إيمان كمال تكتب: الإنسانية والتسامح فى أفلام مهرجان القاهرة السينمائي الدولي
ماريان خورى تفتح كشف حساب لحياتها.. والتغيير شعار المرحلة فى تونس.. وفيلم يفضح تجربة سادية فى «نوع خاص من الهدوء»
ننتظر كل عام عروض مهرجان القاهرة السينمائى بشغف، وفى الدورة الـ41 «دورة يوسف شريف رزق الله» تنوعت حصيلة الأفلام المعروضة من قارات ودول العالم المختلفة، لنجد أنفسنا أمام حصيلة تجارب إنسانية مختلفة.. وربما صادمة فى بعض الأحيان عن التقاليد المتعارف عليها، وهى التجارب التى تمنحنا الخبرة والنضج.. وتقبل الآخر حتى ولو لم تتح لنا الفرصة لكى نمر بها ونعيشها فى حياتنا العادية.. تجارب وحكايات لأفلام مميزة مشاركة.
1- "احكيلى".. عن الأمومة والشغف والاكتئاب
أجيال مختلفة ومتعاقبة لأسرة المنتجة والمخرجة ماريان خورى ...الجدة والأم وماريان وابنتها هن أبطال حدوتة «احكيلى» الفيلم التسجيلى المشارك فى المسابقة الرسمية لمهرجان القاهرة السينمائى.
حواديت عن الأمومة والإنسانية والشغف بالحياة والاكتئاب عاشتها نساء العائلة بمراحل الحياة المختلفة، فيبدأ الفيلم بحوار لماريان مع ابنتها سارة الشاذلى فتطرح الأم على الابنة العديد من الأسئلة وتكشف عن عدم ارتياحها طوال حياتها فهى دائما تشعر بغصة وربما سبب ذلك هو رغبة والدتها فى التخلص منها وهى جنين بإجهاضها فلم تكن ترغب فى وجودها من البداية، لتنقلنا لعالم الأم «ايريس» شقيقة «يوسف شاهين» التى تمتلك الجاذبية والجمال والذكاء الحاد إلا أن تجربتها فى الحياة والأمومة لم تكن ترضى شغفها فجاذبيتها كانت تغطى اكتئاباً شديداً عاشته طوال حياتها، ونعيش أيضا حدوتة ماريان التى كررت أخطاء والدتها فى مرحلة من حياتها ولكنها هربت من زيجتها الأولى التى كادت تجعلها تعيسة للأبد، وعلى الرغم من لوم ماريان على أمها بأنها كانت تحبها بطريقتها لكنها تفاجأ بأنها كررت نفس الأخطاء مع ابنتها سارة والتى لامت عليها انشغالها فى عملها وهى طفلة فلم تشاركها الكثير من التفاصيل.. أيضا فالجدة والدة يوسف شاهين والتى تزوجت من يكبرها فى العمر ولم تكن تحبه لكنها كانت محبة للحياة.
فى الفيلم تحاور ماريان خالها المخرج الكبير يوسف شاهين فى مشاهد شيقة وجذابة مع دمج مشاهد من أفلامه «حدوتة مصرية» و«إسكندرية ليه» للفيلم، كما يتحدث شقيقيها ايلى وجابى خورى وعمتها.
تطرح خورى فى الفيلم سؤال «هل من الضرورة أن يموت أحد كى يعيش آخر»؟ لنرى ثنائية الموت والحياة، فزواج والدة ماريان ووالدها جاء بعد وفاة الجدة بيوم، بينما تهب ماريان الحياة لطفلها بعد وفاة أمها والتى توفيت فى ليلة الميلاد، فمع كل موت تبدأ رحلة جديدة للحياة باختلافها.
أسئلة إنسانية وفلسفية طرحتها ماريان خورى بفيلمها التسجيلى الذى شارك فى مهرجان القاهرة السينمائى فى المسابقة الرسمية والذى يعيد للفيلم المصرى تميزه فى فعاليات المهرجان بعد سنوات «عجاف» كانت مشاركة الأفلام المصرية من باب «الحياء» ليس إلا...أما التجارب نفسها فلم تكن تليق بالمنافسة.
2- "بيك نعيش"..التسامح يهب الحياة
فى مسابقة آفاق السينما يشارك الفيلم التونسى «بيك نعيش» للمخرج مهدى البرصاوى ونعيش طوال عرض الفيلم فى تجربة فارس ومريم وهما عائدين من رحلة فى جنوب تونس مع ابنهما عزيز..لكن هل تظل الحياة دائما كما نرغب؟ أم قد يتغير مسارها لتكشف لنا عن أسرار ربما تكون قاسية لكنها اختبار لاختياراتنا الحياتية.
يتعرض الابن لطلق نار عشوائى ويحتاج لزرع كبد ليكتشف فارس بأنه ليس والد الطفل..وتحتاج الأم للعثور على والده الحقيقى من أجل إجراء جراحة زراعة كبد لابنها من الأب الحقيقى ولكى يتم هذا لابد من الخضوع للقوانين وإثبات بنوة ابنها ونسبه لوالده الحقيقى..صدمة عاشها فارس ولكن عليه الاختيار هل تتبدل مشاعره تجاه عزيز وتنتصر مشاعر الغضب على التسامح والتضحية؟ هل يتخلى عن عزيز الذى رباه منذ ولادته وهو بين الحياة والموت من أجل أن يعاقب الأم؟ أم ستنتصر إنسانيته وتسامحه فى موقف لا يحسد عليه؟
حاول صناع الفيلم الانتصار للمشاعر المتصالحة والأكثر إنسانية..فأحيانا التسامح يهب الحياة من جديد،ويعترف مخرج الفيلم مهدى البرصاوى بأن العمل لم يكن يرى النور فى عهد الرئيس التونسى الأسبق بن على ولكنه كان حريصاً على أن يقدم تجربة عن التغيير الذى تشهده البلاد فى السنوات الأخيرة وأن تكون التجربة تعبر عن الحياة بصورة واقعية.
3- "غبت طويلا يا ابنى".. المحبة بعد الفقد
الإحساس بالذنب والخيانة والحب والتصالح مع اختيارات الحياة كانت أيضا فى الفيلم الصينى «غبت طويلا يا ابنى» لمخرجه وكاتبه وانج شاوشواى، وهو فيلم ميلودرامى مليئ بالمشاعر الإنسانية المختلفة فى رحلة تبدأ مع الثمانينيات من خلال أسرة تحتفل بابنها، وتقوم إحدى الأمهات فى الفيلم بالإبلاغ عن صديقتها الحامل فى طفلها الثانى حيث كانت السلطات لا تسمح إلا بطفل واحد من أجل التعداد السكانى ليتم إجهاضها وتقل فرصها أيضا فى الإنجاب، وبعدها بفترة يموت ابنها الوحيد،فتبدأ أسرة صديقتها التى أبلغت عنها بالشعور بالذنب، فيما تقرر البطلة وزوجها تبنى طفل يعوضهما عن وفاة الابن إلا أنه بعد فترة يقرر هجرهما من أجل أن يستقل بحياته.
وعلى جانب آخر وكنوع من التعويض تقرر شقيقة الأسرة المتسببة فى الإجهاض بأن تحمل من البطل وترغب فى أن تبلغ زوجته كى تهديها الطفل تربيه إلا أنه يرفض أن يصرح لها بالأمر كى لا يجرح مشاعرها،فالفيلم يطرح نماذج مختلفة للمشاعر الإنسانية بين مشاعر الذنب والندم والفقد ولكن فى النهاية تتصالح الأم والأب مع نكبة فقد الابن ومحاولة تعويض الأمر بحب الابن المتبنى.
4- "نوع خاص من الهدوء"..الحياة لا تستقيم بالسادية
كيف يمكن لأن يكون الكون منضبطا بدون أخطاء؟ كيف يمكن أن نلغى العاطفة فيحل محلها الجمود والتحجر واللا مشاعر؟ فى فيلم «نوع خاص من الهدوء» للمخرج ميكال هوجينور والمشارك فى المسابقة الدولية نجد المربية التى تأتى من التشيك لرعاية طفل لتجد نفسها أمام أسرة غريبة الأطوار فعلى الرغم من القواعد والانضباط والرزانة لكنها تكتشف بأن الزوجة والمفترض أنها الأم تقوم بضرب الطفل مبررة الأمر بأنه نوع من التربية القومية ولكى يظل ممتنا فيما يقوم الطفل بشكرها بعد كل مرة تفعل ذلك، وتجبر الزوجة المربية على أن تقوم بذلك بنفسها ومع الوقت تتخلى المربية عن إنسانيتها وتنصاع لحياة الأسرة المريبة كى لا تفقد عملها لتلغى مشاعر الحب التى بدأت تنشأ بينها وبين الطفل والذى قرر الانتقام منها بطعنها وهو ما يؤكد بأن السادية والكراهية لا يولدان سوى العنف وليس الحياة القويمة والمنضبطة، نكتشف فى نهاية الفيلم بأن الفيلم مأخوذ عن الواقع من خلال مجموعة كانت تحاول أن تنشئ أجيالاً جديدة على الطاعة مثل المسيح.