مع تصاعد الأزمة الداخلية.. "الإخوان" الإرهابية تكتب شهادة وفاتها

عربي ودولي

الاخوان
الاخوان


ككرة الثلج تصاعدت الأزمة الداخلية بجماعة الإخوان الإرهابية على مدار ست سنوات، فالصراع الذي أشعله سقوط التنظيم بمصر إثر ثورة 30 يونيو، ابتلع المحاولات كافة التي جرت لاحتوائه، ونفض عن نفسه السرية التي تعد سمة أساسية للتنظيم، وتخطى حاجز التلميحات الإعلامية إلى مرحلة المصارحة.

 

بيان المكتب العام للجماعة الإرهابية، الذي صدر الأسبوع الماضي، حمل الكثير من الرسائل، ربما أهمها ما تم توجيهه للطرف الآخر داخل التنظيم نفسه، هذا المصطلح الذي استخدم صراحة للمرة الأولى، أثار الكثير من التساؤلات حول طبيعة ومستقبل الصراع الدائر داخل أروقة التنظيم، وتأثيره على استمرار الجماعة.

 

وعلى الرغم من تقارب وجهات نظر مراقبين تحدثوا لـ"العين الإخبارية" حول احتدام الصراع الداخلي بالتنظيم لدرجة استحالة وصول طرفيه لاتفاق يضمن لهما الاستمرار بالعمل معًا في مسارين متوازيين، فإنهم اختلفوا فيما يتعلق بتأثير ذلك على مستقبل الجماعة فبعضهم يرى أن جناح الشباب سينجح في قبض زمام الأمور، بينما وصف آخرون بيان الجماعة بإعلان "شهادة الوفاة".

 

ويمكن اختصار الأزمة الداخلية للإخوان في كونها تتعلق بما بدا أنه فقدان الجماعة قدرتها الفائقة بل والاستثنائية على التعايش الداخلي بين تياراتها الداخلية، وتحولت إلى كتلتين متخاصمتين تتنافسان على الاتباع والتمويل.

 

تشمل الكتلة الأولى ما تبقّى من قيادات الجماعة التي كانت موجودة قبل عام 2013 ويرأسها ثلاثة أشخاص هم: محمود عزت القائم بأعمال المرشد العام، والأمين العام محمود حسين الهارب في تركيا والأمين العام للتنظيم الدولي إبراهيم منير الهارب في لندن.

 

ولا يزال أعضاء هذه الكتلة يعدون مكتب الإرشاد ومجلس الشورى الهيئتين الشرعيتين للجماعة، ويعتقدون أنه من المستحيل إجراء انتخابات داخلية جديدة في ظل الأزمة الراهنة، وأهم ما في هذه الكتلة هو أنها تسيطر على الأصول الخارجية للتنظيم.

 

أما الكتلة الثانية فأنشأت هيكلية تنظيمية جديدة في عام 2014 ورسّختها في عام 2016.

 

وانشقّت هذه الكتلة في البداية تحت إمرة محمد كمال (الذي قُتل لاحقًا في عام 2016) ومحمد طه وهدان (الذي سُجن لاحقًا عام 2015) وعليّ بطيخ (الهارب إلى تركيا منذ عام 2015).

 

ويستند أعضاء هذه الكتلة إلى نظام الجماعة الداخلي ليجادلوا بأنه لا يحق لمكتب الإرشاد ومجلس الشورى الانعقاد والعمل إلا بحضور نصف مسؤوليهم على الأقل.

 

وأعلنت هذه الكتلة عن انحلال الهيئتين القديمتين وأجرت داخل مصر انتخابات بدأت من المستويات الدنيا صعودًا من أجل انتخاب هيئتين جديدتين عام 2016.

 

كما أقامت مكتبًا لها في تركيا لتسيير شؤون الجماعة خارج مصر تحت مسمى المكتب العام لجماعة الإخوان، ويرأسه أحمد عبدالرحمن.

 

تسييل الجماعة.. تيار فكري دون إطار تنظيمي

وقال عمرو فاروق الباحث المصري في شؤون الحركات الإسلامية إن موت الرئيس الإخواني المعزول محمد مرسي مَثل نقطة مفصلية في الصراع بين طرفي التنظيم، إذ بلغ ذروته، وفشلت محاولات عدة من قيادات الجماعة في تداركه، الأمر الذي دفع القيادي الإخواني ياسين أقطاي، نائب رئيس حزب العدالة والتنمية التركي الجناح السياسي للتنظيم الدولي لجماعة الإخوان، لاقتراح حل الجماعة بمصر نهائيًا.

 

مقترح (الحل) أو ما أطلق عليه فاروق (تسييل الجماعة)، يعني فك التنظيم داخل مصر وتحويله إلى تيار فكري له مرجعية إسلامية لا يستند لأي تأصيل تنظيمي وليس له هيكل، وهذا تحديدا ما يسعى جناح الشباب أو الكالميون (نسبة لقائدهم محمد كمال) لإقراره، لكن القيادة الأخرى ممثلة في محمود عزت ترفضه بشكل قاطع.

 

لذلك كان منطقيًا أن تكون الرسالة الأبرز في البيان الصادر عن المكتب العام للإخوان الذي يمثل الفصيل الأول، هي أن الجماعة ستعمل في ظل استراتيجية جديدة بعيدا عن الإطار التنظيمي

 

ويرى فاروق أنه على الرغم من سيطرة محمود عزت ورجاله على الأمور داخل التنظيم حتى الآن، فإن جناح الشباب اقترب من حسم الأمور لصالحه نظرا لتوافق رؤيته مع الدول التي تمول التنظيم وتدعمه، وأنهم نجحوا في استمالة عناصر مؤثرة داخل التنظيم الدولي، فضلا عن فشل القيادة القديمة في وضع أي حلول للأزمات المتلاحقة التي يمر بها التنظيم، في الوقت الذي يقدم فيه الطرف الآخر نفسه باعتباره قادرا على إخراج التنظيم من ظلمته.

 

ويتفق معه تماما الباحث المتخصص في شؤون الحركات الإسلامية أحمد بان الذي أكد أن الجهة التي صدر عنها البيان (المكتب العام للإخوان المسلمين)، وهو الاسم الكودي لجناح ما يُسمى بالعمل النوعي الذي تزعّمه محمد كمال، وذلك يحمل الكثير من الدلالات التي لا تخرج عن تحول جناح الكماليون إلى مركز سيطرة وقيادة داخل التنظيم وهي المساحة التي ظلت محفوظة لمحمود عزت ورجاله على مدار سنوات الأزمة.

 

إذا، جناح الشباب بات يمثل الحصان الرابح داخل التنظيم إذ ستتوجه الدول الداعمة للإرهاب لدعمه وتقويته باعتباره الفصيل الذي يمكنه لعب الدور الأهم والأقوى خلال الأيام المقبلة.

 

التمويل.. جوهر الصراع

حاولت جماعة الإخوان تصدير مشهد الصراع بين طرفيه باعتباره اختلافا حول أيديولوجية استخدام العنف، بين تيار يرفضه وآخر يحض عليه ويمارسه بشكل معلن.

 

لكن الباحث عمرو فاروق لخص الأزمة داخل الجماعة باعتبارها صراعا على القيادة والتمويل، فكل الطرفين يسعى إلى السيطرة على مراكز صناعة القرار وتوجيه دفة الأمور وفقا لرؤيته الخاصة.

 

وقال فاروق إن عملية تمويل الشباب بدأت بالفعل، مشيرًا إلى أن الأمن المصري نجح في إفشال مخطط لتدفق الأموال من التنظيم الدولي للجماعة إلى الكماليين عبر 19 كيانا اقتصاديا وشخصيات إيثارية بعد ضبط "خلية الأمل".

 

وأوردت دراسة صادرة عن مركز كارنيغي لدراسات الشرق الأوسط أن الصراع أوسع من أن يكون مجرد خلاف حول الالتزام بالوسائل السلمية أو استخدام العنف ضدّ النظام. فهو يتعلق بقواعد إدارة الجماعة وعمليات اتّخاذ القرارات الداخلية، والعلاقة بين القيادة والقاعدة الشعبية.

 

ويرى هشام النجار الباحث بمركز الأهرام للدراسات أن الصراع الداخلي الأكثر تعقيدًا خاضته جماعة الإخوان في ظل فراغ عام في مراكز القيادة الرئيسية ومحاولات مستميتة لصعود تيار على حساب تيار آخر ومحاولة السيطرة على مصادر التمويل.

 

وأكد النجار أن نهاية الصراع تتوقف على مدى قدرة الشباب على حل الأزمات أو تقديم رؤى مختلفة والعمل على تنفيذها، متفقا مع الرأي القائل إن الجناح الشبابي هو الأقرب للسيطرة.

 

شهادة وفاة 

رأي آخر يقول إن البيان حمل بين طياته شهادة وفاة الجماعة بمصر، إذ يرى الباحث المنشق عن التنظيم أحمد بان أن الجماعة أرادت من خلال البيان أن تعلن وفاتها إلى الأبد، مؤكدًا أنها الرسالة الأهم التي سيفهمها أعضاء الجماعة بمصر والعالم.

 

وأكد أن الجماعة في مأزق وجودي، بعد أن سقطت دعاوى شرعية الرئيس المعزول محمد مرسي بوفاته، ولم يعد هذا الشعار كافيًا للتعبئة، أو إبقاء ما يسمى (الشعلة الثورية) ملتهبة حتى ولو عبر فضائية أو لافتة في حارة.

 

وأكد أن الجماعة لا تتعدى كونها كائنا سياسيا يتمسح بالدين، فشل في وظائفه الدعوية أو السياسية، كما لا تعترف بأنها غير قادرة على إجراء مراجعة حقيقية للأفكار والسلوك والمسار.

 

وتابع "بان" أن الجماعة تفيق كالعادة متأخرًة، وهي التي عانت تاريخيًّا من فروق التوقيت، والآن تدرك أنه ما كان ينبغي لها أن تُمارس العمل السياسي الحزبي، فلا تؤسس أحزابًا أو تنافس على مقاعد رئاسية أو غيرها، بعد أن أثبتت التجربة أنها فاشلة في هذا المضمار، لذا فهي تُعلن أو بالأحرى أنها تعرف الآن ضرورة ألا تمارس السياسة من خلال حزب، بل عليها أن تعد أن تلك المنافسة هي أضيق أشكال العمل السياسي، وأن هناك فارقًا بين العمل السياسي العام والمنافسة الحزبية الضيقة على السلطة.