د. رشا سمير تكتب: أورهان باموق.. الكاتب السعيد
ستظل للأبد معارض الكتاب هى المُلتقى لكل عشاق الكلمة، والحضن الذى يجمع القراء والأدباء معا تحت سقف يضم آلاف العناوين والفعاليات..
لم يكن هناك حديث للوسط الأدبى مؤخرا سوى معرض كتاب الشارقة فى دورته الـ38 الذى بدأت فعالياته يوم 30 أكتوبر وتنتهى يوم 9 نوفمبر، دورة حملت عنوان (افتح كتابا.. تفتح أذهانا) والذى شرفت بحضوره.
بدأ حفل الافتتاح بفيلم تسجيلى عن سمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمى، الرجل الذى أقدره واحترم مجهوداته الرائعة فى تحويل مدينة الشارقة إلى عاصمة ثقافية مهمة وعن تقديره لمصر وعشقه الذى كان جليا فى الفيلم الذى أشار إلى أهمية تلقيه التعليم بالقاهرة وكيف أصبح الكتاب صديقا له من خلال دار الكتب المصرية ووجوده هنا..
الحقيقة أنه رجل يستحق التقدير بعد أن أصبح اسمه مرتبطا ارتباطا وثيقا بالثقافة فى الوطن العربى.. فى لافتة رائعة لدعم الأدب خصص سموه 4.5 مليون درهم لاقتناء أحدث إصدارات دور النشر المشاركة فى الدورة 38 لمعرض الشارقة الدولى للكتاب.
الحقيقة أن المعرض ضم مجموعة كبيرة من الأسماء التى ساهمت بإثراء الحركة الأدبية، منهم من قدم أدبا حقيقيا ومنهم من نجح فى التألق على مواقع التواصل الاجتماعى فقط لتتلقفه الأيدى دون أن يكون له قيمة أدبية حقيقية.. فالنجومية بكل أسف لم يعد لها علاقة وثيقة بقيمة ما يقدمه المبدعون.. والأكثر انتشارا بات عنوانا للشخص القادر على التغلغل فى شبكة العلاقات العنكبوتية التى تحكم الوسط الثقافى والإعلامى والفنى.. فباتت الأضواء دائما مسلطة فى الاتجاهات الخاطئة.. لكن المبدع الحقيقى يظل ساطعا حتى ولو بعد ألف عام.. فالأدب الحقيقى القيم يبقى فى عقول وقلوب القراء وليس على مواقع التواصل!..
كان اللقاء الأهم من وجهة نظرى ونظر الكثيرين من الأقلام التى تعشق الأدب الجاد هى ندوة أورهان باموق..
بدأت الندوة بعاصفة من التصفيق صاحبت دخول الروائى إلى القاعة.. فأورهان باموق روائى تركى مهم حاصل على جائزة نوبل عام 2006 وترجمت رواياته إلى أكثر من 64 لغة، على الرغم من ملاحقة القضاء التركى له كثيرا لآرائه السياسية المعارضة..
منذ بداية اللقاء لفت نظر الحاضرين ثقة الروائى البالغة بنفسه واعتزازه بما يعمل منذ تلك اللحظة الأولى التى رفض فيها أن يبدأ حديثه وهناك كلام دائر على هامش القاعة، فطلب من الحاضرين الصمت حتى يتكلم.
استطاع المحاور الشاب الذى يجيد الإنجليزية بطلاقة أن يطرح عليه كل الأسئلة التى دارت فى أذهان الجميع وأجاب هو عنها بكل طلاقة وسلاسة.. فكان عنوانا للمحاور الجيد.
تحدث الروائى عن حلم أمه فى أن يصبح مهندسا، وكيف تمنى هو طول الوقت أن يصبح رساما، وبالفعل عمل كرسام لفترة وهو صغير ثم انتقل إلى الكتابة..
يقول: «بدأت حياتى الأدبية بكتابة الشعر، الحقيقة أن كل شاب فى السابعة عشرة من عمره فى تركيا يجيد كتابة الشعر وهذا على ما أعتقد له علاقة وثيقة بالإمبراطورية العثمانية التى كانت تتجمل وتقتل وتحيا بالشعر.. الواقع أن الروايات تصف العالم أما الشعر فهو حالة من السحر».
ويرد الروائى على سؤال للمحاور قائلا: «لا أستطيع أن أبرر لماذا يريد كل إنسان على وجه الأرض أن يصبح روائيا، ولكنى أتفهم أن عدد الروائيات يتضاعف كل يوم وهذا له علاقة وطيدة بعلم الأجناس، أنا لا أكتب وعينى على تركيا ربما كان هذا فيما قبل، لأننى اليوم بعد ترجمة أعمالى أكتب للعالم كله.. أطلق على نفسى لقب (الكاتب السعيد).. لأننى أكتب وأنا غير مبال بما يدور حولى، كنت أتلقى النقد وأنا صغير بغضب شديد واليوم لم أعد كذلك فأصبحت أكثر سعادة.. لأننى أتقبل النقد بشكل أكثر سهولة».
وجّهَ الكاتب التركى أورهان باموق انتقادات إلى النظام الحاكم فى بلاده، والذى يسيطر عليه حزب العدالة والتنمية بزعامة رجب طيب أردوغان، وقال إنه كان يكتب فى السياسة أما الآن فإنه لا يستطيع المجازفة بعمره ولا بحياة أسرته فابتعد عن السياسة..
ردا على سؤال يقول: أى عمل ندمت عليه؟
قال: «لم أندم على عمل إطلاقا ولا يجوز أن أقول أننى أحب عملا فوق الآخر، ولكننى أندم أحيانا على صفحات معينة أو فصول ربما لو كتبت بطريقة أخرى لأصبح من الأفضل، فالرواية تكون ساخنة فى عقل الأديب لمدة شهرين بعد صدورها ثم يتحول بعد الاطمئنان عليها فورا إلى البحث عن عمل جديد».
يختتم الروائى الكبير حديثه بالإفصاح عن رواية جديدة يكتبها الآن ظلت فكرتها تختمر فى رأسه وتدور لمدة ثلاثين عاما!.