د. رشا سمير تكتب: الفساد فى وكالة فساكونيا!
الفساد هو الشىء الوحيد القادر على النخر فى هيكل أى دولة حتى يأتى على أخضرها ويابسها..الفساد فى تاريخ البشرية هو السبب الأكيد لانهيار حضارات وانهزام بشر ومحو مدن بأكملها..
أما الفساد فى مصر بلا شك هو السبب فى نكبتها..فهو الشىء الوحيد الذى يتمتع بوجود منظومة كاملة متكاملة تُخدم عليه وترعاه وتوفر له التُربة المناسبة ليكبر ويترعرع!.
لقد فشلت الدولة المصرية فى وضع نظام أو System للكثير من الملفات أو المؤسسات ولكننا كأفراد نجحنا بكل المقاييس فى وضع نظام مُحكم للفساد..حتى أصبحنا الراعى الرسمى له عن جدارة فى كل البطولات!.
فالفساد يا سادة بعد ثورتين وفوضى عارمة لم يقف عند حد الفساد المالى بل امتد ليطول كل شىء.. فالفساد أصبح مثل مستر إكس له ألف وجه ولا يموت أبدا!..
شيطان له ألف صورة ومئات العناوين.. فالفساد الأخلاقى يبدأ من البيت، من الأم التى لم تعد تراقب أبناءها والزوج الذى لم يعد يُراعى الله فى زوجته!..
والفساد الإدارى طال كل المؤسسات..الحكومية والخاصة..فهناك ابن فلان وابنة علان..وهناك من لا فُلان ولا علان له!..هؤلاء يعملون ويخطئون فيُحاسبون.. وهؤلاء جالسون على مكاتبهم من باب الوجاهة الاجتماعية..
هناك قوانين تُشرع ولا تُطبق، ولو طُبقت لطُبقت فقط على من لا (ظهر) لهم وأنا أقصد هنا بمن لا يجدون من يحميهم، من ليس لهم أقارب (مُهمين) أو من لا يعرفون كيف يرفعون وقت اللزوم سماعة التليفون ويحتمون بجهة أو بمسئول كبير! (يعنى بالعربى كده لما يكون صاحب البيت مايعرفش ناس مُهمين!)..
فهناك مؤسسات لها قوانين مُحددة ولكنها لا تُطبق على الكبار فيها أو حتى على الصغار ممن يمتلكون رفاهية الواسطة، ولكنها تُطبق فقط على الغلابة والصغار..وهناك مؤسسات تخضع الترقيات والمكافآت فيها إلى خفة الدم والمحسوبية والشللية..
الجو العام أصبح طاردا للكفاءات وطاردا للشباب الذين لا يمتلكون سوى شهادات تفوقهم، وطاردا لأصحاب المبادئ والضمائر الحقيقية الذين قرروا بعد حروب كثيرة أن ينزووا أو يأخذوا استراحة محارب بعدما تم تصنيفهم على أنهم (مشاغبون) و(لبط) و(بيعطلوا سير العمل)!..
وتبقى الصورة الوحيدة الراسخة فى الأذهان وسط كل الصور الباهتة هى صورة سعاد حسنى فى فيلم (أميرة حبى أنا) حين شهد ضدها وباعها فى تحقيق هزلى ولقطة بارعة كل زملائها وأصدقائها لمجرد أن لوح لهم صاحب العمل بالخصومات والمكافآت (بأمارة ما كان اللى بيحقق معاهم مٌحامى لابس نضارة حمرا..وما أدراك ما النضارة الحمرا)!.
إذن فالفساد ليس وليد عصر الثورة ولكنه تاريخ طويل من القُبح..
والحل؟!..الحل كما رآه رئيس الدولة ابن المؤسسة العسكرية التى لا تتعامل إلا بالقانون والتى تقطع يد السارق والفاسد فيها دون أى تراخ، الحل هو وجود جبهة لمحاربة الفساد داخل الدولة، وهو بالضبط ما تم تنفيذه بناء على توجيهات رئيس الجمهورية..خطوة محترمة ومحاولة جادة للقضاء على الفساد..بالفعل تم إنشاء لجنة فساد فى كل المؤسسات ووضع ضوابط قاطعة لها، تلك اللجنة ينبثق منها عدة لجان وفى النهاية تصب فى مكان واحد على حسب علمى هو الأجهزة الرقابية وكم أتمنى أن تكون الرئاسة..
ويبقى السؤال..كيف يتم اختيار القائمين على تلك اللجان؟..
وهنا تكمن المأساة، فالقائمون على العمل فى تلك اللجان فى كثير من الأحيان وبالطبع ليس فى كل الأحيان، أشخاص ليسوا أمناء على أعمالهم بل أحيانا يكونون متورطين هم أنفسهم فى قضايا فساد..فالاختيار ليس مسئولية الرئيس ولكنه مسئولية أصحاب الضمائر..
إنها مهمتنا أن نُساعده ومهمتنا أن ندعم قراراته، إنها مهمة كل مسئول يوكل إليه الاختيار أن يٌحسنه، فوجود الشخص المناسب فى المكان المناسب هو ضرورة قصوى فى تلك المرحلة، ويجب أن يُطبق المسئول القانون على نفسه أولا حتى يُصبح قدوة لمرؤوسيه..ولا ينبغى بأى حال أن تتحول تلك اللجان إلى محاولة للانتقام أو تخليص المصالح..
تستوقفنى أشياء لم أعد أفهمها..كيف يصبح المعلم تاجرا بعلمه وهو من كاد أن يكون رسولا؟ كيف يُصبح رجل الدين إرهابيا وهو من يحمل كلمة الحق؟..كيف يُصبح رجل القانون فاسدا وهو من أقسم يمين العدالة؟..
وللحديث بقية...