"ضريبة الدمغة" سيناريو متكرر ومخاوف من التنفيذ.. وخبراء: "تعكس ازدواجية تفكير الحكومة"

الاقتصاد

بوابة الفجر


بدأت الحكومة والمستثمرون نزاع جديد حول ضريبة الدمغة على تعاملات البورصة (الأرباح الرأسمالية والتوزيعات النقدية)، الأمر الذي طال النقاش حوله منذ 3 سنوات وحتى الآن، فعلى الرغم من أن الفكرة ليست بجديدة إلا أن ظهورها مرة أخرى على الساحة الاقتصادية حاليًا أثار حالة من اللغط والغضب بين مستثمري البورصة، خاصة في ظل الأوضاع المرتبكة التي يشهدها سوق المال وعزوف المستثمر الأجنبي عن المشاركة في حلبة الصراع الاقتصادي الدائر في مصر، وفيما يلي يستعرض "الفجر" أبزر النقاط حول ضريبة الدمغة وماهيتها وتأثيرها على أسواق المال؟

البداية كانت مع طرح يوسف بطرس غالي في عام 2010 فكرة فرض ضرائب على البورصة دون وضع مقترح تفصيلي لتلك الفكرة، وفي 2011

ظهر أول مقترح واضح لفرض ضريبة بنسبة 10% على توزيعات الأرباح بالبورصة، وكان ذلك في عهد وزير المالية الأسبق سمير رضوان، غير أن المجلس العسكري، الذي كان يتولى شئون إدارة البلاد وقتها، تراجع عن المقترح الحكومي، بعد 72 ساعة فقط من الإعلان عنها. وذلك بعد أن أبدى عدد من المستثمرين والسماسرة استيائهم من الضريبة المقترحة، وحذروا من التأثير السلبي لها على مناخ الاستثمار وأداء البورصة.

تكرر نفس السيناريو في نوفمبر 2012، فقد اقترح ممتاز السعيد، وزير المالية في حكومة هشام قنديل، فرض ضريبة على تعاملات البورصة، ووافق مجلس الوزراء عليها، وكانت الضريبة المقترحة حينها ستُفرض بنسبة 10% على "أول تعامل على السهم والأرباح المحققة من إمتلاكه".

ولم يصمد القرار طويلا، حيث قررت الحكومة عدم تطبيق تلك الضريبة، ولم يقرها مجلس الشعب آنذاك.

وفي أبريل 2013 عاودت الحكومة التفكير فى فرض ضرائب على تعاملات البورصة، لكن هذه المرة تحت مسمي "ضريبة الدمغة على تعاملات البورصة"، والتي قُدرت بنسبة واحد فى الألف على جميع عمليات شراء أو بيع الأوراق المالية مصرية كانت أو أجنبية داخل البورصة المصرية.

فرضت الضريبة على البائع والمشتري في معاملات البورصة في مايو 2013، وجمعت أكثر من 350 مليون جنيه (18.5 مليون دولار) منها قبل أن توقف العمل بها وتفرض ضريبة بنسبة عشرة بالمئة على التوزيعات النقدية والأرباح الرأسمالية في يوليو تموز 2014 .

وبعد اعتراضات قوية من المستثمرين والقائمين على السوق جمدت الحكومة في مايو أيار 2015 العمل بضريبة الأرباح الرأسمالية لمدة عامين حتى مايو أيار 2017. وقرر المجلس الأعلى للاستثمار لاحقا تمديد العمل بالتجميد حتى مايو أيار 2020.

في 2014 .. اقترح وزير المالية الحالي، هاني قدري، فرض ضرائب على الأرباح الرأسمالية فى البورصة بنسبة ١٠٪، وضريبة على توزيعات الأرباح بالبورصة، ومع غضب المستثمرين، خفف قدري من الضريبة المقترحة ليعفي توزيعات الأسهم المجانية من الضريبة، والتوزيعات النقدية حتى 15 ألف جنيه.

ضريبة الدمغة (الأرباح الرأسمالية).. ماهي؟

الأرباح الرأسمالية هي المكاسب التي يحققها المستثمر من بيع وشراء أسهم في البورصة. وتحسب الضريبة على صافي ربح المستثمر بعد خصم أي خسارة تكبدها المتعامل خلال العام الضريبي

وبحسب وزارة المالية، فإن ضريبة الأرباح الرأسمالية تكون بواقع 10% من صافي الربح المحقق بنهاية السنة الضريبية وتتراجع إلى 5% في حالة إمتلاك المستثمر نسبة تصل إلى الربع من أسهم أي شركة، والمعروف بالمستثمر الإستراتيجي.

مع إعفاء الأسهم المجانية من الضريبة، كما أعفى التوزيعات النقدية التي يحصل عليها المستثمر حتى 15 ألف جنيها سنويا من الخضوع للضريبة كنوع من الدعم لصغار المستثمرين.

وتختلف أشكال توزيع الشركات لأرباحها على مساهميها في البورصة، فقد تمنح الشركة أرباحا نقدية في صورة ما يطلق عليه "كوبون". وأحيانا توزع الشركة أرباحها في صورة عدد من الأسهم المجانية، وبعض الشركات تفضل إحتجاز الأرباح لأغراض التوسع وزيادة رأس المال.

وفي حالة تحقيق المستثمر بسوق المال خسارة، فإن مشروع الضريبة الجديدة أقر بترحيل تلك الخسارة لخصمها من أرباح السنة التالية، وهو ما يمكن تكراره لمدة ثلاث سنوات ليدفع فى النهاية ضريبة عن صافي أرباحه خلال تلك المدة، وإذا كانت النتيجة النهائية هى الخسارة فإنه لا يدفع أية ضرائب.

فعلى سبيل المثال، إذا حقق المستثمر خلال السنة الضريبية خسارة بقيمة 10 ألاف جنيه، وحقق في العام التالي ربحا بقيمة 30 ألفا فيتم خصم الخسارة السابقة من ربح العام الجديد ليدفع ضريبة على مبلغ 20 ألف جنيه فقط.

وإذا تكبد خسارة سنتين متتاليتين، فسيتم خصم خسارة السنتين من ربح العام الثالث.

الضريبة المقررة حاليًا

بعد قرار المجلس الأعلى للاستثمار بمد فترة تجميد ضريبة الأرباح الرأسمالية الناتجة من التعاملات بالبورصة، لمدة ٣ سنوات تنتهى فى ١٦ مايو من عام ٢٠٢٠، تم إجراء تعديلات على قانون الضريبة تضمنت فرضها على شراء وبيع الأوراق المالية بالبورصة تبدأ بـ ١.٢٥ فى الألف فى العام الأول ثم ترتفع إلى ١.٥ فى الألف فى العام الثانى و١.٧٥ فى الألف بالعام الثالث، وفرض ٣ فى الألف على عمليات الاستحواذ.

كما تفرض الضريبة بنسبة ٣ فى الألف على عمليات الاستحواذ على نسبة ٣٣٪ أو أكثر من رأسمال شركة بمصر من قبل شركة أخرى، أو فى حالة تحول إحدى الشركات من شركة اعتبارية إلى شركة أموال، وذلك للتفريق فى العبء الضريبى بين التداول اليومى على أسهم الشركات وبين الاستحواذ عليها.

رأي الحكومة

أعلنت وزارة المالية أنها بحثت أثر هذا الموقف، ورأت أنه من الأفضل فى ظل السياسة الضريبية التى تنتهجها الحكومة لتحقيق العدالة الضريبية، وتحميل كل ممول بالعبء الضريبى الذى يتناسب مع مقدرته على الدفع ـ أن يعاد النظر فى المعاملة الضريبية لبعض صور التعامل فى الأوراق المالية، بحيث يتم فرض ضريبة بسيطة وميسرة على إجمالى التعامل اليومى فى هذه الأوراق، على أن يتحملها كل من البائع والمشترى تخفيفًا لعبئها، مع مراعاة التدرج فى سعر هذه الضريبة على مدى ثلاث سنوات، وفى نفس الوقت يراعى المشرع صفقات الاستحواذ التى تتم على ما لا يقل عن ٣٣٪ من أسهم الشركات لتخضع للضريبة بسعر أعلى مما يخضع له التعامل اليومى العادي.

فيما أشارت مصلحة الضرائب إلى أن الدراسات أوضحت أن الضريبة بهذه الأسعار لن يكون لها تأثير على نشاط سوق المال.

تأثير الضريبة على سوق المال

عبر فريق من المستثمرين والعاملين في مجال الأوراق المالية عن مخاوف من أن تقلص الضريبة المقترحة الإستثمار في البورصة المصرية مما يحجم من دورها في الاقتصاد.

فالرسوم الحالية على العمليات بالبورصة والتى تسدد لإدارة البورصة المصرية والهيئة العامة للرقابة المالية وشركة مصر للمقاصة وصندوق حماية المستثمر مجتمعة أقل من نصف فى الألف كما أن عمولات شركات الوساطة فى الأوراق المالية تدور ما بين واحد واثنين فى الألف فقط أى أن الرسم الجديد سيمثل زيادة فى الأعباء على المستثمرين تتراوح ما بين 40% و65%.

وقال وائل عنبة، رئيس مجلس الإدارة والعضو المنتدب لمجموعة الأوائل لإدارة المحافظ المالية، إن الضريبة المقترحة ستضر بالاستثمار في سوق المال، خاصة في الوقت الحالي الذي يحاول فيه غالبية المتعاملين تعويض خسائرهم جراء تراجع أسعار الأسهم لمدة طويلة بدأت في 2008 مع الأزمة المالية العالمية، ووصولا إلى الإضطرابات الأمنية والسياسية التي شهدتها مصر منذ 2011.

وأضاف في تصريحات خاصة  أن فرض ضريبة على الأرباح بالبورصة قد يؤدي إلى إتجاه شرائح من المتعاملين إلى المضاربة على العملات بسوق الفوركس مما يزيد من الطلب على الدولار، وقد يتجه البعض إلى سوق العقارات مما يرفع أسعار الوحدات السكنية .. وأخيرا قد تدفع الضريبة المتعاملين إلى الإتجاه لأسواق المال المحيطة والتي لا تطبق ضرائب على الأرباح الرأسمالية.

واعتبر "عنبة" أن فرض ضرائب على البورصة يعكس إزدواجية في تفكير الحكومة قائلا "كيف يتم تنظيم مؤتمر للطروحات الجديدة لتنشيط البورصة وإستخدامها في تمويل مشروعات تنموية ضخمة في بداية مايو وفي نفس الوقت يتم فرض ضرائب تعرقل الاستثمار".