلة المستمدة شهرتها مما هو تجارى وشائع.
صدام فكرى مبدئى اختاره المخرج والمؤلف نوا بومباك ليلقى بضوئه على العلاقة، مع التعمق فى معرفة تفاصيلها نتعرف على عقدة أصغر تأتى دائمًا مع العقدة الشهيرة وهى الطموح والأحلام فى مدينة طاحنة للأحلام وتتغذى عليها، سبق وأن شاهدنا معالجة متقنة لهذه العقدة فى فيلم La La Land عام 2016 للمخرج داميان شازيل، فى Marriage Story يتحول خلاف نيويورك وهوليوود لخلاف شخصى يدخل حتى لساحة المحكمة، ونرى كيف يدمر الطموح الشخصى العلاقات! ربما لم تتضح التفاصيل القاسية فى فيلم داميان لكنها واضحة نتابعها بالتفصيل الممل فى فيلم نوا، الفيلم محمل بالكثير من القضايا العامة لكنه لم يفقد لمسته فى أن يكون فيلما اجتماعيا عن أسرة أمريكية بسيطة، مركزها أم وأب وابن صغير وصلوا لمفترق طرق وكيف تتعامل معهم مجموعات أخرى من المجتمع كالمحامين، أى أن الفيلم يتخذ من الفن غطاء للتعامل مع تكوين هذه الأسرة والمجتمع بكل ما فيه من تفاصيل.
العرض المتوازى للشخصيتين الرئيسيتين منذ البداية أصل فكرة الانفصال، على الرغم من الانطلاقة الرومانسية والتى عددت محاسن الآخر فى وجهة نظر كل منهما الا أن هناك شعورا غير مريح يتسلل لنفس المشاهد، بشكل طفيف زرع المخرج هذا الإحساس على الرغم من تماسك الأسرة فى الصورة الرئيسية كونها ناجحة، يعتمدان على بعضهما البعض يعيشون فى منزل مرتب يبدو علية النظافة والترتيب، لكن الصدام الأول الذى نرى معه الصدع الضخم فى هذه العلاقة هو عند مستشار الأزواج عندما ترفض نيكول قراءة ما كتبته عن الصفات التى تحبها فى زوجها، نعرف عند هذه النقطة أن كرة الثلج بدأت فى التكون وأنها لن تقف، بمشهد صغير فى زمنه وبسيط فى تكوينه وحواره، لكنه نقطة تحول تأكد شعور عدم الراحة واستعدينا كمشاهدين لما هو آت، فالموقف دفع لظهور سؤال ما الذى حدث ليولد رد الفعل العنيف من قبل نيكول؟
بالطبع هذه النوعية من الأفلام لا يمكن أن تتفوق دون أن تعتمد على ممثلين عندهم القدرة على ترجمة انفعالات متعددة وعلى عدة مستويات، بدون الإجادة والرسم الجيد للشخصيات لن يصبح لمثل هذه النوعية من الأفلام قيمة فنية حتى مع إجادة المخرج وجودة الحوار والسيناريو، العامل الأكبر فى هذه النوعية على الممثلين وفى هذه الحالة تحديدًا: آدم وسكارليت، بالطبع كلاهما سد الفراغ وقدم ترجمة للشخصيات على الشاشة جيدة جدًا، السيناريو أتاح مساحات واسعة للممثلين لكى يقدما الشخصية بأداء خالص دون اللجوء لحوار ومع الحوار، مشاهد بعينها لا يمكن أن تمر عمقت التواصل مع الشخصية وسير الأحداث فى الخط الدرامى بمنتهى السلاسة والسبب فيها سكارليت وآدم، أبرزها مشهد المواجهة فى لوس أنجلوس حيث الشقة الصغيرة التى اتخذها شارلى كمقر مؤقت له فى معركة الانفصال، مشهد مواجهة كلاسيكى لكنه يكشف أبعاد انهيار هذه العلاقة واستحالة التفاهم على الرغم من الحب الموجود والذى لم ينته، إتقان الممثلين أيضًا أتاح الفرصة أن يكون لكل منهما رقصته المنفردة كما يحدث فى الباليه عندما نشاهد الراقصة تؤدى منفردة ثم الراقص وبعد ذلك تجمعهما رقصة معًا، مشهد جرح شارلى لنفسه أمام العاملة الاجتماعية أو المشهد الذى جمع نيكول بمحاميتها نورا (لورا درين) وهى تحكى أسبابها لرفض استمرار العلاقة والذى كان أداء منفردا لسكارليت جلست فيه المحامية فى موضع المستمع، بالطبع الأداء التمثيلى كان مدعوما برؤية بصرية ساهمت لحد كبير فى تعميق الشعور بالشخصيات وانفعالاتها، الكاميرا كانت حرة تسير خلف الشخصيات أو فى مواجهتها كأننا أمام فيلم وثائقى أو موجدين كمشاهدين فى محيط الشخصيات بشكل حميمى نعرف أدق تفاصيلهم وننفعل كل حسب رؤيته.