رامي المتولي يكتب: سمير سيف.. "المجدد الذى اختار الصعب"
دائمًا ما تُظلم أفلام الحركة ولا تحظى بنفس النظرة الجادة التى تحظى بها أفلام الدراما، ولا نفس الشعبية الجارفة التى تحظى بها الأفلام الكوميدية باستثناء الكوميديا السوداء تحديدًا لا تعامل الأفلام الكوميدية بجدية بدورها وتستحق التعامل معها بنفس جدية الدراما، لكنها على الأقل تجد التعويض فى شعبيتها الجارفة، على نفس القياس يأتى صناع هذه الأعمال.
يحظى المخرجون بنظرة التقييم بناء على نوع ما يقدمونه والعمق الذى تناقش به القضايا فى أعمالهم، الأمر الذى يمنح البعض قدسية مبالغة ويمنع عن آخرين التقدير المستحق وفقًا لما قدموه من أعمال، لذلك تجد فى كل بلد فى العالم على مدار تاريخه السينمائى مجموعة من المخرجين هم قلة يتعاملون مع أفلام الحركة خارج إطار التسلية والإبهار البصرى كمحاولات لزيادة الإيرادات، بالتأكيد سمير سيف هو واحد ممن صنعوا أفلام الحركة والكوميديا وغلب الصبغة الفنية على التجارية فى أفلامه مع الحفاظ على جاذبيتها عند شباك التذاكر، وهى فى الحقيقة معادلة فى غاية الصعوبة، ومن يعرف مفرداتها ويستغلها هو واحد من القلة المميزة، فسمير فى مصر لا يقل أهمية عن سرجيو ليون فى هوليوود، فكلاهما طور فى قالب مستهلك مستعينًا بالتراث فى محاولة واضحة لتطويره ليتناسب مع العصر.
أول أفلام سيف كمخرج فى السينما هو «دائرة الانتقام» وهو أكثر الأفلام تعبيرًا عنه بشكل واضح، بداية من اقتباس واحدة من أشهر الروايات العالمية وهى «الكونت دى مونت كريستو» لألكسندر دوما ومنها أنتجت السينما المصرية فيلمين من أهم الأفلام اللذين يعتمدان على تيمة الانتقام وهما «أمير الانتقام» عام 1950 و«أمير الدهاء» عام 1964 وكلاهما لهنرى بركات، لحد كبير يعكس انفتاح سيف على العالم ومتابعته للتطور الحادث فى أفلام الحركة فى الولايات المتحدة وفرنسا، وقراره بأن يصنع أفلاما تخدم رؤيته الداعمة للتطوير والمحافظة على الجودة الفنية فى الوقت ذاته، كيفية تناول الرواية فى فيلمه الأول هو ما يميز سيف ويضعه فى مرتبة الرائد صاحب المدرسة السينمائية، فهو لم يتخل عن التراث ولا الطابع المصرى وظل يعبر عن هذا المكون المهم فى أفلامه كلها، ليؤسس بذلك شكال محددا لأفلام الحركة المصرية ليس فقط فى طرح فكرة التجديد لكن فى إثبات أنها ممكنة الحدوث وفى الوقت ذاته تحقق إيرادات.
عدد من أفلام الحركة التى طُرحت فى الفترة الأخيرة أغفلت بشكل متعمد جزئية الحفاظ على الطابع المصرى تحت دعوى التطوير، وهو ما يجعل هذا الأفلام منسية بعد خروج الجمهور من دار العرض، بالتأكيد الجمهور استمتع لكنه لن يتذكر الفيلم بعد يوم من مشاهدته لن يبقى مثل «دائرة الانتقام» أو «المشبوه» لن يصبح فيلم واحد منهم عابرًا للأجيال، من هذه النقطة يأتى تفرد سمير ومدرسته التى ضمت على مدار السنوات فنانين ساروا على نفس النهج، فى «أمير الانتقام» وإلى جانب وجود الخط الرئيسى وعمود الفيلم الفقرى الذى شارك المخرج فى كتابته مع إبراهيم الموجى يعتمد على رواية «دوما»، لكننا أمام إعادة احياء عصرية لمروية شفيقة ومتولى، الشاب الذى ذهب به الظلم لمكان بعيد وترك عائلته التى لعبت بها الظروف وحركت مصائرها، والإشارة واضحة وجلية حتى فى اختيار اسم الأخت فى الفيلم، مثل هذه التفاصيل الصغيرة هى ما تجعل للفيلم روحًا وكأنه كائن حى تعرف لغته وتتجاوب معه.
سمير لم يبتعد كثيرًا عما عبر عنه مخرجو الواقعية الجديدة، ففى الحقيقة هو يقدم فيلم حركة لكنه مثلهم مهموم بالانفتاح الاقتصادى وتغير تركيبة المجتمع وحالة اللامبالاة الآخذة فى الانتشار بمصاحبة سلوك برجماتى بحت خلافًا لفترة الستينيات وما سبقها، سنجد خطًا خفيًا يرصد هذه الحالة، تستطيع ان تستشعره وتتفاعل معه دون أن تفقد متعة وجود مطاردات وجو حابس للأنفاس من الإثارة، ناهيك عن حب المصريين للقصص وتحديدًا قصة صعود البطل المظلوم وحصوله على حقه كاملاً، لم يخش سمير أنه سبقه تقديم الرواية مرتين فى فترة زمنية قريبة من بعضهما البعض وقريبين من فيلمه، فالتطوير الذى نفذه فى صناعة الفيلم غطى على الكلاسيكية التى تعامل بها من سبقوه مع الرواية، جزء من تفرد سمير أنه أستاذ حقيقى أسس لمدرسة ووضع قواعدها وانطلق بمنتهى المحبة والحسم ينشر علمًا وإبداعًا على أجيال متعاقبة من الفنانين والجمهور، بالشكل الذى يجعله من الشخصيات اللاخلاف عليها، فهو وضع نفسه كمثال على القدرة، فاختياره الفنى بشكل رئيسى هو الحركة والكوميديا، وهما فى الوعى الجمعى لا يصنعوا العباقرة الذين تنتشر شهرتهم فى كل مكان، لكنه على العكس أخرج «غريب فى بيتى» و«احترس من الخط» و«النمر والأنثى» و«شمس الزناتى» ونال لقب الأستاذية عن جدارة.