لو أن أحدكم إذا أراد أن يأتي أهله
حينما يتصل قلب المسلم بربه تعالى فإنه يكون دائم الذكر له في كل أحواله، فإذا فرح ذكر الله، وإذا اغتم أو حزن ذكر الله، وإذا نام أو استيقظ، أو سافر أو نزل منزلا، أو صعد أو انخفض، وإذا أمسى أو أصبح، أو دخل أو خرج، حتى وهو يودع الحياة في تلك اللحظات الحاسمة فإنه يجعل آخر كلماته ذكر الله، وهذا من مرادات الله تعالى من عباده، بحيث يظل اللسان لهجا بذكر الله، ويبقى القلب متصلا بملكوته الأعلى.
ومن ألطف التوجيهات النبوية فيما يتصل بموضوع دوام الذكر: التوجيه النبوي بالدعاء وذكر اسم الله تعالى عند إرادة الجماع بين الزوج وزوجته، فمع ما تحمله تلك اللحظات من خصوصية في تركيبة الإنسان، وشعوره ومشاعره، ومع ذلك يأتي التوجيه النبوي حاضاً على استحضار اسم الله، والدعاء بتجنيب الولد حظ الشيطان وكيده وتسلطه عليه.
فقد جاء في حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «لو أن أحدكم إذا أتى أهله قال: باسم الله اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا، فقضي بينهما ولد لم يضره الشيطان أبداً» رواه البخاري ومسلم.
والفقهاء ينصون على استحباب الإتيان بهذا الدعاء ولو مع اليأس من الولد، ويقولون: لِيتحرَّ استحضار ذلك بصدق في قلبه عند الإنزال فإن له أثرا بينا في صلاح الولد وغيره، كما قال ابن حجر في تحفة المحتاج.
قال الشيخ الشعراوي، إن الدعاء الذي يردده الزوج عند الجماع: "اللهم جنبني الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتني" يحفظ المولود من الشيطان والسحر، وأضاف أن من يقول دعاء الجماع عندما يأتي زوجته "ينشأ وليده وليس للشيطان عليه رأي، ولا يمكن أن يؤثر فيه سحر، لأنك عندما استنبته ذكرت المُنْبِت، فيظل في حضانة دائمة".
ومعنى: «لم يضره الشيطان» لم يسلط عليه لأجل بركة التسمية، بل يكون من جملة العباد الذين قال الله فيهم: {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ} [الإسراء: 65] ، قال مجاهد: إن الذي يجامع ولا يسمى يلتفُّ الشيطان على إحليله فيُجامِع معه، قيل للبخاري: مَن لا يحسنها بالعربية يقولها بالفارسية؟ قال: نعم.
وفي الحديث استحباب التسمية والدعاء والمحافظة على ذلك في كل حال حتى في حالة الملاذِّ، وفيه الاعتصام بذكر الله ودعائه من الشيطان، والتبرُّك باسمه والاستعاذة به من جميع الأسواء، وفيه إشارة إلى أن الشيطان ملازم لابن آدم لا ينطرد عنه إلا إذا ذكر الله. (خلاصة الكلام شرح عمدة الأحكام).
قال الحسن: يرجى إن حملت به أن يكون ولدًا صالحًا، ولابن أبي شيبة عن ابن مسعود أنه إذا أنزل يقول اللهم لا تجعل للشيطان فيما رزقتنا نصيبًا.
وقد يستسهل الإنسان تلك الكلمات، ويستعظم أن يكون صلاح الولد مرتبطاً بهذه الأحرف اليسيرات، ولكن نظراً إلى الحال التي يكون عليها الزوج من انصراف همته إلى اللذة، فإن هذا الدعاء يكون مظنة النسيان والغفلة، وحينها لا يوفق لقولها إلا من استدام الذكر في كل أحواله، ولم يشغله عن الله شاغل، وبالتالي يكون هذا هو التحدي الحقيقي، فالعبادة في وقت الغفلة يكون لها مزية فضل على غيرها، ولهذا ما يشهد له في كثير من الأعمال التي فضلت على غيرها لأجل هذا المعنى.