مي سمير تكتب: سر الضغوط الأمريكية على السعودية بـ"مقتل خاشقجى"
مركز أبحاث أمريكي: اهتمام تركيا بالقضية هدفه تحسين علاقتها بواشنطن وتقويض نفوذ الرياض
معلومات أنقرة عن الجريمة تكشف تجسسها على القنصلية السعودية باعتبارها تابعة لـ«عدو»
مع إعلان المملكة العربية السعودية، السبت الماضى، وفاة الصحفى السعودى جمال خاشقجى، فى قنصلية بلاده بإسطنبول بسبب «مشاجرة» بالأيدى مع أعضاء فريق أمنى سعودى، واتخاذ المملكة إجراءات لمحاسبة المتورطين فى الواقعة بدأت القضية التى شغلت الرأى العام العالمى، طريقها لكى تتم معالجتها قانونياً.
الاعتراف السعودى، هو بالتأكيد الوجه الأكثر وضوحاً فى مأساة مقتل خاشقجى، ولكن هذه المأساة تحمل فى طياتها أوجهًا أخرى مختلفة تلعب فيها كل من تركيا والولايات المتحدة، دور البطولة.
1- الاستغلال التركى المكشوف
يكشف مقتل خاشقجى، جانباً آخر للانتهازية التركية، يجب الانتباه إليه عند تناول الحادثة، وفى هذا الإطار كتب أنتونى كوردسمان، تقريرا بعنوان «الجانب الآخر من مأساة جمال خاشقجى»، نشره على موقع مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية الدولية، أوضح فيه كيف استغل الرئيس التركى رجب طيب أردوغان، القضية لصالحه بهدف تحسين صورة تركيا.
أنتونى كوردسمان، هو الباحث الاستراتيجى الرئيسى فى مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية الدولية، وعمل بالمجموعة الاستشارية المدنية مع الجنرال ستانلى ماكريستال، قائد القوات الأمريكية فى أفغانستان، لتشكيل استراتيجية أمريكية جديدة هناك، ومنذ ذلك الحين عمل كوردسمان، مستشاراً للعديد من عناصر الجيش الأمريكى وحلف شمال الأطلسى.
يشير التقرير إلى أن مراجعة تصرفات تركيا فى التعامل مع قضية خاشقجى، توضح أنها نجحت فى لعب دور جيد لصالحها فى الإعلام الغربى، رغم أن تركيا دولة تمارس القمع فى أشد صوره ضد مواطنيها وتقيد ممارسة العديد من الحريات الأساسية، وذلك من واقع تقرير الخارجية الأمريكية عن حالة حقوق الإنسان فى تركيا والذى أشار لإقالة أكثر من 100 ألف موظف مدنى، واعتقال وسجن أكثر من 50 ألف مواطن، وإغلاق أكثر من 1500 منظمة غير حكومية لعلاقاتها المزعومة مع رجل الدين فتح الله جولن، وحركته، والذى اتهمه أدروغان بتدبير محاولة الانقلاب عليه فى 2016».
يشير الباحث الأمريكى إلى أن نظام أردوغان تلاعب بالغرب فى قضية خاشقجى بالتحديد، دون أن تلاحظ وسائل الإعلام والسياسيون الأميركيون للحظة، مدى استغلال حكومة أردوغان لمقتل الصحفى السعودى لصالحها، رغم أن أى شخص يراجع تدفق المقالات والعروض التقديمية المفتوحة حول خاشقجى سيجد دليلاً وافراً على أن كثير من الصحفيين والسياسيين الغربيين والمحللين لم يلاحظوا علناً أن الدافع الحقيقى لتركيا فى توفير كمية هائلة من البيانات هو مهاجمة السعودية والسعى لتقويض نفوذها وكذلك تحسين موقف أنقرة بالنسبة للولايات المتحدة.
وسائل الإعلام والأصوات التركية ذات الصلات الواضحة بحكومة تركيا القمعية، نادرا ما تم تحديدها بوضوح فى الصحافة الغربية بوجود مثل هذه الروابط مع أردوغان، وعلاوة على ذلك، كانت هناك تغطية قليلة بشكل ملحوظ لحقيقة أن تركيا كانت تقدم مستوى من المراقبة والمعلومات الاستخبارية عن النشاط السعودى الذى لا يمكن أن يتحقق إلا إذا كانت تركيا تحتفظ بنوع من الجهد الاستخبارى الذى لا ينطبق إلا على قوة معادية أو أنها كانت تأمل فى استخدام حادثة مثل مقتل خاشقجى لمصلحتها الخاصة.
ويضيف الباحث الأمريكى أنه كان يجب على التغطية الإعلامية الغربية التى تناولت رد الفعل التركى لمقتل خاشقجى، ملاحظة احتواء البيانات التركية الكثيرة على معلومات حساسة، بالإضافة إلى أنه كان يجب رصد نفاق تصريحات أردوغان عن حقوق الإنسان، فيما يسيطر نظامه على كل جانب من جوانب الحكومة التركية والتقارير الإعلامية.
وينبه كوردسمان إلى أنه كان ينبغى إبراز مستوى اهتمام تركيا فى إظهار أهميتها الاستراتيجية للولايات المتحدة وتحسين العلاقات فى ضوء الأزمة الاقتصادية والتطورات فى سوريا، كما كان ينبغى تسليط الضوء على السبب المحتمل لقيام أنقرة بإطلاق سراح القس برونسون، بعد عامين من معاملته كرهينة، ولكن التغطية الإعلامية الغربية أغفلت كل هذه القضايا مقابل الاهتمام بمقتل خاشقجى والدور التركى فيها.
2- الضغط الأمريكى وصفقة الـ110 مليارات دولار
أما فيما يتعلق بالجانب الآخر للدور الأمريكى فى مأساة خاشقجى، فقد نشر موقع جلوبال ريسرش تحليلاً بعنوان «بسبب الغضب من خطة السعودية لشراء نظام إس- 400 الروسى عملت إدارة ترامب على استغلال قضية خاشقجى لإجبار السعوديين على الشراء من أمريكا».
وحسب التقرير الذى كتبته الباحثة ويتنى ويب، فإن رد فعل إدارة الرئيس الأمريكى دونالد ترامب والعديد من السياسيين الأمريكيين على اختفاء خاشقجى يتم توجيهه إلى حد كبير من قبل المجمع الصناعى العسكرى - فى هذه الحالة شركة لوكهيد مارتن - ولا يمكن اعتباره استجابة بدافع حماية حقوق الإنسان.
ويضيف التقرير إن هناك أدلة كثيرة تشير إلى أن رد الولايات المتحدة على قضية خاشقجى سيتم تحديده بناء على استعداد السعودية لمتابعة وعدها للرئيس الأمريكى بشراء نظام صواريخ ثاد الأمريكى الصنع بـ15 مليار دولار.
ووفقاً للتقارير، تراجع السعوديون عن الوفاء بالموعد النهائى لإتمام الصفقة وألمحوا فى أواخر سبتمبر الماضى إلى أنهم كانوا يخططون لشراء نظام الصواريخ الروسى.
وحسب ويتنى ويب، فإن رد الولايات المتحدة على اغتيال الصحفى السعودى يبدو فى الظاهر دفاعاً عن حرية الصحافة ولكن أدلة كثيرة تشير إلى أن موقف الولايات المتحدة من قضية خاشقجى هو لإجبار السعودية على إتمام صفقة الـ15 مليار دولار لصالح شركة لوكهيد مارتن الأمريكية العملاقة لصناعة الأسلحة التى تصنع نظام ثاد.
كان مقتل خاشقجى مجرد ذريعة ملائمة للولايات المتحدة للضغط على السعوديين بشأن التخلى عن صفقة الأسلحة من خلال السماح للولايات المتحدة بوضع إطار للانتقام باعتباره قضية «حقوق الإنسان».
فى العام الماضى زار الرئيس ترامب المملكة العربية السعودية وأثنى على ولى عهدها لوضع اللمسات الأخيرة على صفقة أسلحة ضخمة مع الولايات المتحدة بقيمة تزيد على 110 مليارات دولار، ومع ذلك، ظهر بعد فترة وجيزة أن هذه الصفقة لم تكن قائمة على عقود ولكن على «خطابات اهتمام أو نوايا».
وبعد مرور أكثر من عام، أشارت صحيفة واشنطن بوست مؤخراً إلى أن الكثير من صفقات الأسلحة المخطط لها لم يتم الانتهاء منها بعد، ومنها صفقة الـ15 مليار دولار والتى كان سيتم تصنيعها بواسطة شركة لوكهيد مارتن الأمريكية العملاقة للأسلحة.
انتهى الموعد النهائى للسعوديين لوضع اللمسات الأخيرة على تلك الصفقة فى 30 سبتمبر، قبل يومين فقط من اختفاء خاشقجى فى 2 أكتوبر، ومع ذلك، قال مسئول سعودى لصحيفة واشنطن بوست إن حكومته لا تزال مهتمة للغاية بالصفقة ولكن هناك مفاوضات جارية تأمل الرياض أن تنتهى بسرعة.
ولم تكتف المملكة بالتخلى عن صفقة الـ 15 مليار دولار لشراء منظومة الدفاع ثاد الأمريكية ولكنها كانت تدرس شراء نظام الدفاع الصاروخى إس- 400 الروسى الصنع بدلاً من ذلك، كما رفضت طلبات الحكومة الأمريكية للتنصل من اهتمامها بالنظام الروسى الصنع.
وفى 21 سبتمبر الماضى، صرح السفير السعودى لدى روسيا، رائد بن خالد قرملي: «بأن تعاوننا مع روسيا مستمر وينمو، وخلال زيارة الملك سلمان التاريخية إلى روسيا، وقعنا 14 اتفاقية بدأ تنفيذها.. وكانت هناك 4 اتفاقيات فى المجال العسكرى، 3 منها بدأ تنفيذها، أما الرابعة، فهناك مناقشة للقضايا التقنية لأن النظام نفسه حديث ومعقد»، فى إشارة لـ«إس- 400».
كما صرح السفير السعودى بأنه يأمل ألا يفرض أى شخص على السعودية أى عقوبات بسبب الصفقات الروسية، خصوصاً أن الولايات المتحدة فرضت عقوبات على الصين لشراء هذا النظام قبل فترة وجيزة.
ومن المثير للاهتمام، أنه بعد فترة قصيرة من تراجع السعوديين عن الالتزام بالاتفاق مع شركة لوكهيد، بدأ ترامب فى انتقاد السعوديين علانية بسبب ما وصفه بـ«عدم دفع» حصتهم العادلة، وفى تجمع حاشد فى مسيسيبى فى 3 أكتوبر الجارى- بعد يوم واحد من اختفاء خاشقجى فى إسطنبول وبعد 3 أيام من الموعد النهائى لإتمام صفقة لوكهيد مارتن، هاجم ترامب المملكة العربية السعودية.
ويهدد التراجع السعودى عن شراء نظام الدفاع الأمريكى صفقة الـ«110 مليارات دولار» والتى روج لها ترامب علناً، ومع عدم رغبة ترامب فى فقدان هذه الصفقات، أكد بعض المحللين مثل سكوت كريتون من مدونة نوماديك إيفمان أن فضيحة خاشقجى يتم استخدامها للضغط على السعوديين لشراء النظام الأمريكى.
فى نهاية المطاف، فإن استجابة الطبقة السياسية الأمريكية لقضية خاشقجى ليست سوى مثال حديث على أن المجمع العسكرى الصناعى هو المتحكم فى سياسة الحكومة الأمريكية، من خلال مزاعم القلق على حقوق الإنسان.
ودعت شخصيات قوية أخرى فى المؤسسة السياسية الأمريكية إلى اتخاذ إجراءات دراماتيكية ضد الحكومة السعودية، على سبيل المثال، صرح عضو مجلس الشيوخ ليندسى جراهام، مؤخراً بأنه سيكون هناك رد فعل كبير إذا تبين أن الحكومة السعودية مسئولة عن اختفاء خاشقجى، وتجدر الإشارة إلى أن أكبر مساهم فى حملة إعادة انتخاب جراهام لعام 2020 هى شركة لوكهيد مارتن لصناعة الأسلحة فى الولايات المتحدة.
وتنتهى المقالة بالإشارة إلى أنه مع تراجع السعودية عن صفقة الـ110 مليارات دولار، فمن المحتمل أن يؤدى التصرف السعودى إلى تعرضها لانتقام من واشنطن، فى ظل حقيقة أن مبيعات الأسلحة هى التى تشكل العامل الرئيسى وراء قلق واشنطن تجاه حرية الصحافة والتعبير.
وتقول ويتنى ويب إنه يجب أن تتوقف تركيا والولايات المتحدة عن استغلال القضية، لأنه لا أحد يصدق أن نظام أردوغان الدموى مهتم بمقتل صحفى سعودى فى الوقت الذى تحولت فيه تركيا إلى سجن ضخم لكل معارضى النظام، كما أنه لا أحد يعتقد أن اهتمام ترامب المفاجئ بحقوق الإنسان هو رد فعل طبيعى على مقتل الخاشقجى وليس بسبب صفقات الأسلحة التى تحتل أولوية باهتماماته.