مي سمير تكتب: تركيا.. آخر مكان يصلح لمحاكمة قتلة خاشقجى: قضاؤها فاسد
تقارير أمريكية: لا توجد عدالة بأنقرة.. وأردوغان يستغل قاعات المحاكم لسجن معارضيه
ليس من المتوقع أن تقبل المملكة العربية السعودية طلب تركيا بمحاكمة الـ18 موظفاً سعودياً بتهمة قتل الصحفى السعودى جمال خاشقجى، لأن المتهمين ينتمون للمملكة كما أن الجريمة وقعت على أرض سعودية، وهو بالفعل ما رفضته السعودية رسمياً السبت الماضى، على لسان وزير خارجيتها عادل الجبير، بقوله إن المشتبه بهم سعوديون ومحتجزون فى المملكة حيث سيحاكمون، ولا يهمهم أن الجريمة وقعت فى القنصلية السعودية هنا فى إسطنبول.
هذا الطلب يعكس من جديد كيف أدار الرئيس التركى رجب طيب أردوغان، ببراعة وانتهازية أزمة خاشقجى، حيث استغل أردوغان الحادثة لتعزيز مصداقيته فى مختلف أنحاء العالم، ولكن وسائل إعلام أمريكية رأت أن تركيا ليست مكاناً مثالياً لإجراء محاكمة عادلة بالنظر إلى سيطرة أردوغان على القضاء التركى الذى منح أردوغان غطاء قانونياً خلال عصفه وإهداره للحقوق والحريات فى بلاده.
وذكر موقع دايلى بيست، الأمريكى، أنه يجب على تركيا التوقف عن لعب دور النظام العادل، لأنها بالتأكيد أبعد ما تكون عن هذه الصورة، التى يحاول أردوغان رسمها مستغلاً مقتل خاشقجى.
حسب التقرير، فإن الدافع وراء طلب تركيا من المملكة تسليم مواطنيها فى غياب معاهدة تسليم - وهو أمر نادر الحدوث - لا يرجع فقط إلى أن عملية القتل حدثت على الأرض التركية، ولكن لأن أنقرة تريد تصوير نفسها باعتبارها أرض العادلة. وقال مسئول تركى طلب عدم نشر اسمه «من الواضح أن النظام القضائى فى تركيا مجهز بشكل أفضل لخدمة قضية العدالة فى هذه القضية.. وسيكون من الأفضل لسمعة أصدقائنا السعوديين أن تتم إجراءات المحكمة فى تركيا».
ولكن المراقبين المستقلين يختلفون مع هذه الوجهة من النظر، حيث قال نيت شينكان، مدير الأبحاث الخاصة فى منظمة فريدوم هاوس، وهى مجموعة مراقبة لحقوق الإنسان فى الولايات المتحدة، إن المحاكم التركية تعمها الفوضى، وليست مستقلة عن السلطة التنفيذية، وقضية كهذه ستكون تحديا كبيرا.
واستشهد شينكان بالقضية الشهيرة للأمريكى أندرو برونسون، وهو قس بروتستانتى تم اعتقاله منذ عامين بتهمة التجسس ومساعدة الجماعات الإرهابية، ثم تم الإفراج عنه فى 10 أكتوبر بعد إدانته وعقابه بالسجن لمدة 3 سنوات مع وقف التنفيذ، ولكن ذلك جاء بعد أن مارس الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، ضغوطاً سياسية هائلة على تركيا العضو فى حلف الناتو، بما فى ذلك العقوبات الاقتصادية.
وأشار شينكان إلى أن محاكمة برونسون كانت تفتقد للشفافية ولم يتمكن المتهم من مراجعة الأدلة التى تم تجميعها ضده، كما أن بعض الشهود كانوا يدلون بأقوالهم سراً، وفى إحدى الحالات، لم يكن الدفاع قادراً على استجواب الشاهد. وهناك حالة أخرى لفتت الانتباه فى تركيا وهى قضية تانر كيليتش، الرئيس التركى لمنظمة العفو الدولية، الذى تم الإفراج عنه فى انتظار المحاكمة فى أغسطس بعد 14 شهرا من الاحتجاز السابق للمحاكمة، وقد تم توجيه اتهام إليه بالانتماء إلى منظمة إرهابية ومساعدة منظمة إرهابية.
ووصفت منظمة العفو احتجاز كيليتش، بأنه عملية سخرية من العدالة ذات أبعاد مذهلة، وكان كيليتش أشار إلى أن القضايا تنتقل ببطء فى المحاكم التركية، مع استمرار الجلسات على مدار أشهر، كما يتم احتجاز العديد من المتهمين بتهم سياسية منذ أكثر من عام.
حسب أندرو جاردنر، كبير الباحثين فى منظمة العفو الدولية فى تركيا: «الاحتجاز السابق للمحاكمة يستخدم كعقوبة.. وهو أيضاً تعسفى وروتيني»، وبموجب التغييرات الأخيرة فى القانون، يمكن أن يستمر الاحتجاز السابق للمحاكمة حتى 7 سنوات.
وقال جاردنر إن التهم فى قضية كيليتش كانت سخيفة ولا أساس لها من الصحة ولم تدعمها أدلة موثوقة.. وهناك نمط واضح من الأشخاص الذين يحاكمون وهم من منتقدى الحكومة»، كما أن قضية برونسون صدمته على نحو مشابه لحالات مسيسة أخرى، تماماً مثل الصحفيين والناشطين ومحامى حقوق الإنسان الذين يحاكمون بتهم لا أساس لها ولأسباب سياسية. وتقول جماعات حقوق الإنسان إن لدى تركيا وضع متحيز ضد الصحافة وحرية التعبير وأصبحت معروفة بكونها أكبر سجن فى العالم للصحفيين، وأن العدد الحالى الذى يتم احتجازه يزيد على 230 سجيناً من الصحفيين وأصحاب الرأى.
وفقا لـ«شينكان»، فإن تركيا لديها تاريخ طويل من معاقبة كل أنواع المعارضة من خلال النظام القانونى، مشيراً إلى أن زعماء حزب سياسى كبير، الحزب الديمقراطى الشعبى، المعبر عن الأكراد حالياً فى السجن، كما تم استهداف قادة المجتمع المدنى والمعارضين وكل صاحب رأى بما فى ذلك بعض المواطنين الذين ينتقدون أردوغان على مواقع التواصل الاجتماعى.
فى هذا الإطار نشرت المفوضية الأوروبية تقريراً شاملاً عن تراجع استقلال القضاء، ضمن تقرير فى عام 2017 عن حالة الطوارئ وكيف أثرت على نظام العدالة وسلامة المحاكمات القضائية.
وحسب التقرير فإن حالة الطوارئ المعلنة فى أعقاب محاولة الانقلاب فى 15 يوليو 2016 لا تزال سارية، وشملت حالة الطوارئ 31 مرسوماً تم اتخاذها حتى الآن ولم تخضع لتدقيق فعال من قبل البرلمان، وبالتالى، لم تكن المراسيم مفتوحة للمراجعة القضائية ولم يخضع أى منها بعد لقرار من المحكمة الدستورية.
وأدت هذه المراسيم الطارئة إلى تقليص بعض الحقوق المدنية والسياسية، بما فى ذلك حرية التعبير وحرية التجمع والحقوق الإجرائية، ومنذ إدخال حالة الطوارئ، تم احتجاز أكثر من 150 ألف شخص، والقبض على 78 ألف شخص، وإقالة أكثر من 110 آلاف من الموظفين المدنيين.
وفيما يتعلق بالنظام القضائى التركى، كان هناك مزيد من التراجع الخطير خصوصاً فيما يتعلق باستقلاله ودخلت التعديلات الدستورية التى تنظم مجلس القضاة والمدعين العامين حيز التنفيذ وزادت من تقويض استقلاله عن السلطة التنفيذية. وواصل حزب العدالة والتنمية الانخراط فى عمليات التعليق والتحويل على نطاق واسع من القضاة والمدعين العامين، ولم تبذل السلطات التركية أى جهود لمعالجة الشواغل المتعلقة بعدم وجود معايير موضوعية وموحدة ومحددة سلفاً فى توظيف وترقية القضاة والمدعين العامين.
ينتهى تقرير دايلى بيست بالإشارة إلى أن على تركيا أن تتوقف عن تصوير نفسها بأنها مكان يصلح لإجراء محاكمة عادلة، ويبدو أن استغلال أردوغان لقضية خاشقجى قد ينقلب فى النهاية ضده، فهو آخر من يملك حق انتقاد غيره من دول العالم فيما يتعلق بحقوق الإنسان والعدالة.