د. نصار عبدالله يكتب: روزاليوسف من الفن إلى السياسة
إزاء الهبوط الحاد الذى واجهته مجلة «روزاليوسف» بعد صدور أعدادها الأولى كمجلة فنية تحاول أن تكون رفيعة المستوى، تتجنب تجريح الأشخاص أو الخوض فى تفاصيل حياتهم الشخصية، ولا تنشر من الموضوعات إلا ما يتعلق بالنقد الأدبى والفنى، ولا من الصور إلا اللوحات الفنية العالمية الشهيرة،.. إزاء ذلك الهبوط الحاد لم يكن أمامها إلا واحد من حلين: أولهما أن تتخلى عن هذه السياسة المتشددة فى مسائل الفن التى سوف تودى بها إلى الإفلاس، بل إنها قد أودت بها فعلا إلى العجز عن دفع تكاليف الطباعة، ولا نتكلم عن دفع أجور المحررين لأن أغلبهم كانوا يكتبون مجانا بالفعل منذ العدد الأول!، وأما الحل الثانى فهو أن تقتحم المجلة مجال السياسة التى كان الاهتمام بها فى تلك الحقبة من تاريخ مصر يتفوق على أى اهتمام آخر، فقد كانت الحياة البرلمانية فى مصر تتعرض لأول نكسة أصابتها بعد أول انتخابات جرت طبقا لدستور 1923، حين انتهز الإنجليز فرصة اغتيال السردار وأخرجوا سعد زغلول من الوزارة، ووضعوا زيور باشا بدلا منه فى مقعد رئيس الوزراء.. وأعلن زيور حل مجلس النواب وجاء بإسماعيل صدقى وزيرا للداخلية ليجرى له انتخابات جديدة، ولما اجتمع البرلمان تبين أن الأغلبية فيه لا تزال وفدية تؤيد سعد زغلول! فأعلن زيور حل البرلمان الجديد بعد انعقاده بساعات!! .فى ظل هذا المناخ السياسى المحتقن قررت «روزاليوسف» أن تقتحم مجال السياسة، فتقدمت إلى وزارة الداخلية بطلب لتحويل رخصة المجلة إلى «سياسية وفنية»، وقد كان من الطبيعى فى ظل ذلك المناخ أن يتبادر إلى ذهن الوزارة أن الوفد يتستر خلف مثل هذا الطلب فقامت برفضه، وذهبت فاطمة اليوسف إلى وكيل وزارة الداخلية ـ حسن رفعت ـ محاولة إقناعه بأنها لا صلة لها بالوفد على الإطلاق، لكنه صمم على الرفض، ولم تستسلم، فقررت أن تذهب لتقابل رئيس الوزراء نفسه، ونترك لها هنا أن تصف لنا بكلماتها شخصية أحمد زيور فتقول طبقا لما ورد فى مذكراتها : كان ـ رحمه الله ـ رجلا طيبا جدا، من طراز لم تشهد المناصب مثله. كانت الدنيا تثور من حوله، وهو لايهتم، قد تهتف المظاهرات باسمه، وتطالب الجماهير بدمه، وتنسب إليه الصحف أعنف الاتهامات، ولكنه يظل فى عالمه الخاص، لا يشهد المظاهرات ولا يهتم بالجماهير، ولا يقرأ الصحف قط!، وكان إذا قيل له إن جريدة تهاجمه قال : « خليها تاكل عيش»، وحين ذهبت إليه محتجة، وشاكية من عدم إعطائها ترخيصا بأن تكون المجلة سياسية وفنية، أدهشه جدا أن يعلم أن وزارة الداخلية لم تعد تمنح تراخيص بصحف سياسية جديدة خشية أن يكون الوفد متسترا وراء أى طلب من هذا النوع.. واستدعى حسن رفعت لكى يقول له عبارته المأثورة الخالدة:.. أعطوها الترخيص.. خلوها تاكل عيش! وانصرفت «روزاليوسف» من المقابلة والترخيص فى جيبها فعلا... وبدأت المجلة تصدر فى ظل وضعها الجديد..استغنت عن الورق المصقول الذى كانت تطبع عليه، وبدأ التابعى يكتب فى السياسة بعد أن كانت كتاباته كلها مقتصرة على الفن، أما فاطمة اليوسف نفسها فقد كان أول موضوع سياسى تتناوله هو تغطيتها لمحاكمة المتهمين باغتيال السردار الإنجليزى، وكان من بينهم المرحومان: أحمد ماهر وفهمى النقراشى، أما هيئة الدفاع فقد كانت مكونة من عدد كبير من المحامين الوفديين على رأسهم مصطفى النحاس ومكرم عبيد،وحين صدر الحكم بالبراءة، اقتربت فاطمة اليوسف من قفص الاتهام وقامت بتهنئة من كانوا فيه!.