د. نصار عبدالله يكتب: الحبس الاحتياطى للإعلاميين.. هل هو فى صالح مصر؟
السؤال الذى يقفز إلى الذهن كلما سمعنا بتوقيع الحبس الاحتياطى على إعلامى ما، أو بتوقيعه على كاتب أو مفكر أو مبدع لاتهامه بارتكاب جريمة معينة مما يعرف فى بلادنا بجرائم النشر، السؤال الذى يقفز إلى الذهن هو: هل مثل ذلك النوع من الحبس هو فى صالح مصر، أم أنه على العكس من ذلك تماما، إساءة لصورتها أمام العالم وتشويه لها، وهو ما سينعكس بشكل أو بآخر على القرارات التى يمكن أن يتخذها أى شخص أو جهة تفكر أن تأتى بأفرادها أو أموالها إلى الساحة المصرية، فضلا عن أن الحبس الاحتياطى الذى كثيرا ما يطول عمليا بحيث يخرج عن كونه إجراء احترازيا إلى كونه إجراء عقابيا هو إجراء وإن كان له ما يبرره فى غير جرائم النشر فإنه لا مبرر له على الإطلاق فى تلك النوعية من الجرائم التى يصعب تصور أن مرتكبها، إذا كان واحدا من العاملين بالساحة الإعلامية قد يلوذ بالفرار قبل أن ينزل به الحكم العادل!! أضف إلى ذلك أن الحبس الاحتياطى فى جرائم النشر بل إن جانبا كبيرا من الأفعال التى توصف فى التشريع العقابى المصرى بأنها جرائم نشر...هذه الأفعال ذاتها ليست جرائم حقيقية من المنظور الأخلاقى، ومن الواجب أن يعاد النظر فى المبررات التى استوجبت تأثيمها وإدراجها ضمن دائرة الأفعال المجرمة، وإلى أن يتحقق ذلك إن كان له أن يتحقق، فإن الحبس الاحتياطى على أضعف الإيمان ينبغى أن يحظر حظرا تاما فى تلك النوعية من الجرائم لأنه فى حصاده النهائى شكل من أشكال الحصار ضد حرية الرأى والإبداع التى هى ضرورة لاغنى عنها لأى مجتمع يستهدف البناء والانطلاق، ..إنه ببساطة يخلق مناخا من الخوف قد يدفع بالكثيرين من الإعلاميين والكتاب والمبدعين أن يؤثروا السلامة، فيتوقف الإعلامى عن قول الكثير مما يمكن أن يقول، ويتوقف الكاتب عن كتابة الكثير مما يمكن أن يكتب، ويتوقف الفنان التشكيلى والملحن والمطرب وسائر المبدعين، رغم أن ما كانوا سيقولونه أو ما يكتبونه ربما كان منطويا على تقديم حل معين لمشكلة ما أولفت النظر إلى قصور ما فى وجه من أوجه الأداء الحكومى أو غير الحكومى، وما حدث مؤخرا للإعلامى المعروف خيرى رمضان هو المثال الصارخ لما نقول، فقد اشتهر عن خيرى رمضان أنه دائم الإشادة بما يبذله أبطالنا البواسل من جنود وضباط القوات المسلحة والشرطة من عرق وجهد يفوق كل تصور، وقبل ذلك وأهم من ذلك ما يقدمونه من دمائهم فداء لهذا الوطن، وهو ما جعله يعرض فى أحد برامجه شكوى لإحدى سيداتنا الفضليات من زوجات هؤلاء الأبطال تشكو فيها أعباء الحياة والمعيشة «كل الزوجات المصريات بالمناسبة، وربما كل الزوجات إطلاقا فى كل مكان فى الدنيا يشتكين من أعباء الحياة والمعيشة أيا ما كان دخل أزواجهن، لكن شكوى كهذه بالذات ينبغى أن تلقى عناية خاصة، أو على الأقل أن تكون مناسبة لكى يوضح المسئولون فى الداخلية أن الدولة لم تبخل يوما على أبنائها من ضباط الشرطة بما يكفل لهم الحياة الكريمة، وأن ما تعطيه لهم سوف يظل دائما أقل مما يقدمونه لأبناء وطنهم، لأنهم ببساطة يقدمون الحياة»،.. أظن أن هذا هو ما كان يدور فى ذهن خيرى رمضان وهو يقدم شكوى السيدة الفاضلة التى ربما أفلتت من لسانها -شأنها فى هذا شأن أى زوجة- بعض العبارات أو الألفاظ التى لانستغربها إذا وضعناها فى السياق الطبيعى الذى ينبغى أن توضع فيه ألا وهو: "زوجة تشكو"، غير أن الذى حدث كان أمرا مختلفا فقد تقدمت وزارة الداخلية ببلاغ ضد خيرى رمضان، ترتب عليه توقيع الحبس الاحتياطى عليه قبل أن يخلى سبيله بكفالة مالية.. مرة أخرى أطالب المسئولين عن التشريع «مجلس النواب»، وأطالب المسئولين عن وضع اللوائح التنفيذية للقوانين «رئيس مجلس الوزراء والوزراء المختصين» بإلغاء الحبس الاحتياطى فيما يسمى جرائم النشر، وإعادة النظر فى هذه الجرائم ذاتها، بحيث تخرج منها أفعال كثيرة لاتستوجب التأثيم، وبغير هذا لن تتقدم مصر.