"قديسو الصحافة".. رحلوا وظلت كلماتهم شاهدة على الحقيقة (تقرير)
في أقل من عام، فقدت الصحافة المصرية جزءًا كبيرًا من جيل كبار الكُتاب، ممن أضافوا للصحافة في مصر، وأضافوا لمصر ذاتها، وصنعوا نوعًا جديدًا من القراءة لدى المصريين، وكانوا جزءًا لا يتجزأ من الأحداث، والدفاع عن المهنة وقضايا الوطن.
ففي شهر ديسمبر من عام 2017، فقدت الصحافة المصرية الكاتب الصحفي الكبير والنقابي
صلاح عيسى، وفي الأول من يناير الماضي، فقدت الكاتب الصحفي والنقابي المُخضرم إبراهيم
نافع، وفي الأسبوع الأول من شهر أغسطس الماضي، فقدت الصحافة الكاتب الصحفي الكبير والنقابي
والقيادي اليساري عبدالعال الباقوري، وفقدت الصحافة عمود من أعمدة المهنة، قديس
الصحافة الكاتب حسين عبدالرازق، بنهاية ذات الشهر.
صلاح عيسى.. رحل المؤرخ السياسي والتاريخي لمصر
دائمًا كان المدافع الأول
عن المهنة، وكان غيورًا عليها ومدافعًا عن الصحفيين، وكانت آخر كتاباته عن قانون
تنظيم الصحافة، ودفاعًا عن حق الصحفي في حريته وعمله.
الكاتب الصحفي صلاح عيسى، هو صحفي ومؤرخ
مصري يساري، بدأ حياته كاتبًا للقصة القصيرة، ثم اتجه عام 1962 للكتابة في التاريخ
والفكر السياسي والاجتماعي، ثم تفرغ للعمل بالصحافة منذ عام 1972 في جريدة الجمهورية.
أسس وشارك "عيسى"
في تأسيس وإدارة تحرير عدد من الصحف والمجلات، منها: "الكتاب، الثقافة الوطنية،
الأهالي، اليسار، الصحفيون"، كما نشر آلاف المقالات في العديد من
الصحف المصرية والعربية من بينها الأهرام والمصري اليوم والبيان الإماراتية وغيرها،
وشارك في إعداد مشروعات قوانين الصحافة.
اعتُقل لأول مرة بسبب آرائه
السياسية عام 1966، وتكرر اعتقاله أو القبض عليه أو التحقيق معه أو محاكمته في عدة
سنوات ما بين 1968 و1981، وفُصل من عمله الصحفي المصري والعربي.
أصدر أول كتبه "الثورة
العرابية" عام 1979، وصدر له 20 كتابًا في التاريخ والفكر السياسي والاجتماعي
والأدب منها: "تباريج جريج، مثقفون وعسكر، دستور في صندوق القمامة، رجال ريا وسكينة.
وتم اختيار "عيسى"
أمينًا عامًا للمجلس الأعلى للصحافة، بعد إعادة تشكيله برئاسة جلال عارف نقيب الصحفيين
الأسبق، في سبتمبر 2013، وظل وكيلًا للمجلس حتى حله وتشكيل المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام
وهيئتي الصحافة والإعلام، العام الجاري.
إبراهيم نافع.. "عملاق الصحافة" وصاحب أكبر
إنجازات في نقابة الصحفيين
لم يكن رحيله مفاجئة، ولكنها كان هادئًا، على الرغم من
"مشاغباته" خلال صغره، وخلال توليه منصب نقيب الصحفيين ورئيس مجلسي تحرير
وإدارة مؤسة الأهرام، كان رحيله وجعًا جديدًا في قلب الجماعة الصحفية.
"إحنا بنخسر رموزنا".. هكذا قال الدكتور
صفوت العالم أستاذ الإعلام السياسي بجامعة القاهرة، بعد وفاة الكاتب الصحفي الكبير
صلاح عيسى، وقبل أن يلحقه "كبير النقباء" إبراهيم نافع بأيام.
يُعد الكاتب الصحفي الكبير إبراهيم نافع، واحدًا من قلائل المهنة،
ممن دافعوا عن حرية الصحافة، وكان من أشهر من خاض معاركًا من أجل حرية الصحافة، أبرزها
معركة القانون رقم ٩٣ لسنة ١٩٩٥، حيث دعت نقابة الصحفيين في عهده في يونيو عام
1995، لعقد جمعية عمومية طارئة، حيث ظل المجلس في انعقاد دائم، بهدف حماية حرية الصحافة
والصحفيين، ونجحت نقابة الصحفيين في إسقاط القانون رقم 93 لسنة 1995، وصدر قانون
96 لسنة 1996، الذي أكد على أن الصحافة سلطة شعبية تمارس رسالتها بحرية مسؤولة في خدمة
المجتمع.
ووصف "نافع" القانون رقم 93 لسنة
1995، بأنه يهدف إلى تقييد حرية الصحافة بشكل غير مسبوق، وأطلق عليه الكثيرون قانون
"حماية الفساد"، وقد صدر بشكل عاجل وتم إقراراه خلال ساعات فقط من عرضه على
أعضاء اللجنة الدستورية والتشريعية لمجلس النواب – حينذاك – وتم تمريره والتوقيع عليه
من قبل رئيس الجمهورية في ليلة واحدة، وعقب ذلك عقدت نقابة الصحفيين عموميتها الطارئة
التي نجحت في إسقاط القانون.
حققت نقابة الصحفيين على يد الكاتب الصحفي إبراهيم نافع، إنجازات
عديدة، أهمها تشييد مبنى للصحفيين، الذي تحول على يديه إلى "مبنى القرن"،
وهو صرحًا قادرًا على استيعاب وخدمة الصحفيين، وتسلمه من القوات المسلحة بعد تأثيثه
عام 2002.
وتم في عهد الكاتب الكبير الراحل، إصدار عددًا ضخمًا
من الإصدارات الصحفية بالأهرام، والمجلات المتخصصة.
وقال نقيب الصحفيين عبدالمحسن سلامة، إن "نافع"
صاحب الانطلاقة الثالثة للأهرام، فكانت الأولى على يد سليم وبشارة تقلا مؤسسا الأهرام،
وكانت الثانية على يد الراحل الكبير محمد حسنين هيكل، إلى أن جاء "نافع"
ليتولى رئاسة مجلس إدارة وتحرير الأهرام لأكثر من ٢٥ عامًا، امتدت من عام ١٩٧٩ وحتى
عام ٢٠٠٥.
عبدالعال
الباقوري.. ابن اليسار ونصير القدس
تولى الكاتب الصحفي عبدالعال الباقوري، عضوية مجلس نقابة الصحفيين،
ثم وكيلًا لمجلس النقابة في الفترة من 1999 حتى عام 2003، وذلك في ظل رئاسة الكاتب
الصحفي الراحل إبراهيم نافع نقيب الصحفيين، اشتهر عنه اهتمامه بنصرة القضية الفلسطينية،
وكتاباته عن الصراع "العربي - الإسرائيلي"، سواء في مقالاته بجريدة الجمهورية
أو إصدارته أيضًا.
كتب آخر مقالاته في 5 يوليو الماضي تحت عنوان "رد عربي
على صفقة القرن"، والتي دعا خلاله للتفكير في خطوة عربية محددة بعيدًا عن
"صفقة القرن"، وعقد قمة بدعوة من مصر والأردن ومعها أطراف عربية أخرى للتباحث
من أجل التمسك بإقامة دولة فلسطينية في الضفة والقدس وعاصمتها القدس الشرقية.
كان للراحل عدة كتب ودراسات اهتمت في معظمها بالقضية الفلسطينية
والفكر الناصري، منها "فلسطين والمستقبل العربي"، والذي صدر عام 2017، عن
دار الجمهورية للصحافة، و"وعد بوش.. بلفور الجديد: الحصاد المر للساداتية"،
والذي صدر عام 2005، عن دار مكتبة مدبولي، و"ناصريون وبعثيون"، الذي صدر
عن دار الهدى للنشر والتوزيع عام 2003.
وكذلك "حدود التسوية واستراتيجية إسرائيل في
القرن الـ21"، وهي دراسة صدرت عام 2002، عن دار ميريت للنشر والتوزيع، و"الحرب
القادمة: نتنياهو أخطر رجل فس أخطر دولة وثائق وأحاديث إسرائيلية"، وصدر عن دار
الهدى للنشر، عام 1999، و"سقوط القدس"، وهي سلسلة كتابات صدرت عام 1999،
عن دار الهدى.
حسين
عبدالرازق.. عاشق الأدب وقديس الصحافة
60 سنة من العمل السياسي والصحفي والنقابي
والحزبي، لم يتأخر يوما عن تلبية نداء الوطن في مختلف الأعمال التي شغل بها مناصب،
معتبرًا أن كل لحظة يعيشها ليست ملكه وحده، بل لتاريخ الأمة التي عبر عنها في كثير
من مواقفه ومؤلفاته، وظل حسين عبدالرازق مدافعًا عن الديمقراطية وحرية الفكر والتعبير،
كما انحاز في مؤلفاته عن الطبقات العاملة والعمال والفلاحين وأبناء الطبقات المهمشة
الفقيرة والمتوسطة.
لعب "عبدالرازق" دورًا بارزًا في عمله الصحفي النقابي،
فانتُخب لأكثر من دورة في عضوية مجلس نقابة الصحفيين، وعمل مع نقيب النقباء كامل زهيري،
فكان عضوًا مؤثرًا مع شباب الصحفيين في الضغط على السلطة لإلغاء القانون 93، المعروف
بـ"قانون اغتيال الصحافة" في عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك، كما تولى رئاسة
تحرير جريدة الأهالي في الفترة من 1982 حتى 1987، وخاضت الجريدة في عهده معارك صحفية
متواصلة ضد الفساد والاستبداد والاستغلال والاحتكار، وظل يكتب عموده الثابت فى الجريدة
بعنوان "لليسار در"، وفي عام 1987 أسس مجلة اليسار ورأس تحريرها لتكون لسان
حال أتباع المدرسة الماركسية.
وحزبيًا.. شارك "عبد الرازق" في تأسيس
حزب التجمع عام 1976، مع خالد محي الدين وصلاح عيسى ورفعت السعيد وزوجته فريدة وأختها
أمينة النقاش، وكان من المساهمين في انتفاضة الخبز في يناير 1977، واعتُقل مع عدد من
القيادات السياسية والنقابية والعمالية والطلابية، واعتُقل مرة أخرى في 29 مارس عام
1981 في قضية الحزب الشيوعي.
وسياسيًا.. كانت له مواقفه الرافضة والمناهضة لسياسة
التطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي، حيث رفض اتفاقية كامب ديفيد، التي وقعها الرئيس أنور
السادات، وانطلاقًا من هذا الدور، قام بالمشاركة في تأسيس لجنة الدفاع عن الثقافة الوطنية،
التي ساهمت في تشكيل الوعي المصري الرافض للتطبيع، وفي حزب التجمع أسس لجنة الدفاع
عن الحريات لدعم المعتقلين وأسرهم، من خلال مجموعة من المحامين.
وفي 1 سبتمبر 2013، تم اختياره عضوًا في لجنة الخمسين
لوضع الدستور، فوضع نصب عينيه أهمية الديمقراطية والتعددية الحزبية ووضع مكانة مرموقة
للعمل الصحفي الذي يساهم في تشكيل الوعي المجتمعي، وظل يطالب بتفعيل الدستور وتطبيقه
بدلًا من التفكير مجددًا في طرح أي تعديلات جديدة.
وبرحيل "عبدالرازق" لم تنته صفحة لليسار
وللتاريخ النقابي الصحفي، بل أصبحت مرجعًا ينهل منه أصدقاؤه وتلاميذه.