د. رشا سمير تكتب: سياحة الوقت بدل الضائع
لم تفارق تلك الكلمات التى استهل بها عمنا الراحل العظيم سيد حجاب قصيدته عقلى وأنا أطوف بين أزقة محافظة أسوان وشوارعها:
«اللى بنى مصر كان فى الأصل حلوانى وعلشان كده مصر يا ولاد حلوة الحلوات»..
ذهبت فى رحلة استجمام لساحرة الجنوب مدينة أسوان النائمة بين أحضان النيل، بعد أن قررت الهروب لعدة أيام من زحام القاهرة وشوارعها ومشاكلها إلى صمت النيل وصخب الطبيعة وشمس العشق التى لم تغب يوما عن مدينة السد العالى..
كانت سعادتى جمة عندما لمست عودة الروح بشكل أو بآخر للسياحة، لكن فى الحقيقة مازلت لا أفهم كيف أن مصر الجميلة التى تمتلك من المعابد والآثار والحضارة ما يمكن أن يجعلها أغنى دولة فى العالم لازلت تتعثر اقتصاديا، فمن المؤكد أن دخلنا القومى يجب أن يكون مصدره الأول السياحة دون قروض ولا معونات ولا شئ آخر سوى إرادة قوية وتفكير بشكل متطور خارج الصندوق..
من خلال عدة جولات وزيارات لمواقع أثرية فى أسوان والنوبة كان لى عدة ملحوظات وتوقعات لم تتحقق..وأصبح من واجبى أن أشير إليها علنى أجد من يستمع..
جزيرة النباتات الشهيرة وكذلك باقى المعابد الأثرية مثل فيلة ومنطقة السد العالى مازالت تفتقر إلى مقهى آدمى يستطيع السائح أن يرتاح عليه وربما لو أسعده الحظ يتناول قدح من القهوة وهو مطمئن إلى نظافته..أما عن دورات المياه فحدث ولا حرج، فهى ليست صالحة للإستخدام الأدمى.. والأغرب أن هناك بعض المرتزقة يقفون على باب دورات المياة المتهالكة بجملة باطنها التسول هى: كل سنة وأنت طيب!.
هذه المافيا موجودة فى كل شئ بدءا بالتاكسيات والتكاتك وحتى اللانشات وخفراء المعابد.
قابلت سائحا على كرسى متحرك يُعانى الأمرين هو ومن حوله لكى يتجول فى معبد فيلة..ألم يحن الوقت بعد لوضع ترتيبات معينة تسمح لذوى الإعاقة من دخول تلك الأماكن بسهولة؟.
أما عن مافيا المراكب فهى معاناة للسائح..أصحاب المراكب معذورون بالقطع لأنهم يتسولون السياحة والسياح معذورون لأنهم يتعاملون مع المواطن المصرى على أنه نصاب!..
لماذا لم تفكر وزارة الآثار والسياحة خارج الصندوق بتطبيق نفس الفكرة التى طبقها ساويرس فى الجونة..فكرة التوكتوك النظيف والتاكسيات التابعة لإدارة الجونة والسائق المعتمد المحترم الذى لا يتعامل مع السائح إلا من خلال إدارة تلك المنظومة..لماذا لا تُطبق هذه الفكرة مع المراكب التى تبالغ فى أسعارها ناهيك عن كونها متهالكة والسائقين الغلابة مهترئى المظهر؟!..
ولو تحدثت عن أجمل مشروع فى مصر وهو الصوت والضوء لقلت الكثير..أتسائل لماذا لا يتم رفع سعر التذكرة للأجانب من المبلغ الزهيد الذى يوازى 13 دولارا!، ويتم الاستفادة من فارق المبلغ فى تطوير الأجهزة التى يعود عمرها إلى عصر الرئيس جمال عبدالناصر؟..لماذا يتحتم على السائح أن ينتظر اكتمال عدد 10 أنفار حتى يتم تشغيل العرض وإلا يعود خائبا حزينا فى اليوم التالى وهو وحظه بقى!..
حيث إن الصوت والضوء هو جهة تابعة لوزارة قطاع الأعمال وهى هيئة مستقلة مثقلة بالهموم والمصاريف ومطلوب منها أن تطور وتنفق على موظفيها من العائد المادى لها دون اللجوء إلى وزارة الآثار، فالقائمون عليها حقيقة فى مأزق..لأن المصروف أكبر من العائد ولأنها ليست جهة حكومية فهى تحاسب على الكهرباء بشكل تجارى وتدفع ضرائب وكأنه مشروع خاص!..
لماذا لا يتم إعفاؤهم من الضرائب ومن فاتورة الكهرباء الثقيلة؟!.
للأسف لم تتهالك المعدات فقط، بل تهالكت الأفكار والإرادة.. ومازال المسئولون متقاعسين أو مُكبلى الأيدى داخل ميزانية محدودة وقرارات لا يتسنى لهم اتخاذها بمفردهم حتى لا تُلقى عليهم تبعيات المسئولية!..
لابد أن نتساءل لماذا تخسر شركات القطاع العام وتغلق أبوابها فى حين أن نفس الشركات فى إطار القطاع الخاص حققت المليارات لمالكيها؟!..
إنها الإدارة يا سادة..إنها القوانين التى إذا سألت عنها قيل لك أنها تعود إلى ما قبل ثورة 23 يوليو! ومازالت تلك القوانين تعرقل مسيرتنا وتجذبنا للخلف..
أين مجلس الشعب من تعديل تلك القوانين القديمة التى مات أصحابها وعاشت هى سطورا على الورق؟ تلك هى مصالح الشعب التى غفل المجلس عينه عنها وغفا!.
ضاع منا الوقت الكثير ومازالت السياحة تتعثر..هل من الممكن أن نستغل الوقت بدل الضائع لإحراز هدف الفوز؟!
