د. رشا سمير تكتب: السيد رئيس حى مدينة نصر.. سعيكم مشكور!
استيقظ شارع أحمد فخرى بمنطقة مدينة نصر على محاولة لتوسيع الشارع فى الاتجاهين..وهو تقريبا نفس السيناريو الذى حدث من قبل فى شارع مصطفى النحاس..الحقيقة أن النية محلها القلب والأصل فى التوسيع إحقاقا للحق كانت النية السليمة للمحليات!.
ببساطة الشارع له اتجاهان..اتجاه إلى داخل مدينة نصر وهو الاتجاه الذى لم يعان يوما من أى أزمة مرورية..والآخر هو المتجه إلى طريق الأوتوستراد وهو الطريق الذى كان ولا يزال يعانى من الزحام الدائم..لكن..
وهل للزحام سبب؟ بالقطع نعم..
وهل سأل أى مسئول من الذين قرروا عمل خطة التوسيع الجهنمية نفسه عن السبب؟..بالقطع لا..
الشارع به مستشفى ضخم وسوبرماركت وبنك وسنتر لطلبة الثانوية العامة هو عبارة عن الجحيم بعينه من حيث الزحام وأماكن انتظار السيارات..ولكن يبدو أن المسئولين رأوا أن توسيع الشارع أسوة بمكرم عبيد وعباس العقاد واجب..
قد يكون لديهم شىء من الحق..ولكن..
توسيع الشارع بدأ بكارثة حقيقية وهى مجزرة لكل أشجار المنطقة.. شجر تجاوز عمره الخمسين عاما تم قطعه والتخلص منه مثل النفايات..علما بأن أى دولة متحضرة تمنع بل تعاقب بالسجن كل من يقطع شجرة..لكن..طالما نستطيع أن نقتل الحياة ونحول الجمال إلى قبح..فلماذا لا نتوكل على الله؟!.
نعم..كان الشجر صورة جمالية ومصدرا للأوكسجين ومتنفسا للغلابة فى الصيف ليستظلوا بأوراقه دون أن يدفعوا ضريبة.
سألت أحد العمال: « لماذا تزيلون حتى أحواض الزرع التى تقع أمام البنايات والتى قام اتحادات الملاك بزرعها..إنها لا تعوق المرور؟»
رد ببراءة الأطفال:
« وكيف يسير المواطن..واجبنا أن نجد له مكانا للمشاة؟».
سؤال خرق أذنى وجعلنى أضحك حتى النخاع..
وكيف يسير المواطن!..وكيف كان يسير يا سادة فى العشرين سنة الماضية!..
لست ضد التطوير ولا الأسفلت الناعم ولا توسيع الطرق..ولكننى ضد العشوائية والقبح والمجازر التى ترتكب ضد الجمال فى مصر..
القبح طال التماثيل الأثرية التى أصبحت تُطلى بألوان بذيئة والتماثيل الجبس المشوهة التى توضع فى مداخل المحافظات وكأن نفرتيتى أصابها الجديرى أو طلعت حرب أصيب بتشوه فى الوجه!.
اهتمامنا بتحديث وتطوير البنايات والشوارع هو اهتمام بالحجر لا يمت بصلة للاهتمام باللون والشكل والبشر..
الأشجار والأزهار فى أحدث دراسات أجريت بالعالم هى من الأسباب الرئيسية لهدوء المواطن وتحضره نفسيا..إذا عُرف السبب بطل العجب!.
العمال التابعون لشركة المقاولات التى تقوم بالعمل فى شارع أحمد فخرى لا يملكون الرد عن أى سؤال أو أى استفسار..الرد الوحيد هو:
«أنا عبدالمأمور.. ماعنديش فكرة سعادتك!»..
وكأنك تستجوب مُتهما فى قضية قتل بالشرابية!.
المحليات تحتاج إلى نظرة عطف..رؤساء الأحياء فى واد والمواطن فى واد آخر..
وما حدث فى شارع مصطفى النحاس خير دليل على ما أقوله..الفكرة العبقرية التى دفعت الحى لعمل طريق ثالث للأتوبيسات والنقل..فكرة فاشلة انتهت إلى مئات الحوادث وهرجلة مرورية وأزمة طاحنة فى أوقات الذروة..
لماذا لم يتدخل المسئولون إذن فى إعادة تخطيط الشارع بعد أن ثبت فشل التجربة؟..ربما لأنهم لا يمتلكون شجاعة الاعتراف أو ربما لأنها وسيلة لطيفة للتخلص من المواطنين!.
أتفهم أن فى أى دولة متحضرة يجب أن يكون هناك إعلان وخطة واضحة لتوقيت تطوير أى شارع أو منطقة..ويجب أن يتم إيجاد مكان بديل للسكان لوضع سياراتهم بشكل آدمي..كما يجب أن يتواجد مندوب من مكتب رئيس الحى إن لم يكن هو بنفسه للتواصل مع السكان، وتوضيح طريقة العمل والمدة الزمنية التى سوف تستغرقها أعمال التطوير بشكل واضح.
ولكن أن يتم التوسيع بطريقة لا تختلف أبدا عن عاصفة الصحراء فهذا لا يجب السكوت عليه..أشجار تقتلع من جذورها وتُلقى فى عرض الطريق..بلدوزرات تعمل ليل نهار دون النظر للطلبة البؤساء أو السيارات التى تعرضت لخسائر أوالسكان الذين فقدوا قدرتهم على النوم أو حتى الحياة.
متى تنتهى فوضى الأحياء والمحليات؟..
كلمة أخيرة للسيد رئيس الحى..
سكان الشارع سيقيمون سرادقًا لاستقبال العزاء فى الأشجار التى قتلتموها..والشقق التى دُفنت تحت التراب..والأطفال الذين تحولت حساسية الصدر لديهم إلى مرض مزمن..
سيدى المحترم..بكل سعة صدر أقولها لك مقدما: سعيكم مشكور!.