إصرار وعزيمة.. "رنا" مهندسة مسجد "الفتاح العليم" بطلة "الشقيانين" (صور)
عشقت التحدي منذ نعومة أظافرها، تسوقها أقدامها باستمرار خلف المستحيل فتجعل منه ممكنًا رافعة شعار "الست تقدر تعمل أي حاجة"، فأمضت تُسجل سيلًا من النجاحات التي دائما ما وصفها المجتمع بـ "الذكورية" في رصيدها كامرأة وأم في الوقت نفسه.
فقبل أعوام؛ قررت رنا زينهم، الالتحاق بكلية الهندسة، وسط رفض تام من عائلتها التي فضلت أن تلتحق ابنتهم بمجال يلائم طبيعتها كفتاة، ولكن روح التحدي والرغبة الدائمة في إثبات ذاتها بمواجهة الصعوبات، ملأتها إصرارًا على خوض التجربة، فنجحت في إقناع والديها لتبدأ رحلة جديدة مليئة بالمغامرات داخل عالم مهنة "الشقيانين" كما يطلق عليها.
في البداية لم تنجح المهندسة ذات الخمس وثلاثون ربيعًا في الالتحاق بقسم الميكانيكا الذي كانت تفضله، فدفعها القدر للالتحاق بالقسم المعماري ولكنها لم تكن تعلم ما يخبئه لها من مفاجآت، فبعد أعوام من العمل المحفوف بالمخاطر والصعوبات، تكلل مجهودها في اختيارها للمشاركة ببناء مسجد الفتاح العليم بالعاصمة الإدارية الجديدة؛ لتصبح المهندسة الوحيدة المسؤولة عن المشروع وسط المئات من العمال والمهندسين.
كان خبر انضمام "زينهم" إلى المشروع كالصاعقة على رؤوس العاملين بالمسجد: "قعدوا يقولوا مين دي وإزاي ست تشتغل وسطنا على مشروع زي دا"، نميمة مستمرة وانتقادات لاذعة اعتادت أن تسمعها أذناها فتحجبها لتحفر داخل ذاكرتها كلمات التشجيع والتحفيز التي لاقتها من المسؤولين عن المشروع في إشادة صريحة بمجهودها، لاسيما وأنها انخرطت داخل العمل في القسم المختص بحرفة "الزجاج المعشق" والزخارف الإسلامية لمدة عام كامل بمسجد الفتاح العليم.
ووسط تهكم زملائها الذكور والذي اعتادت عليه كروتين في كل مشروع جديد تشارك في تأسيسه، استطاعت مع الوقت أن تكتسب خبرة كافية التعامل بينهم، فكان إلزامهم الصمت بإثبات "جدعنتها" و"رجولتها" في مختلف المواقف الصعبة التي يمر بها أي مشروع هو المفتاح الذي تغلق به أبواب الغيبة والنميمة التي تدور من خلفها.
ولكن حياة أخرى كانت "رنا" مسؤولة عنها بجانب عملها كمهندسة، فبالرغم من مشقة العمل والتي تتطلب أحيانًا المبيت، وتحتاج في أحيان أخرى استمرار العمل من الثامنة صباحًا وحتى الثانية عشر من منتصف الليل ناهيك عن التنقل بين المسافات البعيدة؛ استطاعت "رنا" أن تخلق جوًا من الألفة بينها وبين نجليها اللذان لم يتجاوز عمر أكبرهم 12 عامًا، فحرصها على اكتساب صداقتهم كان أولوية بالنسبة لها بجوار مهنتها، بل تستغل موهبتها في الرسم أحيانًا لإضفاء المتعة على الأوقات القليلة التي يقضونها معًا وخاصة في المناسبات بتلوين وجوههم.
دائمًا ما تعود المهندسة الثلاثينية منهكة من أجواء العمل، ولكن دعم أبنائها وفخرهم بها كان الوقود الذي يمنحها طاقة استكمال اليوم ومتابعة أحداثه ومشاكلهم دون تردد، ومع خلودهم إلى النوم تبدأ رحلة معاناة أخرى في تحضير وجبات اليوم التالي وإنهاء مستلزمات المنزل قبل أن تحصل على بضع ساعات معدودة من الراحة: "بجانب نظام معودة ولادي عليه يعتمدوا على نفسهم عارفين هيعملوا إيه ويتصرفوا إزاي في أي موقف".
ومع وجود ضغوطات يومية تتطلب من المهندسة الأم أن تخلق توازنًا بين منزلها وعملها، لا تزال تثابر لتحقيق طموحاتها للوصول إلى منصب أعلى كرئيسة للمهندسين بالشركة التي تعمل بها؛ لتثبت أنه في الوقت الذي تستطيع فيه المرأة أن تصبح أمًا وعاملة فهي في الوقت نفسه قادرة أن تحل محل الرجال في المهن التي يحتكرونها كالهندسة: "الناس بتبص دايمًا للهندسة إنها شغلانة رجالة بس الحقيقة إن الست قوية وتقدر تعمل شغل أحسن من الراجل بكتير وتدي مجهود كبير في كل المجالات".
فتعارض رنا زينهم، تخلي العديد من الفتيات مؤخرًا عن الركض خلف أحلامهن لمجرد نظرة المجتمع إلى طبيعة العمل الذي يرغبن في امتهانه، فترى أن تحقيق المرأة لأحلامها والوصول إلى أهدافها هو الأساس الذي يجب أن تبني عليه حياتها قبل التفكير في الزواج، لتثبت للمجتمع أنها قادرة على تقديم الأفضل بالمساواة مع الرجل: "حتى لو عندها بيت وأولاد"، فدائمًا ما تسعى خلف إثبات أنه كما وراء كل رجل عظيم امرأة، فوراء كل امرأة عظيمة قوتها وإصرارها على تحدي العقبات.