عبدالحفيظ سعد يكتب:كوبرى مبارك واعتذار الوزير للصعيد
استدعى حسنى مبارك قبل خلعه من الحكم، كلا من صفوت الشريف، وزكريا عزمى، لتفسير تقرير مرفوع له من إحدى الجهات السيادية عن ارتفاع حالة الغضب والكراهية ضده فى الشارع المصرى، على عكس ما يبلغه المسئولان، بأن الشعب "يعشقه"..
وبسرعة البديهة المعهودة لصفوت الشريف، قال له "يا ريس الشعب لا يكرهك أنت شخصيا، بل هو متضايق من المنايفة، وحضرتك محسوب عليهم".. فسأل مبارك: "الشعب يحب مين؟".
فأجاب صفوت الشريف: "يحب الصعايدة يا ريس، عشان طيبين، ودمهم خفيف ويقال عنهم نكت".
فكلف مبارك الشريف وعزمى، بتأليف نكت عن "المنايفة"، حتى يحبهم الشعب مثل الصعايدة..
بالفعل.. ألف أحد كتاب الفكاهة نكتة ساخرة عن "المنايفة"، بأن ينشئوا كوبرى مثل الكبارى المنتشرة على نهر النيل، لكنه وسط الصحراء القاحلة.. وبدأ الخبر ينشر، والشعب يردد "كوبرى مبارك" فى الصحراء، ويضحك..
وأعجب مبارك بالنكتة وقرر أن يفتتح شخصيا الكوبرى، ليزيد من ضحكات الشعب لعله يكسب حبهم.. وبينما يفتتح الرئيس الأسبق الكوبرى أمام عدسات التليفزيون، فوجئ الجميع أن أسفل الكوبرى وسط الصحراء مجموعة من الصعايدة، وهم ممسكون بشباك وسنانير لصيد الأسماك.. فغضب مبارك فى المسئولين حوله وصرخ: "الشعب كده مش هيحبنى.. الصعايدة أخذوا اللقطة"..
النكتة التى كانت تتردد، مع مئات "القفشات" عن الصعايدة فى عصر مبارك، تذكرتها، أثناء متابعتى لردود الأفعال الغاضبة من النواب والإعلاميين ذى الأصول الصعيدية ضد تصريحات اللواء أبوبكر الجندى، وزير التنمية المحلية عقب ساعات من توليه منصبه، والتى ردد فيها كلام مسئولين سابقين منهم وزراء ومحافظون، بأن انتشار العشوائيات فى القاهرة سببه الصعايدة المهاجرون من بلادهم بحثا عن لقمة عيش وحياة مختلفة فى القاهرة، بعيدا عن بلادهم المحرومة من التنمية والفرص..
لذلك لا أجد، شخصيا، كصعيدى، غضاضة فيما قاله الوزير الجديد، فالرجل، وإن خانه عدم اللباقة السياسية، كعادة غالبية المسئولين فى مصر، لعدم تمرسهم السياسى فى مخاطبة الجماهير.. لكنه فى الحقيقة وبحكم منصبه السابق كرئيس لجهاز التعبئة والإحصاء يملك الأرقام والتفاصيل عن واقع التنمية فى الصعيد وعمليات الهجرة الكبيرة التى تسببت بالفعل فى العشوائيات بعد أن تركت الحكومة لسنوات، الشعب بمفرده يحل مشاكل سكنه، وعمله، وتركتهم ينشئون مستعمرات عشوائية بلا رقابة أو ضابط من مسئولى وموظفى المحليات (التابعين حاليا للوزير الجندى) والذين فتحوا جيوبهم لمن يدفع ليبنى كيفما يشاء..
لذا لا انفعل مثل النواب والإعلاميين الصعايدة، ولا أطالب الوزير بالاعتذار، بل أتمسك بكل كلامه وأحمله المسئولية بحكم منصبه الجديد، كوزير مسئول عن المحليات، وهى الوزارة، بدون فساد موظفيها ومسئولى الأحياء فيها ما كانت العشوائيات منتشرة بهذه الدرجة، فإذا الوزير، مسئول الآن عن قطع يد فساد موظفيه، الذين سمحوا بالتجاوزات، وعلى الأقل يوقفوا بناء المزيد من العشوائيات..
أما فى الصعيد وبحكم علمه وعمله كمسئول عن أهم جهاز معلومات فى مصر لعدة سنوات، عليه أن يضع الأرقام بين يد المسئولين فى الدولة ويبحث عن حلول للتنمية فى الصعيد، وأن يستدعى خبراء ليبحثوا عن حلول للصعيد حتى يوقف هجرتهم للعاصمة..
الوزير مطالب بخطة عمل بعد أن تصدى للظاهرة، ليخرج الصعيد من واديه الضيق على سكانه، والتى أكلت المبانى الخرسانية خيرات الزراعة بعد أن ضاقت الأرض على سكانها وقفزت أسعار المبانى والأراضى فى بعض أماكنها لتفوق أغلى المناطق فى القاهرة بأرقام لا يتصورها خيال، ففروا للقاهرة، ليزيدوا من أوجاعها.
اعتقد أن الاعتذار الوحيد الذى يتمناه الصعيد من الوزير والحكومة للصعيد، أن يجد حلاً حقيقيًا، ويصرخ وسط زملائه الوزراء، ويقدم إليهم خططًا واقعية ليفتح بها مجالات جديدة للعمل والفرص، ولا يتحدثون كما اعتاد من سبقوهم عن خطط ملت الأذن عن سماعها وتحولت إلى نكت لا تختلف كثيرا عن نكتة "كوبرى مبارك" فى الصحراء.