مي سمير تكتب: مفاجآت.. عن المرأة والحب والجنس فى الكنيسة
الزواج لم يكن محرمًا على الرهبان وأصبح من الأسرار الـ7 بقرار
آباء الكنيسة اعتبروا الجنس مع الزوجة "دعارة" ومهم للإنجاب فقط والحب ضرورة لـ"وجه الله"
لم تكن أفكار الكنيسة الكاثوليكية، بين يوم وليلة ولكنها احتاجت لنحو ألفى عام، كى تصبح ما عليه الآن، وأبسط مراجعة لها تكشف عن مفاجآت فيما يتعلق بأفكارها عن الحب والجنس والمرأة والزواج، وهى كلها أسئلة احتاجت الإجابة عنها لمئات السنوات، ولذا فتحت مجلة هيستوريا الفرنسية ملفاً فى إطار هذه المحاولة.
المجلة كانت تهدف بنشر هذا الملف معرفة إذا كان يمكن فى النهاية المزج بين تعاليم الدين والمشاعر العاطفية، وإذا كان هناك مجال واحد يصعب فيه تعريف عقيدة الكنيسة الكاثوليكية، فهو العلاقات العاطفية بين الرجل والمرأة، حيث تباينت مواقف اللاهوتيين وممارسات المسيحيين حول هذا الموضوع على مر القرون، وأحياناً فى نفس الوقت.
من خلال الاعتماد على ترسانة من النصوص التى تناولت هذا الموضوع على مدار ما يقرب من 2000 سنة، يمكن للمرء أن يلاحظ أنه فى الوقت الذى يوجد فيه إدانات للمشاعر والرغبات العاطفية بين الرجل والمرأة، يوجد تقدير إيجابى للغاية للزواج.
ومع ذلك، تم تأسيس خطاب مهيمن، من القرون الأولى للكنيسة، على أساس تراث مركب من الكتاب المقدس وتأثير المؤمنين بالفكر الأكثر وضوحاً فى هذه المرحلة مثل الرواقية والأفلاطونية الجديدة، هى مذاهب فكرية قائمة على فكرة الفضيلة التى تساعد الإنسان على الارتقاء والتطور ما يتطلب كبت المشاعر السلبية مثل الحسد والغضب وكذلك الرغبات العاطفية.
إلا أن على ناحية أخرى كان العهد القديم، أكثر تفضيلاً للعلاقات العاطفية رغم أن سفر اللاويين على سبيل المثال كان متحفظا تجاه العلاقات العاطفية بين الرجل والمرأة ويعتبرها عملاً بعيداً عن الفضيلة ويؤدى للابتعاد عن الله.
فى السطور التالية نستعرض مجموعة من الأسئلة التى طرحتها المجلة الفرنسية والإجابات التى قدمها مجموعة من الباحثين وعلماء الدين فى فرنسا.
1- ماذا تقول الأناجيل؟
تقول الباحثة مريل لامى أنه لا يتم التطرق لهذه المسألة فى الأناجيل، ويمكننا، مع ذلك، الاحتفاظ ببعض النقاط من تعاليم المسيح.
وردا على سؤال من الفرنسيين حول إمكانية إنكار الزوجة، الذى ينص عليها قانون موسى، يجيب المسيح بنقله آية من سفر التكوين: «الرجل يترك أباه وأمه ويربط نفسه بزوجته، والاثنان يكونان جسداً واحداً «(سفر التكوين 2:24)، ثم يعلق: «ما جمعه الله لا يفرقه إنسان» (القديس مرقس 10: 9)، ولكن فى الوقت الذى يؤكد فيه بقوة على قيمة الرابطة الزوجية وعدم قابليتها للانحلال، فإن المسيح ينسب الزواج كوسيلة وحيدة لتحقيق مهنة إنسانية وروحية.
2- ما أصول عدم الثقة فى الرغبات العاطفية؟
مع لوحة رثاء المسيح، لسالفاتى التى تم عرضها فى قصر بيتى فى فلورنسا، نرى مريم المجدلية تلتف حول الجسم العقائدى للمسيح.
فهل من الصواب مقارنة هذه الصورة بالمواسم القديمة لمهرجانات باخوس التى تجسد العلاقات العاطفية على نحو صريح وواضح؟ لا. ومع ذلك، مع أيامها الأولى ميزت المسيحية نفسها عن الاحتفالات الوثنية، خصوصاً الأكثر غموضا وغرابة حيث تم إدانة كل ما هو غير مألوف وغير طبيعى فى العلاقات العاطفية بما فى ذلك الدعارة المقدسة، ويشير الباحث الفرنسى جاك نوبل بيريه، إلى أن هناك أدلة على ذلك، حيث تعكس آيات الكتاب المقدس رفض سفاح المحارم، والشذوذ الجنسى، والزنى، وتعدد الزوجات، والإجهاض، باختصار، أى شيء يعطل أو يمنع الاعتراف الاجتماعى بالعلاقة.
بعض المدارس الفلسفية دعمت الكنيسة وطورت مبادئ مستوحاة منها، مثل اقتراح الرواقيين بأن يستعد الجميع لمواجهة الصعوبات باستخدام العقل، حتى يصلوا إلى غياب أى اضطراب، ما يؤدى إلى الحكمة، ونستنتج إمكانية الهروب مما يبدو غير مقبول فى العلاقات العاطفية والحب.
وعندما يلتزم الأفلاطونيون بالابتعاد عن التجربة المادية للوصول إلى البهجة لما هو مفهوم وغير مفهوم، فإنهم يقادون لإلزام أنفسهم برفض ما هو مادى للوصول بشكل أفضل لما هو دقيق ودينى.
بالتأكيد، الأبيقوريين، الذين يسعون للملذات الطبيعية التى يرونها ضرورية، قد يتناقضون مع ما تم طرحه، ومع ذلك يؤكدون أنه يجب علينا محاولة الهروب من المعاناة من خلال رفض السعى الجامح للحصول على المتعة المحاكاة والتخيلية.
وبالإضافة إلى الفلاسفة يشير جاك نويل بيريه، إلى أنه بشكل عام تتشارك الأديان فى التطلع لتجنب الخضوع للأشياء الملحة التى تعتبر مادية للغاية، مثل الطعام والملابس والعلاقات العاطفية، هذا الابتعاد عن الأشياء المادية يؤدى فى المقابل للاقتراب من الله.
3- ماذا يقول مؤسسو اللاهوت عن النساء؟
مع فصلها من التسلسل الهرمى الكنسى وحظرها عن الكهنوت، لم تشارك المرأة فى صياغة العقيدة المسيحية، وحسب الباحثة جويل شيفه فإن ذلك خطأ حواء نفسها، ومع ذلك، فى سفر التكوين، فإن خلقها من ضلع آدم لا يؤسس نظاماً متطرفا بين الرجل والمرأة.
أما بالنسبة لقصة حواء والفاكهة المحرمة، فإنها توضح الخطأ مشترك ولكنه لا يذكر خطيئة الجسد.
على أية حال، فإن سوء استخدام النص الكتابى، حسب الباحثة جويل شيفه، من قبل المؤلفين اليونانيين واللاتينيين المسيحيين، والمشار إليهم باسم آباء الكنيسة، أرسى على مدى ألفى عام صورة المرأة المغوية، التى يمتلكها الشيطان المسئول عن الخطيئة الأصلية.
ثم تم عبور العالم «اليونانى-الرومانى» من قبل تيارات قديمة تغذت على كراهية النساء ومعاداة الأهواء، والتى تنفر من الرغبة وهم: الأفلاطونيون الجدد، فيثاغورس، الرواقيون، واليهود، كلهم مشبعون بمفهوم عدم طهارة المرأة.
أما بالنسبة للمانويين، فإنهم يعلنون عن كراهيتهم لجسد المرأة بشكل واضح وصريح، أما فيلو اليهودى فى الإسكندرية، المعاصر ليسوع، فيرى فى ثعبان سفر التكوين ادعاء بالسرور، وهو متعة يعتبرها ضرورية للتناسل لكنه يعتبرها «خرقا محظورا».
وفى كتابه «المعلم»، وهى أول دراسة مسيحية حول العلاقات العاطفية، أخذ إكليمندس الإسكندرى أيضا مواقف راديكالية.
ولذلك فإن القديس بولس، ليس أول من قام بازدراء الجسد، ليس هو الأول، ولكن أحد محاوريه، ويقول «إنه ليس من الجيد أن يلمس رجل زوجته»، وفى الواقع، فهو مقتنع بأن نهاية العالم قد حانت، وأن ملكوت السموات سيفتح، وأنه نتيجة لذلك، لم يعد الزواج والتناسل ضروريين.
فى القرن الثالث، أكد الطبيب جالن، أن المتعة المتبادلة للزوجين ضرورية لخصوبة اتحادهما.
ويتفق آباء الكنيسة على محاولة التوفيق بين التطلع إلى العفة وبين ضرورة الإنجاب، وهو النموذج الذى تجسده مريم.
ويعتبر ترتليان أو جان كريسوستوم، النساء «باب الشيطان»، بينما ينتقد أوجسطينوس ملذات الجسد المخزية، ويرى قيصر آرل فى الزواج «دعارة غامضة».
إن المفهوم الأساسى من وجهة نظرهم أن العلاقات العاطفية تمثل تحديا للتحكم فى الجسم والسيطرة على العقل والاندماج مع الله، وعلى مدار التاريخ، تم إعادة عرض مشهد السقوط الأصلى، والذى لم يكن أقل من إغراء حواء عنه من ضعف آدم.
4- الزواج فى الكتاب المقدس
لماذا يتم الترويج للزواج باعتباره سرا مقدسا؟
تقدم الباحثة آن فيلبير، الإجابة على هذا السؤال، حيث تؤكد اليهودية القديمة على الزواج الأحادى، لكن موسى يسمح للأزواج بإرسال زوجاتهم بعيداً، فيما تذهب المسيحية أبعد من ذلك حيث تؤكد أن خطة الله هى أن يصبح الرجل والمرأة جسداً واحداً مع عدم قابلية هذا الاتحاد للانفصال.
وفى وقت لاحق، رأى القديس بولس الزواج كعلامة على شيء مقدس، ولذا تدافع الكنيسة تدريجياً عن الأسرار التى أسسها المسيح، والسر هو فعل رمزى «بالكلمة والفعل» يدل على واقع غير مرئى يهدف إلى التقديس.
وهناك فرق بين الأسرار الخمسة الأولى: المعمودية، الميرون أو التثبيت، القربان المقدس، التوبة، مسحة المرضى، الترتيب الذى يصبح فيه المعمّد شماساً، كاهناً، أسقفاً» والزواج الموجود قبل المسيحية، والأسرار الأخرى جديدة.
ومن منطلق فكرة ترمز إلى اتحاد المسيح وكنيسته، أتى آباء الكنيسة، بما فى ذلك القديس أوجسطين بـفكرة أن الزواج هو سر، وأثناء وبعد الغزوات الهمجية، قاتلت الكنيسة على نقطتين: المساواة بين الرجل والمرأة، وموافقة كلاهما فى الزواج، وتم إدخال المذهب الكلاسيكى لسر الزواج فى بداية القرن الثالث عشر، حيث وضعه اللاهوتيون والقانونيون على قائمة الأسرار المقدسة.
5- ما الحب العفيف؟
حسب ماريل لامى، فى رسالة الإرشاد إلى العفة «أوائل القرن الثالث»، يأخذ اللاهوتى القرطاجى ترتليان، جانباً ضد الزواج من الأرامل ويحدد العفة بكبح الرغبة، ولم يتم الحفاظ على هذا التعريف القائم على مفهوم سلبى للجنس عندما كانت الكنيسة المعنية، منذ القرن الثانى عشر تتميز عن العلمانية من خلال الرعاية الرعوية للأسرار، خاصة الزواج.
وسلط خطب الدعاة للمتزوجين الضوء على مفهوم آخر للعفة: بالنسبة للزوجة، لا تتألف العفة فى إظهار نفسها فقط لزوجها، ولكن فى الامتناع عن أى غواية وإغراء تجاه الرجال الآخرين.
ولكل من الزوجين، فإن العفة هى طريقة لطلب الحياة العاطفية وفقاً لعقود الزواج الثلاثة التى حددها القديس أوجسطين «التقديس، الإخلاص، والنسب»، بالامتناع عن أى بحث جامح عن المتعة.
وبدون استخدام كلمة «العفة»، يمكن للمرء أيضاً أن يستحضر إعادة التفكير التى بدأها فى الوقت نفسه بعض المؤلفين فى العلاقات العاطفية الأوسع، على سبيل المثال علاقات الصداقة والتبعية، حيث يصرون على شرط الحب غير الأنانى، والسعى فى المقام الأول لخير الآخر، وأيضاً «العلاقات المرتبة» بمعنى أن مشاعر الحب تجاه الآخر يجب أن تكون «حباً لوجه الله»، بمعنى استقباله باعتباره هدية من الله وأن هذه العلاقة تقود إلى الله.
6- أى مكان تحتله الشهوة فى هرم الخطايا؟
حسب الباحث جان لويس شليجل، فى وقت مبكر من القرن الثانى، كانت الشهوة تحتل عادة مكاناً مرتفعاً فى التسلسل الهرمى للخطايا، مع اللاهوتيين غير المرنين تجاه المذنبين، مثل ترتليان، ثم فى القرن الخامس، مع المعذبين داخلين مثل أوجسطين. ونجدها، بعد الإصلاح ومجلس ترينت بين عامى 1545 و1563، فى ما يسمى الاتجاهات «الصارمة» أو «يانسن» للكنيسة الكاثوليكية، وفى «التزمت» من الكنائس البروتستانتية، وأى عمل واع للاستجابة للشهوة تم ارتكابه خارج سر الزواج يصبح خطأ خطيراً ويتطلب، فى الكنيسة الكاثوليكية، اللجوء للاعتراف بحيث يمكن غسل الخاطئ.
7- متى أصبح زواج الكهنة ممنوعًا؟
يقول برونو دوميزيل، إنه لا شيء فى الكتاب المقدس يحظر زواج رجال الدين، لأن معظم الرسل لديهم زوجات، ولم تنشأ مسألة عزوف الكهنة عن الزواج حتى القرن الثالث، ولكن آباء الكنيسة شككوا فى قدرة الرجل المتزوج على إدارة الأسرار المقدسة، فاختار أول مجلس مسكونى «مجمع نيقية، فى عام 325» ألا يقرر حظر الزواج على الكهنة بعد رسامتهم، لكنه ترك لهم الحق فى استخدام زواج متعاقد سابق.
وفى الشرق، يبقى الوضع هناك بشكل عام، ولكن فى الغرب هناك أصوات لرجال الدين لتقليد طريقة حياة الرهبان، ومن القرن الخامس، تم الإعلان أنه لم يعد بإمكان الأسقف أن يكون لديه غرفة مشتركة مع زوجته. هذا الانضباط سرعان ما يمتد لجميع الكهنة والشمامسة، كما أكد الباباوات الإصلاحيون فى القرن الحادى عشر على التزام عزوف الكهنة عن الزواج، وأصبحت هذه الأوامر منتشرة على نطاق واسع فى القرن التالى، ولكن لا يزال الأمر موضع شك.
8- هل كسر الإصلاح محرمات الماضي؟
حسب الباحثة آن فيلبير، أظهر الإصلاح البروتستانتى، فى القرن الـ16، رغبة فى العودة لأصول المسيحية، مع إزالة المحرمات الكاثوليكية عن العمل والمال وقروض الفائدة، ما مهد الطريق للتحول الاقتصادى فى أوروبا، وفيما يتعلق بالعلاقات والرغبات العاطفية، يتساءل الإصلاحيون عن المحرمات الأخرى.
البداية مع عفة أهل الكنيسة، ويفسر هذا التحدى من خلال المفهوم البروتستانتى للحقيقة: يحتاج البروتستانت فقط إلى الإنجيل، وليس لهيئة تعليمية.
مبدأ آخر هو الكهنوت العالمى لجميع المعمدين: جميع المسيحيين هم كهنة من خلال المعمودية، فى هذا المنظور، يتم رفض الخطاب الكاثوليكى بشأن الكاهن، ما يعنى عدم وجود سبب يدعوه للعزوف عن الزواج «الذى يفترض أن يقربه من المسيح». ويتزوج لوثر، الراهب السابق، راهبة، ويفقد تقليد العذارى المكرسات «الراهبات» معناها أيضا.