بطرس دانيال تكتب: واجبك مسئولية
«فقال السيد للعبد: «أحسنتَ أيها العبدُ الصالحُ الأمين! كُنتَ أميناً على القليل، فسأُقيمُكَ على الكثير: أُدخُلْ نعيمَ سَيِّدك» (متى 21:25). هل نقوم بالواجبات المطلوبة منَّا تجاه الآخرين؟ لماذا يتهرّب الكثيرون من القيام بواجباتهم؟ ما الداعى من اختلاق شتّى الأعذار لنعفى أنفسنا مما هو مطلوب منّا؟ يُحكى أن تلميذاً كسولاً كان يختلق شتى الأعذار ليتهرّب من واجباته، ذهب فى صباح أحد الأيام إلى مدرسته كالمعتاد دون أن يقوم بواجباته المدرسية التى تُطلب منه، فسأله المعلّم: «أين واجباتك يا صديقى؟» فأجاب التلميذ بكل بساطة: «يا معلّم، قد قلت لنا أن نُعدّ الدرس الخامس!»، فأجابه المدرس: «حسناً وأين هو؟!»، فقال التلميذ: «ليلة أمس صادفت زميلى فى الطريق، ولكنه أخبرنى بأن الواجب المطلوب إعداده هو الدرس السادس». فسأله المعلّم: «وهل قمت بذلك؟»، فأجاب: «كلا يا أستاذ! لأننى لم أفهم أى الدرسين هو المطلوب، فتركتُ كل شىء دون إتمامه». ما أكثر هؤلاء الذين على مثال هذا التلميذ الكسول بين البشر! نجد فى حياتنا اليومية مَنْ يختلقون شتى الأعذار حينما يرفضون عمل أى شىء، وكأن هذه المبررات سبب كافٍ يعفيهم من تتميم الواجبات المطلوبة منهم. لكن يجب أن نضع فى الاعتبار أن الأعذار والمبررات حتى وإن كانت مقنعة، يجب ألا تعفينا من واجباتنا اليومية. فالواجب هو مسئولية جادة ومقدسة تجاه الآخرين، ومَنْ يهمله يُقصّر فى حق الآخرين. وكما يقول الفيلسوف العبقرى أفلاطون: «إذا أتممت واجبك بالرغم مما تشعر به من عناء، فالعناء يزول، بينما لذة القيام بالواجب لا تزول أبداً». فقيمة الإنسان بما يقوم به من واجبات نحو الآخرين، وليس بما يتكلّم به عن نفسه، أو حتى بما يضطر الآخرون أن يتحدثوا به عنه مجاملة ونفاقاً. والإنسان المُحب حقاً، لا يشعر بثقل الواجبات ولا يبالى بتعبٍ، بل يَقْدمَ على أعمالاً تفوق طاقته، لأن مَنْ يقوم بواجباته بكل إخلاص وأمانة سيشعر بالسعادة وراحة البال، ولكن الويل لمن يترك واجبه تهرّباً من العناء والمشقة، فالعناء يزول للتو عندما نتم واجبنا؛ لكن السعادة التى ستحل فى داخلنا وضميرنا، فباقية لا تزول. فالأمانة فى عملنا وواجباتنا، دليل على سمو الأخلاق، وتظهر فى تتميم واجباتنا سواء كانت صغيرة أو كبيرة، فالواجب يشحذ همتنا ويقوىّ عزيمتنا ويعضد علاقتنا بالآخرين. ما أجمل أن نقوم بواجباتنا بصدقٍ وأمانة وحُب دون ملل ولا ضجر، عندئذٍ سننال بركة من الله لأنه يقدّر كل ما نقوم به، وسنكسب حُب الآخرين واحترامهم، لأننا لم نهمل ما هو مطلوب منّا. خلاف ذلك ستنقلب حياتنا إلى غَمّ وهَمّ وعدم الرضا بكل ما نملك، وكما يقول الأديب اللبنانى جبران خليل جبران: «وإن كنت متضجراً ملولاً، فالأجدر بك أن تترك عملك، لأنك إذا خبزت خبزاً وأنت لا تجد لك لذة فى عملك، فإنما أنت تخبز خبزاً علقماً... وإذا تذمرّت وأنت تعصر عنبك، فإن تذمرّك يدس لك سُمّاً فى هذا العصير، وإن أنشدت أناشيد الملائكة ولم تحب أن تكون مُنشداً، فإنما أنت تصم آذان الناس بأنغامك». إذاً يجب علينا أن نحب ما نعمل، لا أن نعمل ما نُحب وأن نُخلص فى واجباتنا اليومية حتى ننال البركة من الله فى مالنا وصحتنا وأسرتنا ثم نشعر براحة الضمير، كما يجب علينا أيضاً أن نبذل جهدنا فى كل ما نقوم به ونحاول الابتكار فيه ونعطيه الوقت الكافى. علاوة على ذلك يجب علينا ألا نؤجّل الواجب المطلوب منّا، حتى لا نخسر الفرصة التى بين أيدينا، ولن نستطيع تعويضها، ومما لا شك فيه أن لكل يوم عمله، فلا يجوز أن نترك عمل اليوم إلى الغد، لأنه ما دمنا عاجزين عن القيام بعمل اليوم، فكيف نستطيع القيام بعمل يومين فى الغد؟ وتأجيل عمل اليوم بدون سبب مُقنع أو ضرورى، دليل على خمول النفس وضعف الإرادة وسقوط الهّمة، لأنه من المنطقى إذا كنّا اليوم، غير مستعدين للقيام بالواجب الوحيد المطلوب منّا فهل نكون غداً أكثر استعداداً ونشاطاً للقيام بواجبين معاً؟ كم من الأشخاص فقدوا مستقبلاً باهراً كان من نصيبهم، ويرجع السبب الرئيسى إلى أنهم أضاعوا فرصة نادرة على أنفسهم، فذهبت ولم تعْد. إذاً يجب أن نضع نصب أعيننا هذا الشعار النبيل «السعى والعمل». ونختم بالمثل الإنجليزي: «مَنْ لا يريد حين يقدر، لا يستطيع عندما يريد».