نجل محمد رشدي يروي لـ "الفجر" أدق أسراره: رفض الغناء لمبارك.. ونصحه عادل حمودة.. والأبنودي آخر من لمس يديه
يختلي بنفسه داخل غرفته، ويحتضن العود الذي طالما لامسته أنامل والده، ويجول في بحر من الذكريات، فتتلألأ الدموع في عينيه، وترتسم على وجهه ملامح تحمل أوج لحظات الاشتياق، فمرت الأيام وجاءت ذكرى ميلاد الفنان محمد رشدي وجسده يواريه الثرى ولا يتبقى لنجله طارق من رائحة والده سوى مجموعة صور يلامسها ويبحر في مناسباتها، وذاكرة تحمل الكثير من المواقف التي جمعته بوالده، ومجموعة كتب.
ينتشل طارق محمد رشدي، صورة جمعته بوالده في صغره ويعود بذاكرته إلى منزلهم، والمضيفة التي كان يطلق عليها الفنان محمد رشدي "التكعبية"، ويأتي أمام عينيه شريط من الذكريات، فكان يرى أصدقاء والده وعمالقة الفن هناك، ويتذكر كيف كان والده حاسمًا في فصل حياته الخاصة عن عمله، محتفظًا بحياته الريفية منذ أن قطع المسافة من مسقط رأسه بمركز دسوق التابع لمحافظة كفر الشيخ.
23 عامًا عاشها الفنان محمد رشدي في كفر الشيخ منذ مولده في 20 يوليو 1928، قبل سفره إلى القاهرة عام 1950 واستقراره بها، يوصفه نجله طارق بكونه كان أب فقط لأبنائه، يجعل من عمله بالغناء الذي كان يتنفسه ويعشقه أداته لتوفير احتياجات أسرته التي عاشت حياة متوسطة بسيطة.
عفاف "دلوعة" محمد رشدي
يعود طارق محمد رشدي ليتذكر حياة جده البسيطة التي تشابهت مع حياتهم، فكان يملك قمائن طوب بدسوق، فوالده الفنان كان ولد وحيد لثلاثة شقيقات وهن "انشراح وصابرية وعفاف"، وكانت شقيقته الصغرى عفاف "دلوعة محمد رشدي"، بهذه الكلمات وصفها نجله.
"قولوا لمأذون البلد" وزواج محمد رشدي
ولمحمد رشدي أربعة أبناء عادل الأبن الأكبر وهو مهندس مهاجر لأمريكا من زوجته الأولى والتي انفصل عنها في وقت قصير، ومن زوجته الثانية طارق وسناء والأبن الأصغر أدهم.
يروى نجله طارق حكاية تعرف الفنان رشدي على والدته في زفاف خالته الأكبر، بعدما طلبت احضار من يغني "قولوا لمأذون البلد" في زفافها، ليتعرف على والدته ويعاكسها بلطف ليتم الزواج.
"كعب الغزال" واختفاء محمد رشدي
ومن أغنية "قولوا لمأذون البلد" لأغنيته الشهيرة "كعب الغزال" يروى طارق محمد رشدي أن والده اختفى بعد الأغنية خوفًا من الانتقاد "استخبى في شقة إسكندرية بعد ما الأغنية اتسجلت ونزلت في فيلم نورا ورقصت عليها نجوى فؤاد".
محمد رشدي يرى شعبان عبد الرحيم "عبيط"
وبالرغم من غنائه الشعبي إلى أن الفنان محمد رشدي كان له رأي في الأغاني المستحدثة والتي أخذت الطابع الشعبي، فيقول نجله أنه قال عن المطرب شعبان عبد الرحيم "شعبان ذكي وعامل عبيط وأهبل لكن عارف كويس قوي هو بيعمل ايه وانه مش بيقدم حاجة".
حادثة السويس وطلب رشدي من زوجته الانفصال
تعرض الفنان محمد رشدي إلى حادثة السويس وانقطع حاجبه، مما هدد مصيره مع الغناء فطالب من زوجته الانفصال حتى لا يظلمها وعرض عليها أخذ كل ما يملك حينها وكانا "ساعة و8 جنيهات"، وهو ما رفضته كما يروي نجلهما طارق، وأكدت أنها راضية ومستمرة معه في كل خطوة، واستمرت حياتهم إلى وفاته ولحقت به زوجته العام الماضي.
وعلى قدر غيرته على أهل بيته وعصبيته من أقل الأخطاء، يرى طارق محمد رشدي في والده الرجل البسيط الذي تحرك مشاعره أبسط المواقف "دموعه كانت بتنزل من أقل حاجة".
الأبنودي يقطع المسافة من قنا ليلتقي محمد رشدي
يتنهد طارق محمد رشدي، ويتذكر حكايات والده مع الشاعر الراحل عبد الرحمن الأبنودي، فعندما قطع الأبنودي المسافة من صعيد مصر حيث محافظة قنا إلى القاهرة في عام 1962، وطالب مقابلة الفنان محمد رشدي فكان في اعتقاده أن من يغني ملحمة أدهم الشرقاوي باستطاعته أن يغني أى شيء، وبعد إخباره بتعرضه للحادثة صمم على لقائه، ولكن يبدو أن اللقاء عكر صفوه تحسس الفنان محمد رشدي لمرضه حينها.
فأخذ الأبنودي الفنان محمد رشدي وخرجا سويًا وعرض عليه غناء كلماته فعجبته الكلمات فرد الأبنودي "أنا جاي من قنا عشان محمد رشدي" يقولها طارق محمد رشدي "والدي والأبنودي صدقوا بعض في الغناء الشعبي".
عبد الحليم حافظ والسفر إلى المغرب
وبالرغم التنافس الشديد بين الفنان محمد رشدي والعندليب عبد الحليم حافظ، إلى أن العلاقة بينهما كانت طيبة، فيقول طارق محمد رشدي أن عبد الحليم حافظ اصطحب والده إلى المغرب كما اعتداد حضور حفلة تجليس الملك حسين، وسط شائعات حينها بأن عبد الحليم حافظ يأخد محمد رشدي ليمنعه من العمل أثناء غيابه، ولكن عبد الحليم حافظ اعطاه في الطائرة أجر العشر حفلات التي غناها مضاف لهما منحة، وعند تساؤل "رشدي" قال له عبد الحليم "ده رزق ولادك".
رفض محمد رشدي الغناء لمبارك
يدندن طارق محمد رشدي ويردد كلمات أغاني والده، فينتقل من أغنية آه يا ليل يا قمر، إلى أغنية "حبناه" والتي غناها الفنان محمد رشدي للرئيس الراحل جمال عبد الناصر، فيتذكر واقعتها وهو يردد بعض من كلماتها "الله كده.. الله معاه والشعب معاه.. شعب بيساند إواه واللي معاه الشعب من بعد الاه لابد ما يبلغ مناه"، فغناها والده في وقت واقعة تعرض الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك لمحاولة اغتيال في إثيوبيا، فقيل له حينها "غني نفس الأغنية دى لمبارك"، فكان رد "رشدي" قاطعًا "لما تشنقوني".
محمد رشدي يأخذ رأي الكاتب عادل حمودة
وخلال واقعة أغنية "حبناه" هاتف الفنان محمد رشدي، الكاتب الكبير عادل حمودة رئيس مجلس تحرير صحيفة "الفجر" ليأخذ رأيه، فكان رده "انت صح يا استاذ.. أوعى تعمل حاجة زي دى.. متضيعش تاريخك"، هكذا يروى طارق محمد رشدي.
نظام مبارك يخفي "صوت الجموع" وثورة يناير تعيدها
بعدها عاقب نظام الرئيس الأسبق مبارك الفنان محمد رشدي بمنع أغنية صوت الجموع والتي غناها، فيحكى نجله أن الأغنية عرضت لمرة واحدة وبعدها أختفت تمامًا بعد تعليمات بمنعها، ليكون الرد الجاهز وقتها بأن شريط الأغنية فقد، ويضيف طارق محمد رشدي "يشاء القدر أن أسمع الأغنية مرة آخرى ولكن في ثورة 25 يناير"، فهاتفه صديقه يخبره بفرحه أن صوت محمد رشدي يجلجل ميدان التحرير بأغنيته "صوت الجموع"، وهو ما آثار دهشته "كيف ضاع الشريط وظهرت الأغنية في ثورة 25 يناير؟".
الكاتب عادل حمودة ورسالة ما قبل الرحيل
يرتسم أمام طارق محمد رشدي رقود والده على سرير المرض بمستشفى السلام الدولي وغياب الاهتمام به، وتوجيه نقد لاذع من الكاتب الكبير عادل حمودة رئيس مجلس تحرير صحيفة "الفجر"، للحكومة لعدم الاهتمام به.
ويتذكر "طارق" ما كتبه الكاتب الكبير عادل حمودة رئيس مجلس تحرير صحيفة "الفجر" حينها عن محمد رشدي "يا أحلى صوت متسبناش وتروح".
محمد رشدي يطلب من نجله تحضير مدفنه
يصمت للحظات ويتذكر طارق محمد رشدي حديث والده له وأصعب كلماته قبل يومين من وفاته، حينما قال له "خليك راجل كده وأجمد وروح من غير ما والدتك تعرف أو اخواتك انزل شوف مدفني وخلي الراجل هناك يجهز نفسه.. وبلغه انك ممكن في أى لحظة اكلمك".
الأبنودي يقٌبل محمد رشدي بعد وفاته ويبكي
يعود طارق محمد رشدي ليروى آخر مشهد رأى فيه والده بعد وفاته عام 2005 وجلوس الشاعر عبد الرحمن الأبنودي بجواره وبكائه الشديد بعد رحيله، وتقبيله لجبهته ويديه وقدمه، وقوله "كده خلاص يا رشدي روحت.. روحت وسبتوني فرع شجرة في صحراء"، في إشارة إلى الفنان عبد الحليم حافظ وبليغ حمدي".
طارق محمد رشدي لوالده: سامحني
وما إن وضع مشهد وفاة والده أمامه، أخذ طارق محمد رشدي يتحدث "أنا مش عارف أطلع من جواه.. نفسي أقوله إن لو في يوم معرفتش قدرك سامحني.. نفسي يرجعلي وأنا اعمله كل حاجة"، مؤكدًا على تفيذ وصية والده التي تكرر في أذنيه عندما قال له "لما أموت أنا لا أملك غير اسم محمد رشدي متخلهوش يتنسي".