"إعدام التراث".. سكان شارع 26 يوليو: إحنا مش عشوائيات.. ووعود المحافظة "فشنك" (فيديو)
قد يكون الأمر بالنسبة لك مجرد خبر عابر، ومن الممكن أن يكون لافتًا للنظر ولو بشكل بسيط، ولكن بالنسبة لسكان العقارات المُطلة على شارع 26 يوليو الأمر "مسألة حياة أو موت"، يهدد حياة بشر، ويهدد مستقبل آخرين.
شارع 26 يوليو بمنطقة بولاق أبو العلا بوسط البلد، تراه في بعض الأحيان من أكثر الشوارع ازدحامًا بمنطقة الإسعاف، تعودنا على المرور به بشكل يومي، ويمر به الموظفون العاملون بتلك المنطقة والمواطنون، لم يلتفت أحد إلى شكل العقارات في هذا الشارع، ربما حسبتها عقارات قديمة لا قيمة لها، وقد يحسبها البعض تحتاج إلى ترميم أو إزالة، ولكن إذا تمعنت النظر، فستجد تراثًا قديمًا يحتاج إلى من يمد له يد التجديد والتطوير والتجميل، ليصبح جزءًا من القاهرة الخديوية بوسط البلد.
يعود تاريخ إنشاء العقارات إلى عشرات السنين، ويعود تسميته بهذا الاسم إلى مغادرة الملك فاروق الإسكندرية في 26 يوليو بعد ثورة 23 يوليو 1952 لذلك فقد قرر تسمية الشارع بهذا الاسم الذي يُعرف به حتى اليوم.
شاخت العقارات بهذا الشارع القديم، حتى تخطى عمر بعضها 60 و70 عاما، وبعضها 100 عام، إلا أن قرار إعدامها قد صدر، ولم تراع المحافظة قدم التراث الذي قد يتم قتله، فأصدرت قرارًا بإزالة تلك العقارات، استكمالًا لقرار المحافظة رقم 1361 لسنة 2015 بتطوير منطقة مثلث ماسبيرو، على الرغم من أن هذا الشارع غير مُدرج ضمن المثلث.
مباني تراثية لم يحمها القانون:
نحو 10 عقارات فقط كل ما تبقى من مثلث ماسبيرو الذي تبلغ مساحته 84 فدانًا، منهم السفارة الإيطالية، كل ما يحميهم سكانهم وتسجيلهم كـ"طراز تراثي مختلف"، وعلى الرغم من ذلك لم تسلم تلك العقارات التراثية من قرار الإزالة "غير الرسمي".
استيقظ سكان تلك العقارات ضحية أول أيام شهر رمضان الكريم، بدلًا من الاحتفال بقدوم ذلك الشهر المبارك، وتمتلئ الشوارع بالزينة والفرحة، قدمت المحافظة التهنئة لهم عن طريق ورقة مكتوب عليها: "يعلن حي بولاق أبو العلا أنه تقرر إخلاء وهدم العقارات المُطلة على شارع 26 يوليو، استكمالًا لقرار المحافظة بتطوير تلك المنطقة، فيما عدا العقارات ذات الطراز المعماري، وذلك لحين صدور تعليمات أخرى بشأنها"، وهو ما تسبب في صدمة كبيرة للسكان.
وقبل وقت قصير قامت المحافظة بعمل "استبيان" لمنطقة مثلث ماسبيرو "العشوائية"، وذلك بعد سنوات من دراسة فكرة التطوير، إلى أن بعض السكان رفضوا المشاركة بالاستبيان، فتوجه اثنين من الموظفين بالمحافظة يتوعدونهم بالتوجه "غصب عنهم" لصندوق تطوير العشوائيات، وحتى المشاركين بهذا الاستبيان كانوا من سكان الشارع، ووعدتهم المحافظة بعدم المساس ببيوتهم، نظرًا أنها طراز معماري مميز و"لا مساس به".
وتخضع العقارات المُطلة على الشارع للقانون رقم 144 لسنة 2006 أو قانون التنسيق الحضاري، الذي يحظر عمليات هدم أي مبني مسجل علي قوائم التراث.
ويقول أحمد عبدالفتاح أحد قاطني العقار رقم 58 بالشارع، إن عرض الشارع يتخطي 60 مترًا، متعجبًا من فكرة أن يكون شارع بمنطقة عشوائية يتخطى هذه المساحة.
وأكد "عبدالفتاح" أن العقارات مُسجلة طراز معماري مميز، ولها بنية تحتية قوية، تحملت لأكثر من100 عام، وقادرة على أن تتحمل مثل تلك المدة وأكثر.
ووجه رسالة للمحافظة قائلًا: "إنت هتشيلني عشان ترجع تاني تجيبني، هل تضمنلي إن المكان الجديد يكون بنفس المساحة والموضع والمميزات؟".
وعود
"فشنك" من المحافظة:
وكان صرح سابقًا اللواء محمد أيمن عبد التواب نائب محافظ القاهرة، بأن حدود مثلث ماسبيرو محددة بشوارع الكورنيش و26 يوليو وشارع الجلاء، مشيرًا إلى أن ما داخل أضلاع المثلث سيدخل ضمن أعمال التطوير والعقارات المُطلة على شارع 26 يوليو "ضات طراز" ولا يمكن المساس بها، إلا في حالة أن يكون ترميمها غير مُجدي.
وقال في تصريحات تلفزيونية، إنه سيتقدم بطلب إحاطة لرئيس الوزراء، وذلك لمنع إزالة الـ8 عمارات في مثلث ماسبيرو، مضيفًا أنه لا يُعقل أن تُعتبر هذه العمارات ضمن العشوائيات، نظرًا أن لا علاقة لها بعشوائيات مثلث ماسبيرو.
وتابع: "الـ8 عقارات عريقة ومتطورة، ولها طراز معماري متميز، ولها شكل أوروبي، مثلث ماسبيرو كانت منازل وعقارات مُهدمة ومنطقة عشوائية، لكن هذه العقارات فخمة جدًا".
وعلى الرغم من هذه التصريحات التي تكررت كثيرًا وكانت بمثابة وعود قاطعة، إلا أنها أصبحت "فشنك" وطارت في ثوان معدودة، قبل صدور قرار إعدام تلك العقارات وتشريد أسرها.
سكان تخطت أعمارهم 85 عامًا مهددون بالتشريد:
إذا نزلت بنفسك وتوجهت لتلك العقارات، تجد سكانها تخطت أعمارهم الـ70 و85 عامًا، ورغم علم المحافظة بذلك، إلا أنها لم تضع حتى بديلًا بعد تشريدهم في الشوارع دون مساعدتهم.
وقالت جيهان صلاح الدين إحدى قاطنات العقار رقم 56، إن الأمر أثر في سكان العقار نفسيًا بشكل كبير، خاصة وأن أغلب سكان تلك العقارات من الأرامل وكبار السن، وهو أمر يمس وجدان أي شخص، خاصة وأنهم لا يستطيعون توفير البديل لأنفسهم.
تعويضات مرفوضة قبل أن تكون غير منصفة:
وبما أن المحافظة اعتبرت سكان الشارع من "العشوائيات"، وقامت بإدراجهم تحت مظلة جهاز تطوير العشوائيات، أصبح من السهل عليها أن تٌقدر تعويضاتهم كتعويضات "العشش" والبيوت الخطرة بمثلث ماسبيرو الذي تمت إزالته.
وقال ألفونس فوزي رئيس اتحاد شاغلي العقار رقم 56، إن المحافظة اعتبرت العقارات المطلة على الشارع من العشوائيات، وقدرت الغرفة بـ60 ألف جنيه، مثلما قامت بتقدير العشش التي تم إزالتها من مثلث ماسبيرو، على الرغم من أن تلك العقارات تتميز بتراثها الضخم وأساسها الكبير، وعلى الرغم من أن الوحدة الواحدة داخل أي عقار في هذا المكان المتميز تُقدر في أصلها بملايين، إلا أن المحافظة قررت من تلقاء نفسها أن تقوم بتعويضهم بشكل غير منصف، مما سيُقدر الوحدة بـ250 و260 ألف جنيه فقط.
وأضاف: "بتقولي اطلع، أجيب شقة منين، وهتاخد أكل عيشي والمحل وبيتي، وتقدرني بربع ثمنهم فقط، أي وحدة في مصر الآن في مكان نظيف تُقدر بـ250 ألف جنيه فقط، أم نترك شارع 26 يوليو الذي تربينا فيه منذ 60 عاما، ونعيش في الأسمرات مع سكان الدويقة والأماكن العشوائية الأخرى، وبعيدًا عن أشغالنا".
مواكبة التطوير:
وبعد وعود المحافظة التي أخلت بها،
شعر سكان ذلك الشارع بالاطمئنان، خاصة وأنهم لم يتخيلوا يومًا أن المحافظة أو
الدولة ستقوم بإزالة تراث ملك لهم في يوم ما، فقاموا بتزيين محالهم التجارية،
وإعادة ترميم بيوتهم وتجميلها، والذي كلفهم مئات الآلاف، وجاءت المحافظة اليوم
لتطلب منهم أن يلقوا بأموالهم في البحر، ويتركوا بيوتهم وينطلقون هائمين في
الشوارع بلا سكن أو مصدر رزق.
وطالب سكان العقارات المطلة على
الشارع بالتعاون مع المحافظة والحي والمساهمة في تطوير العقارات والمنطقة على
نفقتهم الخاصة، بدلًا من إزالتها بشكل كامل، وذلك بعد أن تضع المحافظة شكل التطوير
الذي يناسبها، وتُخطر به سكان العقارات، خاصة وأن لها طراز معماري مختلف وجميل.
اتجاه قانوني:
وتكاتف سكان العقارات المُطلة على الشارع، وقاموا برفع دعوى قضائية في مكتب المستشار عبدالعظيم المغربي، لوقف تنفيذ القرار، اختصموا فيها رئيس الوزراء ووزير الإسكان ومحافظ القاهرة ورئيس حي بولاق أبو العلا.
وقال المحامي أحمد السردي أحد المحامين بالمكتب، إن لفظ "عشوائيات" يتم إطلاقه على البيوت الخطرة الآيلة للسقوط والخطرة، والتي تقع في مناطق موبوءة، وتكون الأرض فيها ليست ملك لقاطنيها، وتكون على شكل عشش أو بيوت غير منظمة وغير حضارية وغير مُسجلة.
وتساءل من قرار المحافظة غير المدروس، باعتبار "تراث" من العشوائيات الخطرة غير المنظمة، خاصة وأنها في بعض الأوقات تُعد مزارًا للسياح ممن يدرسون الآثار والتاريخ، ويقوموا بالتوجه إليها والتقاط الصور التذكارية لها وزيارتها.
وأشار المحامي إلى أنهم لم يُخطروا حتى بقرار رسمي للإخلاء من المحافظة، بل قامت بإرسال موظفين ألصقوا صور ضوئية من قرار المحافظة على بيوتهم بالإخلاء في موعد أقصاه شهر، على الرغم من أن القانون يعطيهم فرصة شهرين.