إيمان كمال تكتب: "عيار ناري".. أصاب أمهات الشهداء
قبل أن أشاهد فيلم «عيار نارى» سمعت تصريحات مؤلف الفيلم ومخرجه بأنه يحتمل أكثر من تأويل وبأنه لا يقصد وقتا محددا، وبأن مشاهدته كل مرة ستكون بشكل مختلف.. وأن الفيلم لا يقصد اى هدف سياسى وإن كان هدفه هو أن الحقيقة تحمل أكثر من وجه وما نراه حقيقة قد يكون غير ذلك.
من كل هذه التصريحات وبعد الهجوم على الفيلم توقعت أن يكون بالفعل يحمل وجهة نظر مغايرة ومختلفة إلا أنه فى النهاية لا يصدر فكرة معينة ولكن بعد مشاهدتى للفيلم أصبت بخيبة أمل.. ولسان حالى يتساءل ماذا لو شاهد هذا العمل "أمهات الشهداء" وسأستعمل هنا كلمتهم "شهداء" فى المطلق ليس بتوقيت معين وليس مقصودا ثورة بعينها؟
الفيلم يطرح وجهة نظره أن الحقيقة قد يكون لها أوجه متعددة فشخصية طبيب ثلاجة الموتى التى يجسدها أحمد الفيشاوى هو شخص انطوائى مهزوم بسبب والده الوزير الأسبق المتهم بقضية فساد.. وفى مواجهة بين الأب وابنه يذهب العمل إلى أن هذا الوزير شخص شريف وليس بالضرورة أن يكون فاسدا لأن الحقيقة ليست بعدد من يصدقها.
هكذا برأ صناع الفيلم الوزير الذى نراه مخطئا أو متورطا بالفساد بينما من نحسبه شهيدا.. فتكشف الأحداث بأنه شاب مستهتر عاق يحاول سرقة والدته وشقيقه بالإكراه من أجل أن يتزوج حبيبته ليصلح الخطأ الذى وقع فيه بعد أن تورط فى حملها، ليس هذا فحسب.. فقتله كان على يد شقيقه فى منزله.. فهو لم يكن مؤمنا بالثورة ولم ينزل يوما ليشارك فى أى حدث لكن لإخفاء جريمة شقيقه ربما.. وربما ايضا للاستفادة بكل ما حصل عليه اهالى الشهداء من تكريمات وشقق وعمرة وفرص للشغل.. جعلت اسرته تخدع الجميع بأنه من الشهداء..
الصورة التى نراها هى الشخص الوطنى الذى نزل لساحة الميدان من أجل الدفاع عن وطنه وعن حقوقه.. لكن الصورة المزيفة التى رسمها الفيلم هو هذا الشخص المبتذل..
بالفعل الحقيقة تحمل أكثر من وجه وبالفعل قد يكون بين كل الشهداء –رحمهم الله – دخلاء ليس لهم صلة بالأمر بنسبة محدودة بكل تأكيد.. لكن فى الوقت الذى كنا نأمل فيه أن يكون هناك عمل يطبطب جروح أمهات الشهداء التى لم تندمل بعد.. عمل يجعلهن مرفوعات الرأس.. وقعنا فى فخ التشكيك.. التشكيك فى كل المعانى النبيلة التى نؤمن بها.. التشكيك فى أرواح زهقت من أجل أن توفر لنا حياة كريمة نطمح إليها..
ربما لو كانت النهاية مفتوحة لكنت آمنت بالفكرة وهى أن لكل حقيقة "100 وش" لكن للأسف أصدر الفيلم الحكم بقسوة لا تليق بكل الفنانين المشاركين به.. لا ألوم على الفيلم ولا تلك الأفكار التى وضع صناعها السم فى العسل.. بل اعتذر لكل أم فقدت ابنها واحتسبته شهيدا.. لأنه ليس بحاجة لعمل سينمائى ليكون بطلا، أما صناع الفيلم فأقول لهم.. كيف ستواجهون الحقيقة يوم القيامة بعد تزييفها؟ وقتها لن تحتمل الحقيقة سوى وجه واحد.. هو «الحق» وليس صناعة الباطل.