إيمان كمال تكتب: الصراعات النفسية والإنسانية تسيطر على قضايا الأفلام
■ معاناة الشعب السورى فى فيلم "فنلندى" عن اللاجئين
■ هل مطلوب من النجمات ارتداء "البيجامة" فى حفلى الافتتاح والختام؟!
«سينما من أجل الإنسانية» لم يكن مجرد شعار لمهرجان الجونة السينمائى فى دورته الأولى بقدر ما جاءت أفلام المهرجان المعروضة بأفكارها مهمومة بالجوانب الإنسانية ومعاناتها بتنوعها، فهى ليست حكرا على الحروب والصراعات وقضايا اللاجئين فقط.. فهناك صراعات إنسانية وشخصية.. هناك قهر وعجز ومعاناة تولد مع تجارب الحياة التى تحمل اختيارات مختلفة.
1- أم مخيفة.. "هوس الموهبة والاستغناء عن الأمومة"
صراع تعيشه الأم بعد أن كبر أبناؤها.. بين ولعها وهوسها بالكتابة وبين أسرتها فهى زوجة وأم لثلاثة أبناء.. خيار صعب أيهما تخسر.. حلمها وموهبتها.. أم أمومتها وبيتها؟..
فى فيلم «أم مخيفة» للمخرجة آنا اورشادزة وهو الفيلم الحاصل على الجائزة الذهبية كأفضل فيلم روائى وأيضا جائزة سمير فريد من جمعية النقاد المصريين، الممثلة الجورجية تمكنت من تقديم الشخصية بسلاسة بالرغم من صعوبتها وتكوينها النفسى الذى احتاج منها تمرينا، وهو ما ذكرته مخرجة العمل فى الندوة التى اقيمت بعد عرضه، فهى أم تعانى من سخرية من حولها وبالأخص زوجها من كل ما تفعله فى حياتها، حتى موهبتها التى آمن بها فقط صاحب المكتبة الذى أصر على نشر روايتها الاولى والذى قررت أن تعيش فى متجره بعيدا عن الضغوط التى فرضت عليها حتى إن ضحت، فالاختيار صعب وهوس الكتابة يطاردها.
عبرت فى روايتها بصراحة صادمة عن صراع تعيشه كثير من الأمهات بين عبء التصاق الأبناء والإحساس بأنه لا مساحة للتنفس والشعور بحرية التحقق.. فالأم مطالبة بأن تعيش أثيرة أمومتها عليها ألا تخرج بعيدا عن المألوف عليها.. بأن تؤدى دورها الذى كلفت به فى الحياة.. أن تلغى موهبتها وإبداعها.. أن تلغى كل ما تحب وتفرح.. أن تعيش فقط تؤدى مهامها المنزلية دون أن يشعر بها من حولها حتى وإن كبر أبناؤها وصار لكل منهم حياته الخاصة وأصدقائه.. إلا أن البطلة اختارت القرار الأصعب والأقسى والذى فتح النيران عليها.. اختارت أن تعيش كيانها الشخصى وتخاطر حتى وإن بالغت فى كثير من الأحيان وصل إلى حد الجنون.
2- الجانب الآخر من الأمل.. "عندما يفسد التمثيل الفاتر الفكرة"
بعد عرضه فى الدورة الـ67 فى مهرجان برلين شارك فيلم «الجانب الآخر من الأمل» للمخرج الفنلندى أكى كوريسما ضمن المسابقة الرسمية للمهرجان والذى يحاول أن يرسم الأمل وسط المعاناة.. أن يقول بأنه وسط النكبات التى يمر بها العالم ما زال هناك إنسانية حتى وإن بدت الصورة الظاهرية قاسية..
الفيلم تدور قصته حول خالد وهو شاب سورى يصل إلى مدينة هلسنكى بعد أن خسر عائلته ومنزله فى انفجارات حلب، ويرفض أن يقدم لجوءًا كى يتمكن من البحث عن شقيقته التى فقدها أثناء الهروب من ويلات الحرب، وعلى الجانب الآخر هناك صاحب المطعم الفنلندى الذى ترك زوجته مدمنة الخمور وقابل خالد بالصدفة وأعطاه وظيفة بمطعمه كى يتمكن من العيش دون مطاردات.
وبالرغم من أن العمل تدور فكرته عن اللاجئين السوريين والمعاناة التى يتعرضون لها فى الشوارع مثل الضرب والإهانة والاضطهاد، كما يقوم أحد الأشخاص بطعنه بالسكين لرفضه وجود لاجئين والتعامل معهم على أنهم مجرد قطعة من «الهوت دوج» لابد من التخلص منها.
فهذه المعاناة أفسدها التمثيل الفاتر للبطل السورى والفتاة التى قدمت شخصية شقيقته أيضا والتى التقت به بعد فترة كبيرة عاشتها من المعاناة دون أن يتجسد ذلك فى الانفعالات ولا فى التفاصيل بعكس الجانب الفنلندى الذى جاء عنصر التمثيل فيه أفضل فخفف من فتور الفيلم.
3- ابن صوفيا
لا يمكن أن تتحول لشخص آخر بقرار.. ولا يمكن فى غمضة عين بكبسة «زر» أن تصبح كائنا آخر ترتدى ملابس وتتحدث لغة لا تعرفها.. أو حياة لا تتناسب مع طبيعتك.. فلا يمكن ايضا أن يقتلع شخص من جذوره وهو صراع ثقافات مختلفة وأجيال مختلفة، أيضا حاول المخرج ايلينا بيسكو فى فيلمه «ابن صوفيا» المشارك فى المسابقة الرسمية أن يلقى الضوء عليها.
الأم بعد وفاة زوجها تضطر إلى السفر من روسيا إلى اليونان بحثا عن حياة جديدة، فبجانب عملها تتزوج من السيد نيكوز والذى تسهر ايضا على رعايته نظرا لكبر سنه، وحينما ينتقل ابنها ميشا للحياة معها يشعر بالخيانة والخذلان ولا يتقبل الطريقة الصارمة التى يتعامل بها الزوج معه ومحاولاته لتغيير شخصيته.. والتى جاءت إلى حد كبير قاسية فيقرر الطفل ذو العشر سنوات الانتقام منه، فتارة يقرر الهرب ومرات اخرى يقرر قتل الزوج الذى يكشف العمل عن جانب آخر فى شخصيته وهو الحنان المتدفق واحتياجه للأبوة، فتدور الأحداث فى قالب درامى وخيالى ايضا ميزت العمل الذى جاءت عناصره جيدة.
4- على الهامش.. "حكايات الفساتين والأفلام"
هجوم متواصل على فساتين وملابس حضور مهرجان الجونة «المزركشة».. وكيف تباهت كل فنانة بأزيائها والنجوم بالبدل البيضاء والسوداء حتى إن الامر وصل إلى الهجوم على الأحذية.. وهو ما يدعو للعجب..
بمجرد الإعلان عن دورة جديدة لمهرجان عالمى على غرار كان وفينسيا وحتى حفل الأوسكار يهتم العالم كله بأزياء النجوم على السجادة الحمراء وإطلالتهم ودور الأزياء التى اختاروها.. ولكن أصبحنا نسخر من الجمال ونهدمه.. هل مثلا كان مطلوب من يسرا «كمثال» أن تذهب الحفل وهى ترتدى «بيجامة كاستور» أم مطلوب منها أن ترتدى ملابس لا تليق بقيمة مهرجان يمثل مصر فى العالم !
لماذا لم ينتقد أحد النجمة العالمية فانسيا ويليامز والتى ظهرت بأبهى إطلالة لها أم أنه عمل بمنطق «حلال على الأجانب..حرام على المصريات»؟ بل وصل الأمر إلى البعض الذى قرر بأن المهرجان مجرد فاشون وأزياء ولا يوجد أفلام.. طيب.. هو حضرتك شاهدت الأفلام أصلا؟ أم أن القاعدة باتت التقليل من شأن أى حدث سينمائى بدون وجه حق؟ هل يمكن أن تتغير الصورة ونعمل بمنطق «افرحوا لمصر»؟