بمشاعر أبوية.. خمسيني يُدرب فتيات مصنع السجاد على النول: كُتب بناتي هي اللي علمتني
مع دقات السابعة صباحًا؛ تبدأ مهامه المعتادة، فيتجول بعينيه لتفقد أحوال العاملات ممن يجلسن خلف الأنوال الخشبية التي تستخدم في صناعة السجاجيد يدويًا، ثم يتوجه إلى الفتاة الأكثر حداثة بينهن، ليؤدي دوره اليومي بتدريبها على النول، من خلال نقل عصارة خبراته طوال السنوات الماضية لها.
فمنذ نحو ثلاثة أشهر، قرر محمد حجازي، ذو السبعة وخمسون ربيعًا، أن ينتقل من مسقط رأسه ومحل معيشة أسرته بمدينة "فوه" في محافظة كفر الشيخ، إلى مركز أطفيح بالجيزة، ليعمل بإحدى مصانع السجاد اليدوي التابعة لمؤسسة مصر الخير، تاركًا خلفه مهنته المتمثلة في صناعة الكليم، بعدما لم تعد كافية لسد رمق أسرته التي تتألف من أربعة فتيات، إلى جانب زوجته.
فقبل 42 عامًا؛ كان "حجازي" يمتلك ورشة صغيرة ببلدته لصناعة الكليم وبيعه إلى الزبائن، بعدما ورث المهنة عن أجداده ووالده، إلا إنه مع ضغط التحاق فتياته بالمرحلة الجامعية إلى جانب ظروف المعيشة الصعبة، وتدني نسبة الإقبال على الصنعة في السوق؛ لم يعد يجني ما يكفي لتحقيق أحلام بناته الأربعة بدخول الجامعة:"بس تفوقهم كان بيشجعني دايمًا أكمل عشانهم".. وهو ما كافح من أجله طوال سنوات، استطاع خلالها أن يساند في تخرج بناته الثلاث "أمل" و"إكرام" و"آية" من كليات الأداب والتجارة:"وجوزت اتنين منهم في القاهرة.. ولسة بنتي الصغيرة شيرين في تربية قسم لغة إشارة".
ومع حركة قدميه المتناسقة على قطعتي الخشب المتصلة بالنول، كانت خيوط الصوف تلتف حول أصابع الرجل الخمسيني، المجعدة، والتي يحاول أن يشرح بها أساسيات المهنة لبعض الفتيات العاملات بالمصنع، بابتسامة قابل بها وجوههن التي يرى فيها بناته ممن حرمته ظروف عمله من رؤيتهن، بعدما اضطر إلى المبيت بالغرف المخصصة للعاملين في أطفيح، والتي يقبع بها خمسة أيام من أسبوع العمل، ثم يعود لتفقد أحوال أهل بيته وإذابة شوقه لهم لمدة يومين فقط.
وبنظرات الأب الحانية، ونبرة صوته الدافئة، يحتوي محمد حجازي، صغيرات المصنع العاملات، فيحرص باستمرار على تقديم الدعم النفسي والنصائح الحياتية لهن، إلى جانب تعليمهن أصول المهنة والالتزام، وهو الأمر الذي دفعه إلى استغلال الكتب القديمة لابنته الحاصلة على بكالوريوس التجارة بقسم إدارة الأعمال، ليجمع أكبر قدر من الخبرات:"قراءة الكتب دي هي اللي علمتني إزاي أعلم البنات صح.. وإزاي أقدر أتعامل معاهم في الشغل".