د. أماني ألبرت تكتب: سلسلة مفاتيحك تراقبك
كان الجاسوس قديمًا، شخص مدرب أعلى تدريب في كافة المجالات وخاصة ليقوم بجمع المعلومات بشكل سري لصالح جهة معينة دون أن يتم كشفه.
والآن استخدمت وسائل التواصل الاجتماعي طرق الاستخبارات لتنقلنا من عالم الجاسوسيسة الي المراقبين الإليكترونيين داخل الفضاء الإفتراضي الفسيح. والحقيقة وجد الأمر بيئة خصبة، إذ سهلت وسائل التواصل الاجتماعي الوصول لكل ما يريد المراقب من معلومات.
قديمًا، كان يتم معرفة المعلومات بالتعذيب لإنتزاعها من أصحابها.
أما الآن فالأشخاص يقدمون بأنفسهم معلوماتهم الشخصية وبمنتهى السهولة. فيما نطلق عليه ’’الهندسة الإجتماعية‘‘ أو الاحتيال والتلاعب بالأشخاص بهدف دفعهم للإفصاح عن معلوماتهم الشخصية أو بياناتهم السرية من خلال الإجابة على بعض الأسئلة التي قد تبدو بسيطة أو تافهة. وحينما يتم اصطيادهم للإفصاح عن أرقامهم السرية أو حساباتهم يتم اختراقها.
لم تعد هناك حاجة للجدران السميكة أو أبراج المراقبة أو أدوات التصنت، إذ وفرت وسائل التواصل والتطبيقات الخاصة بها الكثير من المجهود والوقت.
فنحن مراقبين من كل جهة، وكأن هناك عيون إليكترونية تراقبنا. بداية من كاميرات مراقبة لوحات السيارات إلى كاميرات المحلات التجارية إلى كاميرات الشركات التي تراقب موظفيها إلى الكاميرات الأمامية للكمبيوتر والهواتف.
فهناك تطبيقات تشغل الكاميرات تمسح بصمة الوجة مستخدمة 30 ألف نقطة يتم إسقاطها على الوجه لمعرفة تفاصيله، وتقرأ تعبيرات الوجة مميزة ملامح الشخص من حيث الحزن والفرح وبالتالي تتعرف على الحالة النفسية والمزاجية للمستخدمين. وهو بالطبع ما يمكن استغلاله لصالح التأثير على الرأي العام في المواقف الفاصلة.
وهناك تطبيقات تشغل فلاش الكاميرا تشترط أن تعرف البيانات الشخصية قبل تنزيلها.
وبينما نضغط أوافق على شروط الخصوصية، فإننا نوافق على عبارة ’’الالتزام بشروط وأحكام الطرف الثالث‘‘ أو الشركات التي تربط بينهم اتفاقيات وبين شركة هذا التطبيق، وجزء من شروط وأحكام هذه الشركات هو مشاركة بياناتك مع شركات أخرى. وشركات الطرف الثالث أحيانا تكون شركات لدراسة سلوكيات المستخدمين!.
فالأمر أبعد من الأسم والنوع وتفاصيل بطاقة الائتمان بل وصل الأمر لإختراع تطبيقات تُمكن من التعرف على حركة الهاتف وحركة اليد واتجاهات الهواء أثناء عملية الكتابة وبالتالي الوصول لما يقوم المستخدم بكتابته. كثير من التطبيقات تحدد أماكن أبراج الشبكات وترسلها لجوجل ما يعني أنه يمكن تحديد مواقعنا وتحركاتنا وأماكننا بسهولة. بل أن بعضها يستخدم مستشعرات حركة الهاتف ويحولها لميكروفونات تسجل الأصوات من حولها.
وما لا يخفى على الجميع أن المتصفحات الخاصة بالمواقع تكشف عن تفضيلات المستخدم من خلال تاريخ زيارته للمواقع والملفات التي يهتم بتنزيلها وكلمات السر التي يكتبها وسلوكيات التصفح.
لقد وفرت وسائل التواصل الاجتماعي عملية رصد وتتبع الأشخاص. وفي الوقت الذي يظن مستخدموا الفيسبوك أنهم يراقبون الآخرين، فالعالم بأسره يراقبهم!.
فمفاهيم الجاسوسية تغيرت. وأصبح الإنسان هو نفسه مصدر أذى نفسه. حينما تحول لسلعة يعلن عن نفسه ويروج لها ويشارك خصوصياته للحصول على المزيد من الإعجابات والتعليقات وبينما يرتفع لدي هؤلاء هرمون الدوبامين في المخ الذي يسبب السعادة بسبب زيادة الإعجابات، وبينما يجاهد هؤلاء لإثبات أنفسهم والإعلان أنهم موجودين، يكونوا مراقبين من كل ناحية، ليس فقط من خلال الكاميرات أو الهواتف أو تطبيقاتها بل قد يصل الأمر يومًا للتجسس على الشخص من خلال أبسط الأشياء المحيطة بل كسلسلة مفاتيحه!