الإدارية العليا تصدر حكما قضائيا تنتصر لوزارة الأوقاف
قضت المحكمة الإدارية العليا الدائرة الثالثة، برئاسة المستشار أحمد منصور، نائب رئيس مجلس الدولة، وعضوية المستشارين ناصر عبد القادر ونجم الدين عبد العظيم والدكتور محمد عبد الوهاب خفاجى وعبد العزيز السيد، نواب رئيس مجلس الدولة، برفض الطعن المقام من أحد المقاولين طالبا تعويضه من وزارة الأوقاف بنسبة 10 % من قيمة العملية في صيانة وترميم المساجد.
يأتي ذلك طبقا لقرار رئيس مجلس الوزراء عام 2003، ورفضت طلب المقاول تعويضه من مال الوزارة، وانتصرت فيه المحكمة لوزارة الأوقاف في صيانة وترميم المساجد، واعتبرت المحكمة أن قرار رئيس الوزراء عام 2003 بتعويض المتعاقدين مع الدولة 10 % لإرتفاع سعر العملة ليس مؤبداً حفاظاً على الميزانية العامة، كما اعتبرت أن ما قرار مجلس الوزراء عام 2008 من التعويض من ميزانية الجهات الإدارية ذاتها محدود أيضا بالقيد الزمني والموضوعي لهذا القرار.
وقالت المحكمة أن تعيين المقصود بمضمون العقد لا يقتصر على إلزام المتعاقد بما ورد فيه على وجه التخصيص والإفراد، بل يلزمه كذلك بما يقتضيه طبيعته وفقاً لأحكام القانون والعرف والعدالة، فإذا تعين مضمون العقد وجب تنفيذه على وجه يتفق مع ما يفرضه حسن النية، وما يقتضيه العرف في شرف التعامل.
وبهذا يجمع المشروع المصرى وفقا للأعمال التحضيرية للتقنين المدني بين معيارين: أحدهما ذاتي قوامه نية المتعاقد، وقد اختاره التقنين الفرنسي، والآخر مادي يعتد بعرف التعامل وقد أخذ به التقنين الألماني، فالعقد وإن كان شريعة المتعاقدين، فليس ثمة عقود تحكم فيها المباني دون المعاني، كما كان الشأن في بعض العقود عند الرومان، فحسن النية يظلل العقود جميعاً، سواء فيما يتعلق بتعيين مضمونها، أم فيما يتعلق بتنفيذها.
وأضافت المحكمة أنه بموجب قراري رئيس مجلس الوزراء رقمي 1864 لسنة 2003، و229 لسنة 2004، ما طرأ من تغير وارتفاع في سعر العملة الأجنبية بعد صدور قرار بتحرير سعر صرف الجنيه المصرى بالنسبة للعملة الأجنبية، بتعويض المتعاقدين مع جهات الإدارة قبل تحرير سعر صرف الجنيه المصرى الحاصل في 29/1/2003 ،طالما استمر تعاقدهم قائما بعد هذا التاريخ وطالما استمروا في التنفيذ بعده.
واشترط ألا يكون التأخير في تنفيذ العقد راجعاً للمتعاقد مع جهة الإدارة، وقد تمثل هذا التعويض في منح المتعاقد مع الإدارة نسبة 10%، وذلك لحين انتهاء اللجان المشكلة لتقدير ومراجعة الأعمال الصادر بخصوصها القرار رقم 1864 لسنة 2003، ومن ثم فإن هذين القرارين مقيدين بقيد زمني، بأن يكون استحقاقه لها اعتبارا من 29/1/2003، ومقيداً بقيد موضوعي بخصم قيمة التشوينات التي تكون موجودة بالموقع في هذا التاريخ.
وأشارت إن الثابت من الأورق أن أحد المقاولين تعاقد مع وزارة الأوقاف على عملية الصيانة السنوية وترميم المساجد التابعة لمديرية أوقاف المنوفية مراكز القطاع الأول وقد تضمن العقد المبرم بين الطرفين في البند الثامن منه على النص التالى: "تظل الأسعار ثابتة دون زيادة طوال مدة التنفيذ وحتى انتهاء العمل بالكامل، وإذا ظهرت أي أعمال مستجدة خارج نطاق المقايسة لا تشملها جدول الكميات للبنود والمواصفات المطروحة، ويتم المحاسبة عليها باتفاق الطرفين بعد تحليل أسعارها ومناسبتها لأسعار السوق المحلي".
وقد خلت مما يفيد أن الأوقاف قد أخلت بالتزاماتها التعاقدية على أي وجه وأن الطاعن ذاته لم يذكر في عريضة دعواه المبتدئة الصادر بشأنها الحكم المطعون فيه ثمة إخلال من جهة الإدارة معه، واستمر ذلك منه حتى في مرحلة الطعن، بل ولم يقدم ما يفيد أن الجهة الإدارية المطعون ضدها قد أخلت بالتزاماتها العقدية أو أنها لم تصرف مستحقات المدعى في مواعيد صرف المستخلصات، وقد نص العقد محل النزاع وارتضته إرادة المتعاقدين من النص على ثبات الأسعار دون أي زيادة طوال مده التنفيذ وحتى انتهاء العمل بالكامل.
وذكرت أنه لا ينال من هذا النظر، ما قدمه الطاعن ضمن حافظة مستنداته من أحكام سابقة للقضاء الإداري تقضي باستفادة المقاول بنسبة ال 10% طبقا لقراري مجلس الوزراء سالفي الذكر، فذلك مردود أنه هذه الأحكام تخضع عملية المقاولة فيها للسريان الزماني لهذين القرارين وهو الأمر الذي لم يتوافر للطاعن.
كما لا يغير من ذلك أيضاً أن مجلس الوزراء قرر بجلسته رقم 49 المنعقدة بتاريخ 16/4/2008 الموافقة على تعويض المقاولين من موازنات الجهات الإدارية المختلفة، وذلك عن العقود المبرمة أو العروض المقدمة من 29/1/2003 وقبل صدور القانون رقم 5 لسنة 2005 بالنظر إلى فروق السعر بين سعر التعاقد وسعر السوق، وكذا العقود المبرمة في ظل القانون رقم 5 لسنة 2005م، وذلك بالنسبة للبنود التي تعرضت لزيادة في الأسعار، فذلك مردود بأن اشتراط تطبيق ما قرره مجلس الوزراء فى هذا الصدد كان عن العقود المبرمة أو العروض المقدمة من 29/1/2003 وقبل صدور القانون رقم 5 لسنة 2005و أن الثابت في العملية التي أبرمها كانت لاحقة على هذا التاريخ.
كما أن خضوع العملية محل النزاع للقانون رقم 5 لسنة 2005 رهينة بعدة قيود أهمها أن يحدد الطاعن البنود التي تعرضت لزيادة في الأسعار، وألا يكون هناك تأخير في تنفيذ الأعمال راجع لغير سبب الأسعار، وهو ما عجز عن اثباتهما الطاعن في جميع مراحل التقاضي للنزاع الماثل.
وأوضحت أن مراد مجلس الوزراء من تقرير ما تقدم عام 2008 لا يمكن أن ينصرف إلى تمتع كافة المقاولين بهذا الاستثناء بصفة مؤبدة دون نطاق زمني محدود، على نحو ما سلف بيانه وإلا انهارت ميزانية الدولة وتحقق الإثراء بلا سبب للمتعاقدين مع الإدارة وهو الأمر المحظور قانوناً، فضلا عن أن الأسس الضوابط التي قررها مجلس الوزراء المشار إليها طبقاً للبند الأول منها، وإن كانت الزامية لوزارة الإسكان والمرافق والتنمية العمرانية إلا أنها استرشادية للجهات الأخرى، ومن ثم لا تكتسب صفة الإلزام القانوني في الطعن الماثل.
واختتمت المحكمة عن رفضها طالب الطاعن بالتعويض، أن البين انتفاء الخطأ في جانب وزارة الأوقاف وأنها طبقت حكم القانون وما ورد بالعقد صراحة من أن الأسعار نهائية وغير قابلة لأي زيادة، حتى تمام تنفيذ العقد بالكامل طبقا للشروط الوراد به فإنها تكون قد عملت صحيح حكم القانون، ومن ثم ينتفى ركن الخطأ في حقها مما ينهار معه ركن من أركان المسئولية العقدية، فضلاً عن انهيار ركن الضرر الذي عجز الطاعن عن بيانه وتحديد أسسه سواء أمام محكمة أول درجة أو امام هذه المحكمة في مرحلة الطعن.
واكتفى فقط بطلب مساواته بالمقاولين الأخرين رغم اختلاف مراكزهم القانونية عنه في مجال السريان الزماني لقراري رئيس مجلس الوزراء المشار إليها، فمن ثم يكون طلبه التعويض إزاء انهيار الأركان الثلاثة مجتمعة بحسبان أن علاقة السببية لا تربط بين معدومين، قائما على غير سند قانوني سليم خليقا بالرفض.
وأن الحكم المطعون فيه قد انتهى إلى هذا المذهب وقد عززته المحكمة الإدارية العليا بأسس قانونية سديدة فصار بنياناً، مشيداً
وركناً قائماً متسق المبنى والمعنى، فإنه
يكون قد أصاب وجه الحق في قضائه، وصادف صحيح حكم القانون بما لا مطعن عليه، وهو ما
يتعين معه الحكم برفض الطعن.