مي سمير تكتب: واشنطن وضعت "قائمة موت" لأمريكان وأجانب منذ "11 سبتمبر"
تخالف القانون وسيادة الدول.. ومسئولون كبار اعترفوا
يعتقد بلال عبد الكريم، أن الحكومة الأمريكية تحاول قتله، رغم أنه أحد مواطنيها، إذ إنه أمريكى الجنسية، وقد يكون بلال على حق، لأن الحكومة الأمريكية تملك قائمة سرية من المشتبه بتورطهم فى أعمال إرهابية من الأمريكيين والأجانب، تنفذ فيهم حكم الإعدام بشكل مباشر دون محاكمة أو أى إجراءات قانونية.
قصة بلال عبد الكريم، التى تم نشرها مؤخراً فى مجلة «رولينج ستون»، تعكس بدقة الفوضى التى سببتها الحرب على الإرهاب على النظام القانونى ومخاطر التخلى عن التقاليد القانونية التى تتباهى بها الولايات المتحدة باعتبارها دولة قانون.
تحت عنوان «حكومتك لديها قائمة قتل سرية.. ألا تمانع؟»، كشف التحقيق الصحفى عن قائمة قتل سرية تملكها حكومة الولايات المتحدة الأمريكية للتخلص من المشتبه فى تورطهم فى أعمال إرهابية أو إجرامية دون الحاجة للقبض عليهم وتوفير محاكمة عادلة، بالطبع أغلب عمليات القتل تقع فى الشرق الأوسط.
1- 5 محاولات لاغتيال بلال
اعتنق المواطن الأمريكى بلال عبد الكريم، الإسلام، ووجد نفسه يعمل كمراسل تليفزيونى فى الشرق الأوسط لصالح شبكة «سى إن إن»، حيث تولى تغطية الحرب فى سوريا، واشتهر من خلال منصة إعلامية على موقع «يوتيوب» يستعرض من خلالها أخبار الحرب تعرف باسم «على أرض الواقع نيوز» اشتهرت القناة بتغطية أخبار التنظيمات الإرهابية ما ربط اسم بلال بهذه التنظيمات.
وفقا لبلال إنه فى صيف عام 2016، بدأت الأمور تنفجر حوله على نحو مثير للقلق، وفى بضعة أشهر، نجا من 5 هجمات مختلفة، فى البداية، أصيب مكتب محطته المثيرة للجدل بصاروخ، وفى المحاولة الثانية، تحول الطريق حيث كان يجهز موقع التصوير لقصة إخبارية إلى حفرة فوضوية جراء تفجير نجا منه بسبب بحثه عن منظر أفضل، ومع المحاولة الثالثة، كما يقول، رأى طائرة أمريكية بدون طيار تطلق قذيفة حيث كان هو وطاقمه يصورون فيلماً فى بلدة نائية فى ريف حلب.
فى الهجوم الرابع، هز انفجار مرة أخرى مكتب بلال، والذى كان فى الطابق السفلى من مبنى يضم مركزاً للأعمال الخيرية، ما أسفر عن مقتل امرأة ورجل مسن وطفلة 10 أعوام، وبعد بضعة أسابيع، نجا من انفجار آخر، وبعد 5 انفجارات، لم يكن لدى بلال أى شك فى أنه كان على «قائمة القتل» الأمريكية.
يقيم بلال فى الخارج ويكافح من أجل تحديد سبب وجوده على ما يبدو فى «قائمة القتل» السرية التابعة للحكومة الأمريكية التى تستهدف المشتبه بأنهم إرهابيون حيث يتم استهدافهم باستخدام طائرات بدون طيار، وفى محاولة منه لإزالة اسمه من القائمة، رفع قضية فى المحكمة، مجادلاً بأن الحكومة الأمريكية لا تستطيع تفجيره دون اتباع الإجراءات القانونية الواجبة.
حسب رولنج ستون، القضية، التى لا تزال دون حل بعد أكثر من عام ، كما أن لها تداعيات مروعة ليس فقط بالنسبة لبلال ولكن لجميع الأمريكيين وكل البشر فى كل مكان، ومن السهل القول إنها واحدة من أهم الدعاوى القضائية التى تتواجد على طاولة مكتب قاض فيدرالى.
وتضيف المجلة الأمريكية العريقة أن النتيجة الخاطئة لهذه القضية قد تؤدى لإضفاء الطابع الرسمى على الانزلاق نحو الاستبداد الذى بدأ منذ زمن بعيد فى الولايات المتحدة، ولكن تسارعت وتيرته بعد أحداث الحادى عشر من سبتمبر، ومنذ ذلك اليوم، تم إعطاء الرؤساء فى الولايات المتحدة سلطة هائلة فى شن الحرب، والتعذيب، والاحتجاز لأجل غير مسمى، ووضعت عمليات التفتيش غير القانونية، والاعتقال بدون إذن، والاحتجاز لأجل غير مسمى، والتعذيب ومسائل أخرى وراء جدار من السرية الذى لا يمكن اختراقه حيث تتم خارج نطاق المحاكم.
واعتبرت المجلة أن هذه القضية تشكل لحظة مأساوية محتملة فى تاريخ انزلاق أمريكا، حيث تطلب السلطة التنفيذية أقصى درجات السلطات الديكتاتورية، الحق فى قتل مواطنيها دون الحاجة للشرح.
وفى الوقت الذى لا تزال فيه قضية بلال تشق طريقها عبر المحاكم، ترى المجلة أنه يجب على الكونجرس العمل لإصدار قانون يحمى المواطنين الأمريكيين من القتل خارج نطاق القضاء من خلال منع السلطة التنفيذية من استهداف المواطنين الأمريكيين لاغتيالهم.
وتظهر هذه القضية قدر الازدواجية التى تتمتع بها الإدارة الأمريكية التى لا تمانع فى توجيه أصابع الاتهام إلى دول العالم بدعوة حماية حقوق الإنسان، ولكنها فى نفس الوقت لا تمانع فى إصدار عقوبة الإعدام على مشتبه فيهم أمريكان وأجانب دون محاكمة عادلة وإجراءات قانونية تضمن الحق فى الدفاع عن النفس.
2- أوباما أكبر قاتل
ديسبوزاشن ماتريكس أو «Disposition Matrix»، والمعروفة بشكل غير رسمى باسم «قائمة القتل»، هى عبارة عن قاعدة بيانات للمعلومات الخاصة بالتعقب أو القبض أو قتل أعداء للولايات المتحدة، وتم تطويرها بواسطة إدارة باراك أوباما فى عام 2010، والعملية التى تحدد معايير القتل ليست علنية وتم وضعها بشكل كبير من قبل مدير مكافحة الإرهاب الوطنى ومدير وكالة المخابرات المركزية الأمريكية السابق، جون برينان.
ورغم رفض البيت الأبيض والمركز الوطنى لمكافحة الإرهاب «NCTC» والناطقين الرسميين لوكالة المخابرات المركزية، التعليق على قاعدة البيانات، صرح المسئولون بشكل خاص بأن قوائم القتل ستستمر لعقد آخر على الأقل، إن لم يكن إلى أجل غير مسمى، وقال أحد المسئولين «إنها جزء ضرورى مما نقوم به»، وصرح بول بيلار، نائب المدير السابق لمركز مكافحة الإرهاب فى وكالة الاستخبارات المركزية ، قائلاً: «إننا ننظر لشيء من المحتمل أن يكون لأجل غير مسمى»، وفقا لصحيفة نيويورك تايمز، كان برينان هو المنسق الرئيسى لقوائم القتل الأمريكية، وحسب دانييل بنجامين ، المسئول السابق فى إدارة مكافحة الإرهاب فى إدارة أوباما، فإن برينان «ربما كان يتمتع بسلطة ونفوذ أكبر من أى شخص فى وضع مماثل فى السنوات العشرين الماضية».
وصاحبت عملية إنشاء قاعدة البيانات توسعًا فى أسطول الطائرات بدون طيار، ما حول المخابرات المركزية الأمريكية لقوة شبه عسكرية، ورفع عدد العمليات التى تشرف عليها قيادة العمليات الخاصة المشتركة «JSOC» فى إفريقيا، وزيادة مشاركة قيادة العمليات الخاصة المشتركة فى تشكيل قوائم القتل.
ووحدت قاعدة البيانات قوائم منفصلة لكن متداخلة للاحتفاظ بها من قبل كل من قيادة العمليات الخاصة المشتركة والمخابرات المركزية الأمريكية، وتم اقتراحها فى الأصل من قبل مايكل لايتير، المدير السابق للمركز الوطنى لمكافحة الإرهاب. والدور الكبير الذى تلعبه وحدة العمليات الخاصة المشتركة فى إفريقيا هو أكبر دليل على هذه العمليات تستهدف فى المقام الأول أشخاص مشتبه فى تورطهم فى أعمال إرهابية يتواجدون فى الشرق الأوسط سواء كانوا أمريكيين أو من مواطنى دول المنطقة، متجاوزة الإجراءات القانونية، مخترقة القواعد الدبلوماسية واحترام سيادة الدول.
ويلعب المركز الوطنى لمكافحة الإرهاب دوراً أكبر فى تحديد الأهداف وذلك بناء على طلب البيت الأبيض، ويتم تطوير المعايير والقرارات فى هذا الشان بواسطة مدير المخابرات المركزية، الذى يتمتع بسلطة هائلة فى هذا الصدد وتتم مراجعة الأهداف كل 3 أشهر مع مدخلات من الـ»سى آى إيه» وقيادة العمليات الخاصة المشتركة، قبل نقلها إلى كبار المسئولين فى قيادة العمليات الخاصة المشتركة، المخابرات المركزية الأمريكية، المركز الوطنى لمكافحة الإرهاب، مجلس الأمن القومى، وزارة الدفاع الأمريكية، ووزارة الخارجية الأمريكية. فى نهاية المطاف، كما يجب أن يوافق الرئيس على القتل.
فى حين يتم تصنيف معايير تحديد من هو فى قائمة القتل، تعتمد قرارات القتل على تقييم إلكترونى، وحسب الرئيس السابق لوكالة الأمن القومى ووكالة المخابرات المركزية بشكل قاطع فى عام 2014: «نحن نقتل الناس على أساس البيانات الوصفية».
عمليات القتل من اليمن إلى باكستان
بدأت عمليات القتل غير الرسمية منذ ٢٠٠١، ولكن تطورت سياسة استخدام الطائرات بدون طيار لقتل المواطنين الأمريكيين فى عهد الرئيس باراك أوباما مع تأسيس قائمة القتل السرية.
ومن أشهر عمليات القتل التى قامت بها إدارة أوباما عملية قتل زعيم تنظيم القاعدة فى شبه الجزيرة العربية الأمريكى أنور العولقى، عام 2011، مع ملاحظة أن أدلة إدانته لا تقبل الشك، ومنها تحريض مطلق النار فى فورت هود والمسئول عن تفجيرات ماراثون بوسطن، من بين جرائم أخرى.
وتم الكشف لأول مرة عن وجود قاعدة البيانات فى سلسلة من 3 أجزاء نشرتها صحيفة واشنطن بوست، وأشارت إلى أن عدد الضحايا سواء من المدنيين أو المشتبه فى تورطهم بالإرهاب جراء ضربات الطائرات الأمريكية يتجاوز تقريبا عدد القتلى فى هجمات 11 سبتمبر.
وأفاد مكتب الصحافة الاستقصائية «TBIJ» أنه بين عامى 2004 و 2012، قتلت الـ«سى آى إيه»، فى هجمات لطائرات بدون طيار من 475 إلى 885 مدنياً باكستانياً، من بين أكثر من 3 آلاف شخص قتلوا كلياً، وقتلت ضربات الطائرات بدون طيار 176 طفلاً، وأصابت 1250 آخرين أو أكثر فى باكستان، وخلال نفس الإطار الزمنى، قتلت هذه الطائرات من 60 إلى 163 مدنياً فى اليمن، من 362 إلى 1502 شخص قتلوا فى اليمن ، بما فى ذلك أكثر من 24 طفلاً، كما قتلت الهجمات من 11 لـ57 مدنياً صومالياً من بينهم ٣ أطفال.
3- صمت وتجاهل للدماء ومخالفة القانون
لا يعرف الأمريكيون كما هو الحال مع عدد من المؤسسات الحكومية من هم على القائمة، وللأسف، كان الساسة من كلا الحزبين صامتين تجاه هذه القضية المتعلقة بعمليات القتل خارج نطاق القضاء، فالديمقراطيون الذين كانوا انتقدوا جورج دبليو بوش بسبب هذا الانتهاك الدستورى، لم يجرءوا على انتقاد أوباما، وصمتوا. وفى عام 2013، استغل السيناتور الجمهورى راند بول، تصويت الكونجرس على ترشيح مدير وكالة الاستخبارات المركزية، للاحتجاج على هجمات الطائرات بدون طيار ضد الأمريكيين على الأراضى الأمريكية رغم عدم حدوثه مطلقاً ثم تبنى بول مواقف متضاربة بشأن قضية الاغتيال الأمريكيين فى الخارج. وانتقد المشرعون الأمريكان عمليات القتل باستخدام الطائرات بدون طيار فى إطار التطرق للخسائر المدنية الناتجة عنها وليس فيما يتعلق بمدى قانونيتها حيث تحدثت السيناتور إليزابيث وارن، بشكل مؤثر عن التكلفة الباهظة للإصابات المدنية الناجمة، كما لم تعبر علانية عن موقفها حول قتل أوباما، للعولقى، رغم أنه أحد رموز الإرهاب فى السنوات الأخيرة.