د. رشا سمير تكتب: الخطايا السبع فى تاريخ الإنسانية
الخيانة.. خطيئة لا يمحوها الندم
الخطيئة هى فعل إنسانى صنعه البشر منذ هبطوا على الأرض..
فآدم الذى خلقه الله من طين ونفخ فيه من روحه، ارتكب الخطيئة الأولى فنزل عليه العقاب.. هكذا طُرد آدم من الجنة لمجرد أن حواء أغوته بالتفاحة التى نهاه الله عنها.. وكانت الخطيئة الأولى هى.. الغواية.
دبت الغيرة فى قلب قابيل تجاه أخيه هابيل حين أصبح من نصيبه الزوجة الجميلة فتمناها لنفسه، وانزلق وراء الشيطان وهو يجسد له ألف طريقة للفوز.. فلم يجد أمامه إلا أن يتخلص من أخيه.. فكانت الخطيئة الثانية هى.. الغيرة.
مع كل طعنة كان يتلقاها قيصر كان وجهه جامدا خاليا من المشاعر، ألم طفيف انتابه من الوخزات التى أصابت جسده، فقط بدا عليه الألم الحقيقى حين تقدم منه صديق عمره بروتس ليطعنه الطعنة القاتلة، فأغمض قيصر عينيه حتى لا يرى الحقيقة المؤلمة وقال: «حتى أنت يا بروتس؟ فأجابه: إنى أحبك لكنى أحب روما أكثر».. ومازالت الخطيئة القاتلة هى.. الخيانة.
الخطايا السبع:
هكذا توالت الخطايا.. وكلما تكاثر البشر وخُلقت مجتمعات.. زادت الخطايا وتنوعت الآثام.. ودفعت الإنسانية ثمن سقوط الأخلاق فى بئر الذنوب..
حتى ظهر على الأرض ما سُمى بالخطايا السبع.. وهى تصنيف لمعظم الشرور التى استخدمت لتوجيه أتباع المسيحية مرات عديدة لكل ما هو (غير أخلاقى) وما قد يدفع بالإنسان للوقوع فى الخطيئة.. وهو «الغرور» و«الجشع» و«الشهوة» و«الحسد» و«الشراهة» و«الغضب» و«الكسل»..
على الرغم من أن هذه الصفات تمثل خطايا، لكن لا يوجد أى شيء فى الكتاب المقدس يشير الى أن هذه الخطايا هى حقا «الخطايا السبع المميتة».. وتبقى الخطيئة الوحيدة التى لا يمحوها ندم ولا يتجاوزها بشر هى التى لم تُذكر.. الخيانة..
الغريب حقا أن حكايا البشر منذ بداية الخليقة كفيلة بأن تصنع دراما إنسانية أكثر غرابة وقسوة مما قدمته الدراما التليفزيونية.
كيف؟ الإجابة عن هذا السؤال هى ألف حكاية أخرى.. وقصة وراء كل باب ربما عرفناها وربما آن الأوان أن نعرفها.
لن أخسرها حتى لو اختارها:
اعتادت (سهى) كون زوجها (أشرف) منذ اليوم الأول للقائهما رجلا محبا للنساء وجاذبا لهن، فهو شاب وسيم للغاية، يمتلك الطلة المُبهرة تلك التى لم تفشل أبدا فى جذب فتيات المجتمعات الارستقراطية اللائى تعودن أن يلتففن حوله أينما ذهب.. وهى لم تكن يوما أجمل امرأة فى الوجود.. ولكنها أذكاهن.. وقع أشرف فى غرامها لعدة أسباب ربما لأنه أحبها أو ربما لأنها امرأة لم تمتلك حسن الوجه ولكنها امتلكت الحسب والنسب والجاه والمال..
كانت تجيد عزف البيانو.. فكان يجلس تحت قدميها بعد زواجهما وهى تعزف له فيقبل أصابعها فى امتنان حتى غارت منها كل صديقاتها.. كانت الوحيدة التى فرحت لها من قلبها هى صديقة عمرها وصباها (فدوى)، صديقتها التى تضج ملامحها بالجمال الأوروبى والتى تعمل كعارضة أزياء يتهافت عليها القريب والغريب من شدة توهجها.
فدوى كانت بالنسبة لسهى هى الأخت التى لم تلدها أمها.. وهكذا أصبحت بالنسبة لأشرف بعد زواجهما.. فكانت تشاركهما السفر والخروج والمصيف والسهرات.. وعلى الرغم من تحذيرات كل من حولها لها بخلق مسافة بين زوجها وصديقتها، لم تُبال..
بالطبع، تكررت القصة المعتادة.. فقد وقع فى يد سُهى بالمصادفة خطاب مكتوب من زوجها إلى صديقتها يعبر فيه عن حبه وولهه الشديد بها..
الغريب حقا أن سُهى لم تغضب ولم تنفعل!.. فقد توقعت ما حدث بشكل أو بآخر.. فزوجها رجل بصباص وصديقتها امرأة جميلة ووجودهما معا لن يُشعل سوى الحرائق..
الأغرب من رد فعلها هو قرارها.. فقد تحدثت مع زوجها بكل هدوء بأن يقطع علاقته فورا بفدوى وبألا يتواجد فى أى مكان تتواجد هى فيه.. وعلى النقيض لم تصارح صديقتها!.. بل لم تطردها من بيتها!.. بل حرصت أن تظل العلاقة كما هى دون أن يشوبها شائبة..
هاجمتها أمها فى انفعال شديد: «لماذا لم تقطعين علاقتك بها؟»
ردت بكل هدوء: «هى ذكرى أيامى الماضية والصحبة التى لن أتنازل عنها من أجل رجل أيا كان.. فلو لم تكن هى لكانت أخريات.. ووجودها فى حياتى لا بديل عنه، أما وجوده هو.. فمن السهل إيجاد ألف بديل له!».
لم يدفعنى لخيانته سواه:
جمعتهما الصدفة مثل أى رجل وامرأة.. وجد فيها شريكة مثالية لحياته فوقع فى غرامها وانبهر بشخصيتها، ولم تجد هى فيه فارس الأحلام ولكنها وجدت فيه الصورة الاجتماعية الجيدة لزوج تحمل اسمه، وبعد تفكير عميق وتردد كبير، رجحت كفة مواصفاته على كفة احتياجاتها.. فقبلت الزواج منه.. فكر هو بعقله، وفكرت هى بأولوياتها.. فتمت الزيجة..
أنجبت له ثلاثة صبيان، وظلت على موعد مرتقب لإنجاب فتاة ترث ملامحها وتحمل أحلامها، ولكن القدر أبى أن يعطيها الحلم لتصبح للأبد أم الصبيان.. وتحولت دنياها إلى ملمس خشن بحكم وجودها مع أربعة رجال فى بيت واحد!.
بعد خمسة عشر عاما من الزواج الروتينى والتفكير العقلانى، دب الملل فى أواصر العلاقة بين (نهى) و(أسامة)، فهو رجل تقليدى يعمل مثل الآلة ويمارس الحُب أيضا مثل الآلة!.. وهى امرأة تفتقد الرومانسية وتنتظر العشق كى يداعبها، لكنه يأتى فقط فى الأحلام!..
حاولت كثيرا أن تلفت نظر زوجها إلى الوحدة الشديدة التى تُعانيها فى علاقتهما، على الرغم من كونها سيدة مجتمعات وتعمل بوظيفة مرموقة، فهى مازالت تتوق إلى الحُب، إلى اهتمام زوجها، إلى السكون بين أحضانه..
وهو فى حالة غيبوبة مستحكمة.. لا يتحدث سوى لغة الأرقام.. حتى تلك اللغة لم يكن يجيد الحديث بها، فقد اكتشفت بُخله الشديد بعد الزواج.. والرجل البخيل فى الإنفاق هو حتما رجل بخيل فى العشق.. فالبخل حالة وليست صفة!.
تعرفت نُهى على رجل آخر عن طريق الصدفة وأحبته.. وجدت لديه السكن والاهتمام الذى افتقدته بين أحضان زوجها، وفى تلك اللحظة أدركت أن علاقتها بزوجها قد ماتت، فقلبها لم يعد يدق سوى للحبيب الجديد..
ومن منطلق احترامها لزوجها وأبنائها، طلبت نهى الطلاق.. فكانت المفاجأة المتوقعة أن زوجها تقمص دور أى رجل شرقى لا يهمه سوى المظهر الخارجى لزيجة فاشلة.. فرفض ثم هاج وماج وهددها بحرمانها من أبنائها بل هددها بفضحها أمام أهلها..
حاولت نُهى أن توضح لزوجها أنها تحافظ على احترامها له وعلاقتها به ولا تريد أن تنزلق إلى أى خطأ لأنها على ذمة رجل تحترمه حتى إن لم تكن تحبه!.
مرت ثلاث سنوات وأسامة رافض أن يطلق سراح زوجته، ولا حتى حاول للحظة أن يبدأ أى محاولة للإصلاح، بل أصبح ينام بمفرده ولا يتحدث إليها سوى قليلا..
أما نُهى.. فقد انتهت قصة حبها الجديدة.. حين شعر الرجل الذى أحبته أنه لا أمل له فى تلك العلاقة البائسة..
بعد عام من اختفاء الحبيب الجديد.. انزلقت قدم نُهى فى علاقة من نوع مختلف.. علاقة جسدية مع رجل آخر.. رجل لم تعرفه سوى لساعات قليلة فى حفل صغير.. انتهى بذهابها معه إلى بيته!.
فاقت نُهى فى اليوم التالى ونظرت بجانبها فوجدت رجلاً لا تعرفه يشاركها فراش لم تألفه.. لملمت ملابسها وجرت إلى سيارتها، والدموع تنهمر شلالا من عينيها.. وظلت تردد تلك الجملة طوال الطريق: « لم يدفعنى لخيانته سواه»..
هو زوجى:
اعتدت أن أصحو من نومى كل يوم لأجدها بين أحضان رجل لا أعرفه، وحين أسألها عنه.. ترد بكل هدوء: هو زوجى!..
هكذا اعتادت أمى منذ طلاقها من أبى أن تبحث عن بديل وأن تسعى لترد له الصفعة صفعات.. فالمرأة التى لم يبغاها هو مازالت مرغوبة من رجال آخرين..
لم أتعود أن أشكو أو أتململ أو أن أفصح عن رفضى أو قبولى.. لأنها حياتها الخاصة وأنا لا أحترف الأنانية.
ثم جاء (مصطفى) وهو زوجها الرابع.. شاب يصغرها بسبعة أعوام.. ولأن عمره يكاد أن يقترب من عمرى أنا وأختى، فقد أصبح وجوده معنا فى المنزل أمراً غير مقبول، ووضع طالما حاولت جدتى أن تعترض عليه، ولكن أمى كانت تصرخ فينا وتقول: إنها حياتى.. وهو زوجى!.
حتى بدأ يتسلل إلى نفسى إحساس لا تخطئه الأنثى أبدا.. زوج أمى يتحرش بي!..
نعم.. فى البداية كان يتحرش بى بنظرات كانت تخترق خصوصيتى وتُسكننى الخوف.. ثم تطور الأمر ليصبح التحرش لفظيا.. وانتهى الأمر بلمسات وأحضان كانت تحمل فى ظاهرها صفة الأب وفى باطنها أنفاس الشيطان..
حاولت أن أثنيه بلطف.. وفشلت..
حاولت أن أعنفه.. فارتدى قناع الغضب..
حاولت أن أهدده.. فازداد شراسة..
فى النهاية.. قررت أن أصارح أمى بالحقيقة، كنت أعتقد أن الحقيقة سوف تقتلها.. وفوجئت بالنقيض، فقد أخذت تتهمنى بأننى صاحبة خيال مريض اجتذبته بالفرجة على الأفلام العربية الرخيصة!..
حاولت أن أنزوى وأقبع فى غرفتى حتى لا أراه، حتى اليوم الذى صارحنى فيه بحُبه وبأنه أخطأ باختيار سيدة فى عمر أمه ليتزوجها وأنه عندما رآنى شعر بفداحة غلطته!.
لم أتمالك نفسى إلا وأنا أصفعه، فجرى إليها يشكونى ويختلق قصصاً لم تحدث.. وقررت الهروب من البيت..
حزمت حقيبة ملابسى ولجأت إلى إحدى صديقاتى التى فتحت لى بيتها بكل ترحاب.. وتركت لأمى خطاباً طويلاً أصارحها فيه بما حدث وبحقيقة شعورى..
لم ترد.. ولم تحاول البحث عنى.. لكنى كنت أحلم بها كل ليلة وهى تقرأ خطابى وتبتسم لتقول: «هو زوجى».