د. رشا سمير تكتب: موسم صيد الرجال.. حكايات من دفتر احول بنات حواء
حين اعتلت النساء صهوة جواد الحرية اختلت عجلة القيادة بين أيدى الرجال، فلم يعد من يدير الدفة هو الرجل، بل أصبحت النساء فى مقدمة المعارك، كان الفارس فى الماضى رجلا يمسك بالرمح ويحارب متسلحا بدرع الشجاعة، ثم تبدلت الأدوار لتقتحم النساء وبكل شجاعة ساحات القتال باحثات عن الحرية، وعن حقوقهن الغائبة.
كانت الصورة المتكررة الراسخة بأذهان البشر، هى صورة سى السيد أو السيد أحمد عبدالجواد، الرجل الذى يرتدى قفطاناً وطربوشاً ويدخل من الباب مثل طلقة الرصاص ليتوارى الجميع وتختبئ كل نساء البيت، فيهتف بأعلى صوته محدثا زلزال: إنتى فين يا أمينة؟!، لترتعد فرائص الزوجة المغلوبة على أمرها، وتهرع لتجهز له الطعام ولا تجرؤ على الجلوس معه على نفس الطاولة، بل تقف خلفه حتى ينتهى من طعامه ثم تأكل هى وأولادها ما تبقى.
كانت الصورة الأكيدة العالقة بالأذهان هى صورة أمينة رزق فى أفلام الأربعينيات، وهى تحتضن أبناءها وتتحمل القهر والذل؛ من أجل أن تربيهم تربية صالحة، ولو توفى الأب.. فهى الأرملة للأبد، ولو طلقها الزوج.. فهى أم العيال حتى يعود إليها، ولو خانها شريك العُمر.. فهى تلوم نفسها بكل الرضا، هى على يقين من أن تقصيرها هو السبب فى خيانته لها!
كان المجتمع يشير بأصابع الاتهام القاسية إلى كل امرأة قررت أن تتزوج مرة أخرى بعد طلاقها، لمجرد أنها تخلت عن استكانتها، وكانوا ينعتونها بكل الصفات التى تُوصمها بتُهمة الأنانية المُفرطة، فهى امرأة مستهترة تخلت عن أولادها وسارت خلف قلبها، بل هى أيضا امرأة تتحكم فيها غرائزها، لأنها لم تكتفِ برجل واحد، وهى فى الأغلب امرأة صائدة رجال!
1- ويتبدل الزمان
مع تطور الأحداث ومطالبة النساء بحقوقهن فى المساواة بالرجال، ووسط استنكار مجتمع ذكورى لا يتحدث سوى لغة القوة والقوامة، ووسط قوانين مجتمعية يشرعها الرجال ويطبقها الرجال ثم يستفيد منها أيضا الرجال.. قررت النساء أن تثور!
قررن أن يبحثن عن حقوقهن ويجدن لأنفسهم مكاناً وسط أقدام الرجال، ظهرت منظمات المرأة تطالب لها بالمساواة، وبحثت الدراما المصرية عن نموذج مختلف للمرأة المنكسرة.. التى انحسر دورها بين أمينة رزق وآمال زايد، فتحدت الدراما المصرية كل تابوهات القهر والانكسار والتبعية التى قدمتها نساء الدراما طويلا، لتنال المرأة حقوقها العادية، مثل حقها فى التعليم ومن ثم الزواج والانتخاب والمشاركة المجتمعية.
ثم هل علينا القرن الواحد والعشرون بوجه آخر وتحول خطير، لم تكتف النساء بنيل حقوقهن فحسب، بل تحولت الحقوق إلى مطالب زائدة عن الحد، وتحولت المطالب إلى ثورة، ثورة النساء، لم تعد النساء مكسورات الجناح، بل أصبح لهن مطالب ومطامع ومعارك لا تنتهى، لتحقيق شىء واحد فقط، وهو السعادة.
السعادة لم تعد فى الزواج، والزواج لم يعد استقرار «يعنى الحدوتة كلها اتلخبطت»، فلم يعد الزمان هو زمن الرجال، بل امتلكت النساء مقاليد الأمور، فقد قررن أن يخترن الزوج بمحض إرادتهن ثم يتخلصن منه لو لم يحقق لهن السعادة المرجوة، وربما يخترن من بعده مرة واثنتين وثلاثاً أو حتى أربعاً!
2- الستات عايزه إيه؟
الحكاية ببساطة أن النساء قررن أن يبحثن عن سعادتهن بغض النظر عمن يدفع الثمن، كان الرجل «بصباص» وعينه زايغة، شره.. لا يكتفى بامرأة واحدة، فلماذا لا تشارك النساء فى المنافسة؟!
مع تطور وسائل التواصل الاجتماعى، استطاعت النساء التعبير عن أنفسهن بكل جراءة، فهذا تحبه وهذا تريده وهذا سوف تتحدى المجتمع من أجل أن تكون معه، لم تكتف النساء برجل واحد ولا اثنين وأحيانا ولا حتى ثلاثاً، وأصبح كسر حاجز الزيجة الأولى هو الفيصل للانطلاق.
نعم.. الانطلاق نحو حياة بمقاييسها هى وبحسب ما يرضيها هى فقط، بغض النظر عن نظرة المجتمع، ففوجئنا فى الفترة الأخيرة بسيدة متزوجة تقع فى غرام رجل وهى على ذمة آخر، والأغرب أنها استطاعت أن تُجبر المجتمع كله على تقبل تلك السقطة باسم الحب «وطبعا النجم الجديد بيكون عادة صديق العيلة».
وعرفنا نساء أصبح الزواج لهن بمثابة الحقيبة الجديدة أو السيارة الجديدة، فرحة تنتهى بامتلاك الموديلات الجديدة من نفس الشىء.. وهو الرجال، وعرفنا نساء يتخلين عن أولادهن بمجرد أن يتطرق زوجها إلى الخيار الذى كان النساء يعتبرونه يوما مستحيلاً وهو: «لو سبتى البيت تسيبى العيال»، وحيث إن هدم البيت يأتى عادة Package واحد مع تشريد الأولاد، فالاختيار يكون: ولادك عندك وأنا ماشية، كل يوم نسمع قصصا جديدة وحكايات لا يصدقها عقل، وإليكم بعض تلك الحكايات.
3- الحكاية الأولى
لم تكن زيجتها الأولى سوى قصة حب، بدأت وهى مراهقة، انجرفت فيها بكل حواسها فسقطت فى شباك شاب رأت فيه الفارس ورأى فيه كل من حولها الفشل، فأنذروها، ولكنها قررت التمادى وأطلقت لعنادها العنان، تزوجت وعاشت فى عاصمة الضباب بعيدا عن الأهل، وأنجبت طفلتين.
كانت تشعر طوال الوقت أنهما السبب فى قطف زهرة شبابها، لم تستطع أن تخرج من طور الفتاة المراهقة طوال الوقت، حتى بعدما اعتزمت الطلاق منه لتبحث عن بقايا حياتها بعيدا عن عاصمة الضباب.. لندن.
عادت إلى القاهرة وهى تحمل كل حنق الدنيا على أبيها وأمها وكل من حولها، لأنهم طاوعوها.. عادت وهى مطلقة ومعها زهرتان، قررت أنها لن تكون أمهما بل كان اختيارها أن تصبح أختهما الثالثة للأبد، فهى ما زالت صغيرة السن.
التقت الرجل الذى تصورته فارس الأحلام.. ووقعت فى غرامه، عارضها أبوها بشدة هذه المرة لسببين أقوى من بعض، الأول أنه أصغر منها بثمانى سنوات والثانى أنه عاطل، صممت وعندت وتزوجته، فأصبح لها من الأبناء ثلاثة، لأنه ظل طول الوقت يتعامل معها على أنه طفلها الصغير!
هى تنفق عليه وهو يقضى وقتا لطيفا فى النادى.. هى تعطيه من نفسها، وهو يقيم علاقات ماجنة مع كل صديقاتها ومعارفها، حتى إن ابنتها الكبرى لم تسلم من يديه، ومازالت هى فى غفلة، ملت عشرته وشعرت بانتقاص رجولته، فهى تملك رأس المال ولذا فهى تملك زمام الأمور.. ووقع الطلاق الثانى، فظن الجميع أنها اكتفت، إلا أنها ذهبت تبحث عن الثالث.
ألقت بشباكها على رجل متزوج، رئيس أحد الأحزاب السياسية، خطفته من أبنائه وزوجته فشعرت لأول مرة بطعم النصر، ولو أنه كان نصرا مزيفا، لأنها بعد فترة وجيزة اكتشفت أنها أدمنت الطلاق ولم تعد تتحمل التزامات الزواج، فوقع الطلاق الثالث، وعادت من جديد تبحث عن الزوج الرابع، وهى تقول لكل من حولها: الرابعة تابتة!
4- الحكاية الثانية
تعرفت عليه فى إحدى الحفلات، شاب يصغرها بعام واحد، معه ابنته الوحيدة وهى متزوجة ومعها طفلان، لم تكن أبدا من الأمهات التى تذهب إلى تمارين الأولاد، ولم تكن من الأمهات التى تقوم بعمل الواجبات المدرسية مع أبنائها، وبالمثل فهى لم تظهر ولو مرة واحدة فى مدرسة أبنائها فى أى حفلة أو مجلس آباء؛ لأنها منشغلة طوال الوقت بعملها واهتمامتها الخاصة.
أما هو فقد جرب حظه فى الزواج مرتين وفشل، الشىء الوحيد المشترك بينهما أن أنانيتهما تغلبت على تربية أبنائهما، تعرف عليها وعلى زوجها، ومن ثم أصبح صديق العائلة، يخرج معهما ويدعوهما للخروج معه، وتوطدت العلاقة لتشمل الأهل، ولكن نظرات عيونهما فضحت الحكاية، فأصبحت قصة حبهما هى حديث كل الأوساط التى جمعتهما وكل الأصدقاء الذين أبدوا مباركتهما للحكاية!
عرف الزوج وصارح زوجته.. فأنكرت، لكنه آثر الصمت لأنها تملك مرتبا ضخما، فمن يمتلك رأس المال هو قطعا من يمتلك القرار، والطرف الآخر لا يمتلك فى تلك الظروف سوى أن يصطحب الأولاد للمراجيح، بعد عام من صمت الزوج، قررت الزوجة طلب الطلاق، ليس لأنها عزمت الزواج من جديد، بل لأنها سئمت ضعف زوجها، فالمرأة تنقض على الرجل الضعيف ولكنها لا تحتمل العيش مع ضعفه، رحلت وتركت له الأولاد، فهى تذهب لزيارتهما فقط عندما تشعر بالحنين، لكنهم فى الواقع ليسوا فى خطتها الحياتية!
فى تلك الأثناء وضعت حبيبها الجديد على خط الاحتياطى، منتظرا لحظة أن يُطلق الحكم صفارته لينزل الملعب، ثلاث سنوات وهو على خط الاحتياطى مقتنعا أنها تحتاج وقتاً كافياً لترتيب حياتها، وحين أطلق الحكم الصفارة وسمحت له بنزول الملعب أملت شروطها بكل وضوح، فهى لا تحتاج زوجاً بصفة دائمة، لكنها تحتاج الصحبة بشكل جزئى لا يخنق حريتها، فقد اعتادت الحياة دون التزامات الرجال!
قبل الحبيب الشروط وتزوجا على سُنة الله ورسوله، فأصبحا زوجين بورقة رسمية عند المأذون، تسمح لهما بإقامة علاقة جنسية فى الحلال، لكنها فى الحقيقة ورقة افتقدت الشرط الأكيد للزواج وهو السكن!
5- موسم صيد الرجال
انتهت الحكايتان اللتان تتكرران كل يوم، وما زال فى جُعبة الحياة ألف حكاية أخرى، حكايات أثبتت بالدليل القاطع أن الرجل لم يعد هو قناص النساء، بل أصبحت النساء هن من يُلقين شباكهن وينصبن الأفخاخ للرجال، وتحولت كل المواسم إلى موسم واحد، هو.. موسم صيد الرجال!