مي سمير تكتب: فن تصنيع الشائعات فى أروقة المخابرات
المخابرات تستخدم "الترول" لتفجير الخلافات بالمنتديات.. و"البوت" برنامج لنشر معلومات مضللة
الدعاية، والشائعات، كانت دوماً إحدى أدوات الحرب، ثم تحولت فى العصر الحديث إلى وسيلة مهمة جداً لتفجير المجتمعات وزراعة الرعب باستخدام المعلومات الخاطئة وأنصاف الحقائق.
الدفاع ضد هذه السرطانات يتطلب صبراً ومهارة واستراتيجية، وحسب تحقيق نشره موقع "بالنس سمال بيزنس"، فمصدر قوة الشائعة أن الناس يريدون معرفة المجهول، الذى ترتفع درجة إثارته عندما يتعلق بالمشاهير من رجال السلطة والفن والرياضة، أو عندما يرتبط بكواليس الصفوة التى لا يقترب منها أحد، ومن هنا تأتى قوة الأخبار المضللة والأكاذيب، ويكفى وضع عنوان يتضمن الكشف عن سر تحاول الحكومة إخفاءه عن مواطنيها لضمان تصدر الخبر لمحركات البحث.
1- عالم الشائعات والدعاية المضادة
تحالفت منصات وسائل التواصل الاجتماعى مثل فيس بوك، تويتر، انستجرام، سناب شات، على مدار العقد الماضى من خلال إمكانية الوصول الفورى للأخبار عبر الهواتف المحمولة والرسائل النصية لجعل عالم الشائعات أكثر تأثيراً على المجتمعات، استغلالاً للرغبة المحمومة لدى أى شخص فى أن يصبح أول من يعرف، ليبدو أكثر اطلاعاً مقارنة بمن حوله، ولذا تنطلق الشائعات، وتنتشر بشكل متسارع، ويصعب السيطرة عليها.
الشائعات الأكثر ضرراً تدور حول أشياء غير واقعية، ويجب التمييز بين الأشياء غير الواقعية والأكاذيب، إذ يوجد اختلاف كبير بينهما.
لا يمكن إثبات الأشياء غير الواقعية، مثل الأحداث المستقبلية، ألغاز الماضى، وكذلك الدوافع الشخصية الحقيقية، ومن الصعب التصدى للشائعات القائمة على الأشياء غير الواقعية لأنها بطبيعتها تحتوى على دفاعات مدمجة، كما لا يستطيع أحد معرفة المستقبل، كما لا يزال جزء كبير من الماضى يمثل لغزاً، لأن بعض الملابسات تظل دون توثيق بشكل كاف، كما لا يوجد أى دليل على أفكار أو مشاعر أو دوافع لشخص ما فى الماضى.
أما فيما يتعلق بالشائعة القائمة على أكذوبة، فيجب إدراك أن الكذبة تحاول تخريب حقيقة معروفة، وتهدف لتقويضها مثل القول بأن "الأرض مسطحة"، رغم وجود أدلة كثيرة تثبت أن الأرض مستديرة، ومع ذلك يصر البعض على أنها مسطحة، لمجرد أنهم يريدون تصديق هذه الأكذوبة.
عندما تواجه كذبة، لا يكفى دائماً الرد بالحقيقة، فالبعض لديه دوافع للاعتقاد ونشر أكاذيب معينة لأنها تدعم قصتهم أو فكرتهم، ومن الأمثلة البارزة على ذلك، أكذوبة محل ميلاد الرئيس الأمريكى السابق باراك أوباما، بأنه ولد فى كينيا، رغم أن كل الأدلة تشير إلى أنه ولد فى هاواى، ولتأكيد الأكذوبة يتم الإشارة إلى أن الأدلة على مولده فى كينيا تم تزويرها، وبالتالى يتحول الدليل إلى وسيلة لدعم الأكذوبة.
وفى كثير من الأحيان، لا تتمثل الخطوة الأولى فى مواجهة الأكاذيب فى إعطاء الناس الحقائق والحقيقة، ولكن فى معالجة الدافع الخفى الذى يدفعهم إلى تصديق الكذبة أو الشائعة، وفى الأغلب، يتم تصنيع الشائعات والأكاذيب من قبل المعارضة سواء المعارضين للنظام الحاكم أو أجهزة المخابرات الأجنبية إلى فنانة تحارب زميلتها، مروراً بالشركات المتنافسة.
أما الدعاية المضادة فمختلفة تماماً إذ أنها جهد منظم لمعالجة الجمهور باستخدام وسائل الإعلام والرقابة والمعلومات الخاطئة وأنصاف الحقائق.
واتخذت الدعاية تطوراً جديداً بالكامل مع ظهور ما يسمى بالمواقع الإخبارية المزيفة، والتى ينشأها ناشرون يبحثون عن عائد إعلانى من خلال مشاهدات مقالات و"أخبار" مضللة أو غير واضحة ذات عناوين مثيرة أو مثيرة للجدل، بمجرد بدء تداول هذه المقالات على منصات وسائل التواصل الاجتماعى، قد يكون من الصعب للغاية التحقق منها أو دحضها.
2- كيف تصنع الشائعات؟
تعتمد حرب الشائعات على بعض الأدوات التكنولوجية الجديدة التى تساعد فى انتشار الشائعة وفى بعض الأحيان تصديقها، وهناك كثير من الأدوات والخدمات لمعالجة الرسائل ونشرها عبر شبكات التواصل الاجتماعى، والتى يتم بيع كثير منها فى مجتمعات مختلفة عبر الإنترنت من جميع أنحاء العالم، منها "الإعجابات الزائفة" والمتابعين مدفوعى الأجر.
وفى الصين هناك شركات متخصصة يطلق عليها مزارع الإعجابات والمتابعين، ويكفى التعاقد مع إحدى هذه الشركات لضمان آلاف المتابعين وعشرات المئات من الإعجابات على ما تنشره من أخبار ومعلومات وبالتالى تضمن أن يجذب منشور مستخدمى مواقع التواصل الاجتماعى، ما يعطى المعلومة الزائفة مصداقية لدى البعض.
وتعتمد أجهزة المخابرات فى حرب المعلومات على بعض الأدوات الأخرى مثل المتصيد أو الترول: هو الشخص الذى يزرع الخلاف على الإنترنت عن طريق نشر رسائل تحريضية أو غريبة أو كاذبة عبر الإنترنت مثل مواقع الأخبار أو المنتديات أو غرفة الدردشة أو المدونات، بقصد تحريض القراء وإثارة الخلافات بينهم هناك أيضا، البوت: هو تطبيق برنامج يقوم بتشغيل المهام الآلية "البرامج النصية" عبر الإنترنت، وعادة، تؤدى البوتات مهام بسيطة ومتكررة على حد سواء، بمعدل أعلى بكثير مما يمكن للإنسان بمفرده.
وتسعى هذه الأدوات لقمع أى نقاش يعارض الشائعة أو المعلومات المضللة من خلال حسابات وهمية، ويترك وجود الترول والبوتات وسائل الإعلام الرئيسية غير متأكدة مما إذا كانت صفحات التعليقات مليئة بالحسابات الحقيقية أو المتصيدون الذين لديهم أجندة، ولوضعها فى نصابها الصحيح، "من المتوقع أن ينشر كل متصيد عشرات الأخبار الكاذبة، ويحافظ على 6 حسابات فيس بوك و10 على تويتر، مع 50 تغريدة فى اليوم الواحد.
هذا الشكل من أشكال حرب المعلومات غالباً ما يتم التقليل من أهميته وحجم تأثيره، وبالتالى يترك الجمهور المستهدف للاستغلال من خلال نقاط الضعف الموجودة بالفعل، فحسب دراسة من إعداد جامعة نبراسكا بعنوان "حرب المعلومات الروسية والانعكاسات على سياسة الردع"، فإن البلد الضحية لا يشك حتى فى تعرضه لتأثير نفسى ومعلوماتى، وهذا يؤدى بدوره إلى مفارقة: المعتدى يحقق الأهداف العسكرية والسياسية مع الدعم النشط من سكان البلد الذين يتعرضون لتأثير.
3- المخابرات الغربية
حالياً تعتمد أجهزة المخابرات العالمية على حرب الشائعات لتحقيق أهداف ومصالح دولها وعلى سبيل المثال، يتم تعريف حرب المعلومات، وفقاً للمخابرات الروسية، بأنها مواجهة بين دولتين أو أكثر فى مساحة المعلومات لإلحاق الضرر بنظم المعلومات وعملياتها ومواردها.
وتعد هذه الحرب، ذات أهمية حاسمة لتقويض النظام السياسى والاقتصادى والاجتماعى، من خلال ما تعتبره روسيا "غسيل دماغى واسع النطاق" للسكان لزعزعة استقرار المجتمع والدولة، كما أن هذا الأسلوب يجبر الدولة على اتخاذ القرارات لصالح الطرف المواجه.
وحسب وسائل الإعلام الغربية، فإن المبنى رقم 55 سافوشكينا بسانت بطرسبرج، هو المقر الرسمى لإدارة الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعى للمخابرات الروسية حيث تتم إدارة كل ما له علاقة بحرب المعلومات والشائعات عبر الإنترنت.
لكن ماذا عن المخابرات الغربية؟ فى عصر الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعى.
طورت وكالات الأمن القومى الأمريكية وسائلها للتأثير على الرأى العام العالمى، ولا تختلف المخابرات المركزية الأمريكية كثيراً عن نظيرتها الروسية حيث تطبق ما يطلق عليه عملية الطائر المحاكى فى نسختها الحديثة. كانت عملية الطائر المحاكى حملة سرية لوكالة المخابرات المركزية للتأثير على وسائل الإعلام المحلية والأجنبية، بدأت فى خمسينيات القرن الماضى، وفقاً لتقرير الكونجرس المنشور عام 1976.
ومن خلال عملية الطائرة المحاكى احتفظت وكالة الاستخبارات المركزية بشبكة تضم عدة مئات من الأفراد الأجانب حول العالم يقدمون المعلومات لوكالة المخابرات المركزية، وفى بعض الأحيان يحاولون التأثير على الرأى العام من خلال استخدام الدعاية السرية.
ويمنح هؤلاء الأفراد وكالة المخابرات المركزية إمكانية الوصول المباشر إلى عدد كبير من الصحف والدوريات، وعشرات الخدمات الصحفية ووكالات الأنباء، ومحطات الإذاعة والتليفزيون، وناشرى الكتب التجارية، وغيرها من وسائل الإعلام الأجنبية.
فى إطار توسيع عملية الطائر المحاكى، تقوم المخابرات الأمريكية حالياً بإنشاء حسابات مستخدمين مزيفة فى مختلف منتديات الإنترنت وقنوات التواصل الاجتماعى، وتجادل السياسة مع مستخدمين حقيقيين فى محاولة لخنق وتخريب الاتصالات الحقيقية بين المستخدمين.
وحسب موقع أمريكان إنتليجنس ريبورت، يملك العملاء الذين يعملون فى الإدارة السيبرانية التابعة للمخابرات الأمريكية ما يقرب من 10 حسابات وهمية تلعب دوراً فى الدفاع عن الولايات المتحدة الأمريكية فى المقام الأول، بجانب نشر الأكاذيب والأخبار المضللة التى تتماشى مع أهداف المخابرات الأمريكية.
مثل المخابرات المركزية الأمريكية، اهتمت وكالة الأمن القومى بعالم الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعى.
وفى منتصف 2009 تم تأسيس قيادة الولايات المتحدة السيبرانية التابعة لوكالة الأمن القومى فى فورت جورج جى ميد، ماريلاند، ورغم أنه تم إنشاؤه فى الأصل للقيام بمهمة دفاعية فقد أصبح يُنظر إليه بشكل متزايد على أنها قوة هجومية، حيث تم فى 18 أغسطس 2017، الإعلان عن ترقية قيادة الولايات المتحدة السيبرانية إلى مستوى القيادة القتالية الموحدة الكاملة والمستقلة.