نادية صالح تكتب: آمال فهمي
ظاهرة إعلامية، وعبقرية إذاعية نادرة، استطاعت غاليتنا الراحلة أن يرتبط اسمها بالإعلام وبالتحديد الإذاعة التى أعطتها عمرها وحياتها ونشاطها وحيويتها التى لم تضاهها حيوية، تصوروا أننى عرفت خبر الوفاة الحزين من أحد الطهاة فى القناة الأولى بالتليفزيون بعد دقائق من التأكد من الخبر، لقد ترك الطباخ الطبخة لينعى «آمال فهمي» فمنذ دخلت الراحلة إلى شرايين حياة الناس فى بلدنا، عاشت لهم وبهم وكانوا عائلتها وأولادها فليس لها أولاد، فأصبح الناس أولادها، تقف معهم على الناصية لأكثر من خمسة وخمسين سنة، مشاكل الناس، همومهم، أفراحهم، غرائب أمورهم، تحقيق طلباتهم كلما استطاعت، وفى كل مكان تواجدت حتى فى إحدى الغواصات يوماً، حتى طارت للتسجيل مع أول رائد للفضاء «جاجارين» مع البسطاء كانت ومع العظماء أيضاً.. أم كلثوم، عبدالوهاب، فاتن حمامة، طه حسين، أحمد لطفى السيد، المشير عامر، مصر كلها وربما الوطن العربى الذى سافرت إليه كثيراً كانت معهم «على الناصية».
كان لصوتها طلة أو وقع سمع يدخل سريعاً إلى قلبك وعقلك فى نفس الوقت فنصدقها ونحبها..، وعندما شبهنى «صلاح جاهين» وشبه نشاطى بحيوية «آمال فهمى» كما قالت لى ذلك فى أحد التسجيلات التى أجرتها معى يوماً.. كدت أطير فرحاً فأنا لى منك أيتها النشيطة الدءوبة اللماحة.. يا بختى!
«آمال فهمى» كانت تتناول معنا أسبوعيا «فنجان شاى»، وتطلب منا «فوازير» فى كل رمضان أخترعها عقلها الإذاعى المتميز لتنشيط العقل مع صيام رمضان.. ولم يغادرنا صوتها إلا سنوات قليلة جداً عندما اشتد عليها وهن الزمان، لكنها الآن تغادرنا بالجسد، وأقولها من جديد «بالجسد» لأن روحها ونشاطها سيظل يحيط بنا خصوصاً نحن المذيعين ممن عايشوها واقتربوا منها، وإذا كان لى أن أرثيها أجد دموعى تسبقنى لأننى تشرفت بشهادتها أننى من تلاميذها الذين تأثروا بها، وللحق كان رأيها هذا حافزاً لى على تحمل مشاق المهنة، وقد تعلمت منها كيف يكون الكفاح والدفاع عن الرأى، لقد كان نجاح آمال فهمى مستفزا لغيرة كثيرين من زميلاتها وزملائها لكنها بكل القوة والشجاعة دافعت عن رأيها وحافظت على نجاحها رغم أنه تم إيقافها عن العمل أكثر من مرة، ثم عادت من جديد كما يعود الحق إلى صاحبه لأنها سنة الحياة.
وها هى تعود إلى بارئها راضية مرضية بإذنه تعالى لتنضم إلى سجل الخالدين من ابناء مصر التى أحبتها كثيراً فأعطتها مصر كثيراً من الشهرة والمجد لم ينله كثيرون غيرها.
«آمال فهمى» الظاهرة الإعلامية والعبقرية الإذاعية النادرة وداعاً، وليحيا بلد عظيم أنجبك.. تحيا مصر.. تحيا مصر.. تحيا مصر.