حكاية مسجد المنتزه.. بناه فاروق لأهالي العزب وحمل لقبه "الملك الصالح".. والأهالي: الأوقاف أزالت لوحة الملك (صور)
وسط تجمعات العقارات السكنية الفارهة داخل منطقة المندرة أقصى شرق الإسكندرية، يطل مسجد"المنتزه" الذي يبدو للوهلة الأولى أنه حديث العهد بالمنطقة، إلا أن حكاية تلك المسجد يعرفها جيدًا السكان القدامى لعزب المنتزه قديماً، فهو المسجد الذي بناه الملك فاروق لهم، والوحيد الذي خاصه بحمل لقبه الذي أعطاه لنفسه"الملك الصالح"، والذي حرص يوم افتتاحه في عيد الفطر المبارك على التواجد بين الأهالي، والصلاة صف أول بصحبة الشيخ محمد المراغي شيخ الأزهر في وقتها.
"الفجر" زارت تلك المسجد الذي تبدو قصته ليست واضحة التفاصيل بين السكان الجدد في المنطقة والعابرين السبيل، لكن أحفاد أهالي العزب يتداولون دائماً قصة يوم الافتتاح، وشكل اللوحة التأسيسية القديمة للمسجد التي تشهر إسم الملك، إلا أنه عقب ثورة يوليو قد تم إزالتها.
أقدم سكان المنتزه: الملك فاروق صلى صف أول في يوم الافتتاح وعنف مهندسه لأنه لم يستغل مساحة المسجد كاملة.
حكايات يوم الافتتاح لم تنس من ذاكرة السبعيني "حسين" أحد سكان كبائن المندرة الخشبية التي تقع خلف المسجد، فقد كان طفل صغيرًا، عاصر رواية الأباء، فهو يتذكر رواية والده في ذلك التوقيت والذي كان أحد عمال قصر المنتزه، بأن الملك قد صلى مع الأهالي في أول صف يوم الافتتاح، وأنه قد عنف أحد المهندسين القائمين على بناء المسجد بأنه لم يستغل المساحة الكاملة التي خصصت لبنائه، بقوله له"منك لله، لماذا لم تكمل مساحة المسجد، فالمساحة واسعة جدًا".
ما يتذكره "حسين" أن افتتاح المسجد قد تم عام 1946، وأن اللوحة التأسيسية للمسجد كانت"أرساه بيده الكريمة الملك فاروق الأول"، وعقب ثورة 23 يوليو تم إزالة تلك اللوحة، كما أنه كان بجانب المنبر لوحة مكتوب عليها"بسم الله الرحمن الرحيم- الملك فاروق الأول"، مضيفاً: "الأوقاف عقب الثورة غطت تلك اللوحة بقطع خشب أبلاكش، وقد حاولت في مرة خلع تلك الخشبة، إلا أن الجميع حذرني من إمكانية تسبب ضرر للوحة الأساسية".
المشهد الأخير لتلك المسجد في ذاكرة السبعيني قبل الثورة بأنه كان يحيطه الأشجار والنخل، وكانت المنطقة خالية من الزحف السكاني الآن، إلا أن شارع المسجد ما زال محتفظ بإسمه الملك، نسبة إلى الملك فاروق.
المسجد في عناية الأهالي
"فتحي البربري" 72 سنة صاحب ورشة ميكانيكا وأحد السكان القدامى بالمنطقة يؤكد على رواية"حسين" أن الحكاية القديمة للمسجد هو أن من بناه الملك فاروق الأول، فقد كانت جميع أراضي المنتزه ملك الأسرة الملكية، وأنه قد حرص على بناءه خدمة لأهالي، لأن منهم من كانوا يعملون في قصر المنتزه، لكن سكان العقارات الجديدة لا يعرفون تلك القصص، فهم غرباء عن المنطقة- على حد وصفه.
"البربري" يتحدث أن قيمة تلك المسجد تجعله دائماً في عناية الأهالي، وأن أحد الأئمة في وقت سابق كان يدعا الشيخ"حسن" تولى إمامته لمدة 15 سنة قد سعى لتوسعة المسجد وتطويره، إعادة دهان المسجد، كما قام أحد المقاولين ببناء دورين، أن الأهالي يمدون المسجد بالمروحيات والكراسي.
"الفجر" تنشر اللوحة التأسيسية للمسجد"الملك الصالح"
المسجد ما زال يحتفظ بلوحة وضع أساس المسجد بتاريخ 13 مايو 1945 على مدخل البوابة الأساسية، أما اللوحة الأصلية ليوم افتتاح المسجد قد تم إزالتها، قد حصلت"الفجر" على صورة منها التي تضمنت كتاباتها"مسجد فاروق الأول بالمنتزه- تفضل حضرة صاحب الجلالة الملك الصالح فاروق الأول أيده الله فافتتح هذا المسجد بأداء صلاة عيد الفطر المبارك فيه يوم الإربعاء غرة شوال سنة 1365 هجرياً، 28 أغسطس سنة 1946 ميلادياً".
لقب الملك الصالح للتقرب من المواطنين.. البناء تكلف 13 ألف جنيه
أهمية تلك المسجد كما يتحدث الدكتور إسلام عاصم المتخصص في تراث المساجد بالإسكندرية أن تلك المسجد ارتبط خصيصاً بالملك فاروق، لأنه المسجد الوحيد في ذلك التوقيت الذي حمل لقب الملك فاروق، لكنه لم يأخذ الشهرة الواسعة، على عكس جميع مساجد الإسكندرية، فقد أمر"فاروق" باستكمال بناء مسجد سيدي تمراز لكنه لم يحضر افتتاحه، كان يزور مسجد المرسي أبو العباس ووضع تعديلات بداخله وافتتحه عام 1945، لكنه ليس بإسمه الشخصي.
أمر ببناء مسجد القائد إبراهيم وتم افتتاحه عام 1951، وقد صرف على النجافة الخاصة بالمسجد من ماله الخاص، قد سماه القائد إبراهيم باشا نسبة إلى اسم جده، لكي يظهر أنه الفاتح الأكبر، لأن وقت بناءه قد كان عام 1948، الذي تواكب مع حرب 1948 في فلسطين، الذي يريد أن يقول أنه مثل جده الفاتح الأكبر.
أما إطلاق اسم المسجد ب"الملك الصالح"، فهو اللقب الذي لُقب به في ذلك التوقيت، في محاولات اظهار أن الملك فاروق هو خليفة المؤمنين، وأنه ملك يتق الله، والذي حرص في ذلك التوقيت أن يزور المساجد وإلتزامه بحمل السبحة، كما أنه حرص على عدم بناء تلك المسجد الذي يحمل اسمه داخل قصر المنتزه، إنما لأهالي، في محاولة للتقرب من الناس.
"عاصم" يتحدث أن افتتاح المسجد قد تم عام 1946، واللوحة المعلقة اليوم بتاريخ 13 مايو 1945 هي لوحة وضع الأساس، إما اللوحة الأصلية الخاصة بالافتتاح قد تم إزالتها عقب ثورة 23 يوليو، وانه في نفس اليوم وضع حجر الأساس، قام بافتتاح مسجد المرسي أبو العباس.
روايات يوم الافتتاح كما حصرها"عاصم" أنه قد قام فاروق بذبح أضحيات، للتقرب من الناس، وأنه تم بناءه في نحو عام، افتتح في أيام عيد الفطر المبارك، جاءت تكلفته 13 ألف و500 جنيه.
كما أنه يوم الافتتاح لم يعجبه"فاروق" مساحة المسجد الذي وجدها صغيرة، موضحاً: "في ذلك التوقيت كان طابع المهندسيين البناء بمساحات صغيرة، لكي تدخل أشعة ضوء الشمس بمساحات قليلة، فتعطي رهبة للمكان، إلا أن تلك المسجد لم يحدث معه ذلك بشكل كامل، لأن الشخشيخة لم تساعده".
زخارف المسجد بين التنوع العثماني والفاطمي والمملوكي
الحالة المعمارية للمسجد امتدت إليها الأيادي للتطوير كما يضيف متخصص التراث، وأنه بالتالي لم يحفظ الجانب التراثي الخاص به، خاصة أن افتتاحه قبل ثورة يوليو بثمانية سنوات، كما أن مصمم المسجد المهندس الإيطالي ومستشار الأوقاف"ماريو روسي" الذي بنى مساجد القائد إبراهيم، أبو العباس المرسي، الزمالك والطباخ، عمر مكرم في ميدان التحرير، خاصة أن نفس محراب المسجد هو ذاته في جامعي القائد إبراهيم، المرسي أبو العباس.
زخارف المسجد تتنوع بين العثماني والفاطمي والمملوكي كما يوضح"عاصم"، فالشريط الكتابي الذي يقطعه الباب الرئيسي هو نسق مملوكي، فوق الباب هناك فاتحة مزخرفة بالنباتات هو شغل عثماني، هناك ساحة للمسجد كان من المفترض زرعها بالنباتات هو فكر عثماني، اقتبسه"ماريو روسي"، خاصة أن وصف الجنة بالنخل والأشجار، لكي يعطي احساس المصلي بالجنة، لكن الأوقاف قامت بتبليطها، زخارف المحراب هي فاطميه بشكل"العقد المشاع" مشهورة في مسجد الأزهر.
"عاصم" يشير إلى أن تلك المسجد يحمل جانب تراثي خاص لارتباطه بالفترة الملكية، وأنه يظهر جانب سياسي من الملك فاروق برغبته في اظهار الجانب الديني الخاص بالتزامن مع الأحداث السياسية للدولة، وأنه يكفي أهمية المسجد بأن يكون الملك فاروق هو الذي أمر ببناءه وقام بافتتاحه، كما أن لوحة وضع الأساس تمثل أهمية كبيرة، يجب الحفاظ عليها وعدم إزالتها.