د. بهاء حلمى يكتب: الاحتجاجات غير السلمية.. أوجه التشابه والاختلاف
تنظم التشريعات فى غالبية دول العالم الإجراءات والضوابط القانونية لتنظيم التجمعات والاحتجاجات السلمية ومكان انعقادها ومدتها بما يتلاءم مع متطلبات الحفاظ على الأفراد والمنشآت والنظام العام وعدم الإخلال أو تعطيل المصالح أو الصالح العام أو تهديد الاستقرار والسلم العام مع اضطلاع الأمن بحماية التجمع بما يتفق والمعايير الدولية.
أما فى حالة وجود مظاهر تدل على عدم سلمية التجمع مثل: حمل أية أسلحة أو ذخائر أو مفرقعات أو مواد حارقة أو أى من المواد التى تعرض الأفراد والمنشآت أو الممتلكات للضرر أو الخطر، أو فى حالة الإتيان بأى جريمة مثل الإخلال بالأمن والنظام العام أو تعطيل الإنتاج أو مصالح المواطنين أو منعهم من ممارسة حقوقهم وأعمالهم أو التأثير على سير العدالة أو سير المرافق العامة أو قطع الطريق أو المواصلات أو تعطيل حركة المرور أو الاعتداء على الأرواح أو الممتلكات العامة والخاصة يعتبر خروجاً على مبدأ التعبير عن الرأى الحر السلمى، ويعد تجمعا غير سلمى يعاقب عليه القانون.
وعادة ما تكون التجمعات غير السلمية أو التوترات الداخلية مصحوبة بأعمال عنف ما قد يؤدى إلى لجوء الدول إلى ممارسات تقيد فيها بعض حقوق الإنسان أو الإعلان عن حالة الطوارئ وفقا للدستور والقانون بهدف الحد من الاضطرابات وحماية الأمن القومى. وبذلك يكون القانون قد حدد الضوابط القانونية للتجمعات السلمية، وأوضح مظاهر عدم السلمية وحالات خروج التجمع عن الطابع السلمى.
ويتلاحظ أن هناك توافقا كبيرا بين المعايير الدولية وتشريعات دول العالم بشأن تنظيم الاحتجاجات السلمية وتحديد حالات عدم السلمية وبيان مفهوم التوترات الداخلية.
كما يظهر جليا مدى التشابه والتطابق بين أنماط وأساليب الشغب والعنف والتخريب وإشعال الحرائق والسرقة والنهب التى ترتكب فى الدول والمناطق المختلفة تحت مظلة الاحتجاجات غير السلمية، كما تتشابه أساليب وأدوات تعامل قوات إنفاذ القانون بدول العالم المختلفة مع حالات الشغب والعنف التزاما بمسئوليتها فى إنفاذ القوانين والخضوع لها.
وبغض النظر عن الألوان والشعارات والأعمال والجرائم التى يقوم بها مرتكبو العنف، وبعيدًا عن تقييم مستوى أداء الحكومات فى مواجهة تلك الأزمات أو المقارنة بين حجم الخسائر الناجمة عنها وغيرها من الحالات، وأيًا كانت التكتيكات التى يتبعها المحتجون وإشارتهم إلى عفوية الحشود أو عدم وجود ممثل للتفاوض عنهم فإنها تؤدى إلى استقالة بعض المسئولين أو الحكومة أو رؤسائها أو حدوث تغييرات فى السياسات أو الأنظمة أو الدساتير - إذا كانت مدعومة من غالبية الشعب - دون المساس بمؤسسات وكيان الدولة وأمنها القومى.
ويثار التساؤل عن أوجه التشابه والاختلاف بين الأحداث التى تشهدها فرنسا حاليا، وبين ما واجهته بعض الدول العربية من أحداث وما آل إليه الوضع؟
نرصد بعض الاختلافات الجوهرية من حيث الأحداث والدول المفعول بها، أو من حيث كفاءة الأنظمة والحكومات، وقدرة المؤسسات وسلطات الدولة التى طالها الدمار والعنف.
فى الغالب تكون الاحتجاجات لهدف معلن يمكن التفاوض عليه حتى لو تخللها بعض العنف مع حرص الجميع على الدولة، أما الأحداث التى طالت بعض الدول العربية فكانت تهدف إلى انهيار مؤسساتها وعلى الأخص المؤسسة الأمنية وإحلال جماعات التطرف والإرهاب لنشر الخراب والدمار وتجويع وتشريد مواطنيها مع إثارة النزاعات المسلحة والحروب الداخلية والخارجية على أسس دينية أو طائفية أو عرقية وغيرها.
أما مصر فقد استطاعت الصمود بفضل عناية الله أولا ثم بتضافر الشعب والجيش والشرطة والعمل على قلب رجل واحد لتعزيز قدرات مؤسسات الدولة وممارسة دورها الوطنى دون تمييز.
أما الأنظمة وحكومات الدول التى انخرطت فى الاضطرابات والنزاعات المسلحة فقد انشغلت عن المعرفة ومواكبة التطور العلمى وتكنولوجيا الاتصالات وفقدت قنوات التواصل مع شعوبها، وفقد الناس قواعد العدالة والمساواة لانتشار الفساد والمحسوبية وفقدت الحس بالواقع لتعيش فى زخم شعارات ومظاهر جوفاء أدت إلى استهانتها بهذه الأزمات وعدم قدرة مؤسساتها على التعامل معها ما أدى لسقوط تلك الدول سريعا، على الرغم من مؤشرات حدوث تلك الأزمات، وبالتالى فهى أحداث مختلفة من حيث الجوهر والتمويل والرعاة وإن اتفقت بعضها مع الاحتجاجات فى شكلها وصورها.
فالاحتجاجات لم تسقط دولة أبدا مهما كانت التحديات أو الصعوبات التى تواجهها وتعد مؤسسات الدولة التى تعمل بتنظيم وتناغم لمكافحة الفساد وتطوير منظومة التعليم والصحة والعلاج وتقوم بتوفير خدمات الحياة الكريمة للمواطنين والأجيال القادمة هى الضمانة الحقيقية للحفاظ على الديمقراطية والاستقرار وتحقيق التقدم والتنمية.