د. نصار عبدالله يكتب: أنا وهتلر

الزمان: يناير 1968.. المكان: معسكر التجنيد بمنقباد.. حيث احتشدت الدفعة التى تقرر تجنيدها كضباط احتياط من حملة المؤهلات العليا من مواليد الصعيد.. كنت واحدا من أبناء تلك الدفعة وكنت أنتظر مع زملائى موعد الترحيل إلى كلية الضباط الاحتياط حيث كان من المتوقع أن نمضى فيها ستة أشهر نتخرج بعدها ضباطا برتبة ملازم احتياط وبعدها نرقى إلى رتبة ملازم أول.. قبل الترحيل بنصف ساعة تقريبا جاء إلى المعسكر ضابط ذو رتبة كبيرة لا أذكرها على وجه التحديد وطلب من الجميع أن يستمعوا إلى ما سوف يقوله، وحين بدأ الكلام أخرج ورقة من جيبه قائلا: اللى يسمع اسمه يقول أفندم! لكنه تلا اسمين فقط، كان أولهما: نصار محمد عبدالله نصار..سقط قلبى بين ضلوعى وأنا أقول: أفندم، ثم تلا الاسم الثانى: «هتلر لابان إبراهيم»، وارتفع من الطرف البعيد صوت يقول: أفندم.. نظر إليه الضابط ذو الرتبة العالية قائلا: إنت هتلر..ــ أيوه يا فندم، ابتسم الضابط ذوالرتبة وهو يقول..كله يستعد للتحرك ما عدا نصار وهتلر!..دول هيفضلوا هنا وبعدين هيترحلوا وحدهم للتجنيد كمجندين عاديين وليس كضباط احتياط، هنا وجدت نفسى أسأله: ليه؟.. شخط شخطة عالية وهو يقول: ما فيش ليه..دى أوامر عليا!!..والتفت إلى قائد المعسكر قائلا له: نفـّذ.. التحرك بعد نص ساعة!!، وارتفعت يد قائد المعسكر وهو يؤدى التحية للضابط الكبيرقائلا: تمام يافندم!!...بعدها جاءت السيارات وحملت زملاءنا وبقينا فى المعسكر: أنا..وهتلر!!..شاب وديع بالغ الوداعة من أبناء ملوى بمحافظة المنيا..قال لى والمرارة تقطر من فمه: الله يسامحك يا والدى، أنت الذى سببت لى كل ما سببته من مشاكل حينما أسميتنى هتلر، وآخرها المشكلة الحالية، فأنا لا أشك فى أن سبب استبعادى من الالتحاق بكلية ضباط الاحتياط هو أن اسمى هتلر!..روى لى كثيرا من ذكرياته الأليمة المتعلقة بهذا الاسم، وكيف أن كثيرا من العابثين من زملائه فى الدراسة حينما كان يلقى عليهم تحية الصباح كان يحلو لهم أن يقفوا أمامه شاهرين أيديهم بالتحية النازية قائلين له: هايل هتلر!! بل إن بعض أساتذته أنفسهم سامحهم الله كانوا عندما يسألونه ويجيب كانوا يفعلون نفس الشىء، وحينئذ يقهقه زملاؤه من الطلاب!! وحينما سألته: لماذا اختار والدك هذا الاسم الغريب؟ أجابنى: كان أبى مولعا بقراءة الصحف، وكان معجبا بأسماء الأفذاذ والعظماء إلى حد أنه أسمانى هتلر وأسمى شقيقى: نابليون! وأسمى شقيقتى: لوليتا!! وقد سببت هذه الأسماء لنا جميعا مشاكل لا تحصى!! حينئذ لم أتمالك نفسى ــ أنا رفيق محنته ــ لم أتمالك نفسى من الضحك، قال: اضحك ياعم..ياما غيرك ضحك كتير..عانقته وقبلت رأسه وأنا أعتذر له.. وحينئذ سألنى: لكن ماذا عنك أنت.. هل تعرف السبب الذى استبعدوك من أجله؟. أجبته أعتقد أننى أعرف.. إن والدى عضو فى البرلمان.. قال وماذا فى هذا ؟ قلت:دعنى أكمل.. إنه الآن فى إجازة مرضية إجبارية رغم أنه ليس مريضا!.. فقد فرضت عليه وعلى جميع أفراد أسرته بما فيهم شخصى الحراسة العامة طبقا لطلب اللجنة العليا لتصفية الاقطاع للاشتباه فى مخالفته لقوانين الإصلاح الزراعى، وقد طلبت اللجنة فصله من مجلس الأمة ولكن أنور السادات رئيس المجلس رفض الطلب، وقدم حلا وسطا هو منحه إجازة مرضية تمنعه من حضور الجلسات.. وكذا لم يفاجئنى هذا الاستبعاد، لأننى استبعدت قبل ذلك من التعيين فى الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء.رغم أن الفريق جمال عسكر رئيس الجهاز هنأنى بنفسه لأن ترتيبى كان الأول بين الناجحين فى المسابقة، وطلب منى انتظار خطاب التعيين!!