في زمن الأبيض والأسود.. كيف احتفل المصريون بعيد الحب قبل 50 عام؟
حينما عزفت أم كلثوم على أوتار القلوب بـ"هوا صحيح الهوى غلاب"، وعندما كانت البراءة عنوان النظرات المتبادلة، والابتسامات رمز للاحترام.. تلك الأوقات التي كانت الأيادي ترتجف عند تسليم جواب سطرته المشاعر لا أحبار الأقلام.. هذه الفترة التي كانت الوردة تساوي القرش صاغ كقطعة ألماس تتباهى بها الفتاة خلف أذنها ليتناثر عطرها على خصلات الشعر.. أيام "التروللي باص" والتروماي وسيلتا نقل البسطاء.. تلك اللحظات حينما كانت المقاهي منبرًا للشعر والأدب، أما الطوابع وقطع القماش فهي هدايا الأثرياء المغلفة دائمًا بأوراق بيضاء.
عودة إلى الزمن الذي لا يختلف اثنان على كونه جميلًا، إلى ريعان شباب أجيال الستينات والسبعينات من أجدادنا اليوم، إلى ما قبل 50 عامًا، حينما كانت طرقات الحب تلمع على بعد أمتار بين المحبين، عندما كانت ألحان الأغاني تنبض كدقات القلوب الصادقة، والأبيض والأسود داخل أفلام السينما لم يكن يغير ملامح الواقع، ولم يسمح بتشويه جمال الحقيقة، عندما كان البعض منا صغارًا والكثير من بيننا لم يكن وُلد بعد، وقتما كان الحب عيدًا لكل زمان ومكان لا تخصص له الأيام.
شريط ذكريات هذه الفترة مر سريعًا أمام عم "سمير" الرجل الستيني الذي تنهد كأنما قد عاد من رحلة طويلة عبر الزمن بذاكرته حينما وقع على مسمعه لأول مرة لفظ الاحتفال بـ "عيد الحب"، فبالرغم من تواجده منذ قديم الأزل، إلا أنه منذ 50 عامًا لم يكن يعبأ الناس بتخصيص هذا اليوم للاحتفال كما كان الغرب يحرصون: "أياميها الناس مكانتش محتاجة أعياد للحب كله كان بيحب بعضه".
فلم يُحرم "سمير" من الحب طوال سنوات طويلة ذاقه فيها كل يوم مع زوجته قبل أن تصعد روحها إلى السماء منذ خمسة أعوام، كان حريصًا على التعبير عن مشاعره لها ولأبنائه باستمرار: "الاحتفال المميز بالنسبالنا كان بأعياد الميلاد اللي بنجيب فيها هدايا مخصوصة بس"، فلم ير المسن ذو السبعة وستون عامًا، أهمية حقيقية للاحتفال بعيد الحب سوى كونها ظاهرة بدأ الشباب في ابتداعها لتقليد الغرب.
"كانوا بيحتفلوا بعيد الحب المصري أكتر من العالمي".. هكذا يرى عم "محمد" احتفالات عيد الحب في الماضي، فبدأ الإقبال على الفكرة منذ أعلن عنها الكاتب الصحفي مصطفى أمين لتنتشر الاحتفالات بعيد الحب المصري في شهر نوفمبر: "لكن فكرة عيد الحب العالمي بتاع فبراير مشوفناش احتفال بيها غير اليومين دول بعد ما ظهرت عقدة الخواجة عند شباب الجيل دا".
وبحكم مهنة عم "محمد" المتمثلة في بيع الورود، فإن أعياد الحب قبل 50 عامًا كانت مختلفة في أسلوب التعبير عنها والاحتفال بها وتبادل المشاعر بين الأفراد فيما بينهم، فالإقبال على شراء باقات الورود والحرص الشديد على اختيارها بعناية ودقة وبأذواق وروائح خاصة اختفى مع ظهور موضة هدايا الألعاب والقلوب والوسائد الحمراء: "زمان كانوا ناس كتير بيحبوا يشتروا الورد في عيد الحب.. دلوقتي فيه ناس بتشتري بس مش زي الأول خالص".
وبالرغم من أن احتفالات أعياد الحب متعارف عليها بشكل أكبر بين المتحابين، إلا أن عم "مينا" الرجل السبعيني، يتذكر جيدًا كيف أن هذا النوع من الاحتفالات قبل خمسون عامًا كان ظاهرة للتعبير عن المشاعر وتجديدها بين الأبناء وآبائهم: "حتى بين الصحاب والاخوات والمتجوزين.. مشوفنهاش بين اتنين بيحبوا بعض كتير كده زي دلوقت".
لم يكن عم "مينا" وحده من يرى أن أعياد الحب مختلفة تمامًا عن زمن الستينات والسبعينات، فيعود "مدحت" إلى الماضي ليتذكر أن مصطلح "عيد الحب" لم يكن منتشرًا بكثرة منذ 5 عقود: "مكانش أصلًا فيه حاجة اسمها احتفال بعيد الحب.. الحب كان موجود بين الناس طول الوقت وقلوبهم دايمًا كانت على بعض"، وبالرغم من ذلك يشجع الرجل الستيني فكرة الاحتفال بأعياد الحب المنتشرة حاليًا: "طالما بتدخل الفرحة على قلوب الناس ليه لأ.. الناس بتدور على أي مناسبة تخترعها عشان تتبسط".