بالأدلة.. نزلة السمان عائمة على بحر من الآثار المصرية القديمة

قضية نزلة السمان تُمثل أمرًا مؤرقًا للكثير من المهتمين بقضايا الآثار في مصر، فهي سكين ذو حدين، أولهم بالطبع إنساني بحت، وهو وجود سكان في المنطقة، ومساكنهم تُمثل مصدر رزق لهم، والحد الثاني أن هذه المنطقة في حرم منطقة آثار الأهرامات وأبو الهول، والتي تخضع لقانون حماية الآثار في المادة 90، والتي تقضي بعدم التعلية والبناء فيها تحت أي ظرف.

ولكن إذا كان القانون يحمي المنطقة لأنها فقط في حرم الآثار وليست أثرية، فماذا سيكون الحال لو أن المنطقة أثرية بالفعل، وأسفلها لا يوجد أثر عادي بل من المحتمل أن يكون كنز أثري جديد؟

الهرم الأكبر يعتبر أحد أعظم المنشآت المعمارية في التاريخ
وفي هذا الشأن قال تامر المنشاوي وهو باحث في مجال الآثار المصرية القديمة، بكلية الآثار جامعة القاهرة، إن الهرم الأكبر يعتبر أحد أعظم المنشآت المعمارية في التاريخ قاطبة، وقد عده المؤرخون أحد عجائب الدنيا السبع. 

وعن صاحب الهرم، أضاف "المنشاوي" إنه الملك خوفو أحد ملوك الأسرة الرابعة، والذي تولى الحكم بعد الملك سنفرو والده، وقام بتشييد الهرم كمقبرة له، إذًا فـ الهرم بناء جنائزي وهو جزء من المجموعة الجنائزية للملك خوفو، والتي في المعتاد تتكون من الهرم وهو المقبرة، ومن الطريق الصاعد، ومن المعبد.

وتابع: "إن الدكتور زاهي حواس عالم المصريات المعروف، قام بالكشف عن مقابر العمال الذين شاركوا في بناء الهرم، كما تم الكشف في وقت سابق عن تمثال صغير للملك خوفو، في منطقة العرابة المدفونة بأبيدوس، وهو موجود في المتحف المصري بالتحرير، وكذلك تم الكشف عن الطريق الصاعد، ويبقى هنا معبد الوادي، وهو الجزء المفقود من المجموعة الجنائزية للملك".

ولفت "المنشاوي" إلى إنه طبقًا للمراجع، فـ إن معبد الوادي الخاص بالملك خوفو، يعتبر لغزًا مُحيرًا، فـ حتى الآن لم يتمكن أحد من الكشف عنه، نظرًا أنه في الأغلب موجود أسفل منطقة "نزلة السمان"، والتي هي في الوقت الحالي منطقة سكانية، من المتعذر إجراء التنقيبات الأثرية فيها.

قرية أسفل منطقة الهرم يُرجح أنها نزلة السمان
وجاء عرض تلك المراجع كالآتي؛ حيث يقول الدكتور زاهي حواس في كتابه "هضبة الجيزة" عبر العصور، إن بليني الأكبر ذكر قرية بوصير، ووصف أنها على مقربة من منطقة هضبة الأهرامات، وتحدث عن سكانها، وأنهم كانوا بارعون ومهرة في تسلق الهرم، ويُعتقد أن هذه القرية كانت توجد أسفل منطقة الهرم ومن المرجح أنها منطقة نزلة السمان الحالية.

معبد مدفون تحت نزلة السمان
ويقول سليم حسن في الجزء الأول من موسوعته "مصر القديمة"، إنه في جهة الهرم الشرقية كان يوجد معبد ضخم، ويُطلق عليه المعبد الجنائزي، وهذا المعبد كان على صلة بمعبد آخر يُطلق عليه معبد الوادي، وله طريق مشيد بالأحجار الضخمة، وفي وسطه يوجد ممر ضيق كان يُستخدم لمرور الكهنة الذين كانوا يقيمون المشاهد والمراسم الدينية الخاصة بالملك.  

 
كتب تناولت أثرية منطقة نزلة السمان
ويعرض الدكتور عبدالعزيز صالح الباحث الأثري في كتابه "حضارة مصر القديمة وآثارها"، أن معبدي هرم الملك خوفو لم يتبق منهما شيء، نظرًا أن بقايا معبد الوادي وأطلاله مدفونة تحت منطقة "نزلة السمان"، بينما معبد الشعائر لم يتبق منه غير أرضيته المرصوفة بحجر الديوريت. 

وأشار الدكتور أحمد فخري في كتابه "مصر الفرعونية"، أنه يوجد في الناحية الشرقية من الهرم جسر ضخم واصل من حافة الهضبة إلي الوادي، وتم استخدام هذا الجسر كطريق يصل إلى منطقة معبد الوادي، والذي لم يتم العثور عليه حتى الآن، ومن المؤكد أنه يوجد تحت منطقة نزلة السمان الحالية.

ومن ناحيته يقول الدكتور اسكندر بدوي في كتابه "تاريخ العمارة المصرية القديمة"، وعبر شكل توضيحي للمعالم المعمارية لهرم خوفو، يصف لنا أنه لا يوجد أي ملامح لمقصورة القرابين، ولكن معبد الطقس الجنائزي يقع في محور الواجهة الشرقية، وهو متصل بسور الهرم، ويمتد إلى الطريق الصاعد، وهو مُشيد على جسر من الحجر ويعبر فوق قنطرة في نهايته السفلي، مما يؤكد علي وجود معبد الوادي الخاص بالملك خوفو تحت منطقة نزلة السمان.

ومن هنا يتضح الحد الثاني لهذا القضية الشائكة، وهو أن نزلة السمان ليست فقط حرم منطقة أثرية، وإنما هي منطقة تحوي في باطنها معبدًا من أهم المعابد المصرية القديمة قاطبة، والتي يجب أن تراعي البُعد الإنساني لسكان المنطقة.