عبد الحفيظ سعد يكتب: التحريض بالتواطؤ على الأقباط من الجماعة الإسلامية لآيات عرابى

فى شارع "أسيوط" بالعريش، تدور وقائع القصة، الإرهابيون، ينصبون أكمنة للبحث عن المسيحيين، مشهد كشف عنه الأسبوع الماضى شهود عيان، فى سيناء، وذلك فى مسلسل استهداف المسيحيين والذين يسعى من ورائه، ما يسمى بتنظيم بيت المقدس الإرهابى، والذى يحمل الولاء لداعش فى اللعب بـ"ورقة الأقباط"، فى إطار خطة قذرة تدار بواسطة أياد خفية فى الخارج، وذلك بعد أيام قليلة من اضطرار عدد من المسيحيين لمغادرة العريش، وترك بيوتهم، نتيجة استباحة دمائهم فى شوارع المدينة.

ما حدث فى العريش، يعيد الذاكرة بنا لمشهد دارت أحداثه قبل ربع قرن من الآن.. وفى "أسيوط" أيضا.. لكن فى محافظة الصعيد، وليس الشارع فى العريش، والتى دارت فيها وقائع استهداف للأقباط قبل 25 عاما، أو ما يعرف بـ"مذبحة صنبو"، والتى قام وقتها أعضاء من الجماعة الإسلامية بقتل 13 قبطيا فى أحداث بدأت فى مارس1992، واستمرت لمدة شهر، فى نفس القرية، لتنتقل بعدها لعدد من مدن الصعيد، لكن تلك الواقعة كانت محور الحديث خاصة، أنها ارتبطت باستهداف الأقباط

تذكرنا الأحداث التى شهدتها أسيوط، بما يدور الآن فى العريش، رغم اختلاف التنظيم الذى يقف وراءها، ففى أحداث "صنبو" التى تقع فى مدينة ديروط، والتى كانت بداية موجة الإرهاب الأولى التى ضربت مصر فى التسعينيات من القرن الماضى، كان المتورطون فيها الجماعة الإسلامية، والتى كان لها انتشار فى تلك الفترة فى مدن الصعيد خاصة أسيوط والمنيا.

لذلك يعيد ما يدور الآن فى العريش، ما حدث فى محافظة الصعيد، والغريب فى ذلك، أن الواقعة الجديدة، تحمل اسم "أسيوط" أيضا ولكن هذه المرة الشارع الذى يقع فى العريش، والذى جاء اسمه باعتبار أن غالبية سكانه من أصول من نفس المحافظة، والذين جاءوا للعريش بهدف العيش فيها بعد تحرير سيناء.

إذا كان ما يذكر من أحداث أخيرة فى العريش، يعد صعب الوصول إليه فى ظل الأوضاع الأمنية الصعبة والمعقدة فى العريش، ونقله عدد من شهود العيان هناك، خاصة فى بحث إرهابيى داعش عن المسيحيين بعد نزوح 60 أسرة من المدينة والعودة سواء للإسماعيلية أو محافظتهم فى الصعيد، إلا أن ما يدور يتشابه مع الأحداث الأولى فى "صنبو"، والتى كان -كاتب هذه الكلمات- شاهد عيان عليها قبل 25 عاما.

فقرية "صنبو" التى شهدت وقائع استهداف الأقباط الأولى، تعد قريتى "بنى إدريس" جزءا منها، تكاد أن يلتصق بها بين أراض زراعية، وعلاقات نسب وجيرة بين القريتين.

لذلك ما دار مازالت أصداؤه وتفاصيله، مرتبطة بذهن صبى فى نهاية مرحلة التعليم الإعدادى، وقتها انتشرت لافتات وملصقات فى شوارع من أسيوط حيث معقل الجماعة الإسلامية فى حينها، تحمل صورة أحد أشخاص أعضاء الجماعة "علاء محيى الدين"، والذى قتل فى مواجهات أمنية، وفيها شعار "سننتقم لكن لحق ودين".

صورة الملصقات المفزعة، لم يكن أحد يعلم إلى ماذا ستؤدى؟ فى أجواء كانت مشحونة وقتها بالخوف، نتيجة انتشار أعضاء من الجماعة الإسلامية فى المدن والقرى حتى استيقظت مصر وقتها على واقع المذبحة، طبقا للوصف الذى أطلقته عليها وقتها المنظمة المصرية لحقوق الإنسان، والتى كانت الوحيدة فى ذلك الحين التى تعمل فى هذا الملف كمنظمة مجتمع مدنى.

وسجل التقرير وقتها الأحداث التى دارت فى "صنبو" والتى وصفت من قام بها من الجماعة الإسلامية بـ"العصابات"، نتيجة محاولتهم فرض إتاوات على الأقباط فى القرية، وهو ما أدى لتصفية وحرق منازل من رفض أن يستجيب لهم.

ورغم أن الحدث فى حينها كان بداية تفجر أحداث إرهاب التسعينيات فى الصعيد، إلا أنه من واقع -رؤية شاهد عيان- فإن مذبحة "صنبو" كانت بداية لإنهاء أسطورة الجماعة الإسلامية فى أسيوط تحديداً، خاصة أنها كانت تستهدف الأقباط، وتضرب بنسيج وعلاقات بين أهل وجيرة هناك، وكان للروابط العائلية والقبلية فى قرى الصعيد دور فيها، فى فكرة رفض الاعتداء على ممتلكات الأقباط أو أرواحهم، حدث ذلك فى "قريتي"، والتى يصل عدد المسيحيين فيها إلى40٪. والباقى من سكانها من المسلمين قراراً ضمنياً، بعدم السماح لأحد أن يمس شركاءهم فى الأرض والبيوت.

وكانت عملية استهداف المسيحيين، بداية عملية لانفضاض غالبية المؤيدين والمتعاطفين فى حينها مع الجماعة الإسلامية عنها، بل ورفضها ومحاربتها، خاصة أن ما قاموا به يكسر حالة العرف الاجتماعى هناك.

ولذلك عندما استقرت الأوضاع وبدأت الجماعة الإسلامية فى وضع مراجعاتها الفكرية مع بداية الألفية، كانت إحدى أبرز النقاط التى اعتمدت عليها هذه المراجعات، هو التبرؤ من استهداف الأقباط وما قاموا به من أحداث فى ديروط وغيرها وكانت تستهدف الأقباط. وخلصت هذه المراجعات بأن أموال وأرواح المسيحيين، باعتبارهم شركاء فى الوطن، وكانت هذه النقطة التى أعطت مراجعات الجماعة الإسلامية، قبولا وسمح لها التواجد حتى قبل ثورة يناير.

لكن تمر الأحداث، وتتغير الوقائع.. وتدخل الجماعة الإسلامية، كجزء من العملية السياسية، خاصة بعد تشكيلها حزب البناء والتنمية عقب ثورة 25 يناير.. ويعود فى الواجهة استهداف الأقباط مرة أخرى، والتى بدأت عقب أحداث فض اعتصام رابعة، والذى أعقبه عملية مهاجمة للكنائس خاصة فى محافظة المنيا، ولكن لم يظهر وقتها أى رد فعل واستنكار لما حدث من قبل الجماعة الإسلامية حتى بما يتفق مع الآراء التى أعلنتها عبر مراجعاتها الفكرية.

ويتكرر بصورة أكثر بشاعة وغلظة فى العريش، عبر بوابة "داعش" فى سيناء، لكن الملاحظة أن الجماعة الإسلامية لم تخرج ببيان أو حديث يدين ما يحدث حتى من خلال المراجعات الفكرية التى أعلنتها الجماعة بحرمة دم الأقباط، الجماعة الإسلامية سواء ببيان رفض أو استهجان لما يحدث.

بل لم يقم حزب البناء والتنمية التابع للجماعة بإصدار بيان أو التعبير عن موقف لرفض ما حدث، خاصة أن توضيح موقف الجماعة مما يحدث، نقطة جوهرية وتعبر بالفعل عن اقتناعها بمراجعات إنهاء العنف، خاصة أن ما يدور فى العريش يختلف بشكل كبير، عن الأحداث التى سبقت فض اعتصام رابعة.

وهذه النقطة طرحناها على ناجح إبراهيم، باعتباره مما يعرف بـ"القادة التاريخيين" للجماعة الإسلامية، رغم انفصاله منذ سنوات عن الجماعة الإسلامية، وكان له موقف واضح رافض مما حدث، وعبر عنه فى آراء له نشرت فى الصحف المصرية.

لكنه "إبراهيم" رفض التعليق على عدم إصدار الجماعة الإسلامية بيانا بخصوص الاعتداء على الأقباط فى العريش، غير أنه أقر بأنه لابد على قادة الجماعة أو الحزب أن يلتفتوا لهذه القضية، خاصة أن ما تقوم به داعش، خاصة فى قضية استهداف الأقباط، من القضايا التى تحتاج وقفة، لأنه "يدرك أنها تحتاج لتصد" ليس فقط، باعتبارها قضية سياسية، بل لأنها تتعلق بفكرة رفع الظلم، خاصة فى واقعة اضطرار المسيحيين أن يتركوا بيوتهم، وهو ما يعتبره "أشد أنواع الظلم".

ويزيد من غموض موقف الجماعة الإسلامية وحزبها السياسى، أن السلفيين سواء ممثلين فى حزب النور أو الدعوة السلفية، والذين إصدروا بيانات تعبر عن استنكارهم لاستهداف الأقباط.

ويبقى موقف الجماعة الإسلامية متشابها مع الإخوان والذين كان تناولهم أحداث استهداف الأقباط، فى إطار التشفى من الحكومة، خاصة أن عمليات التحريض على الأقباط، لم تكن من قبل من داعش فقط، بل وجدناها من الدوائر والمجموعات القريبة والمتحالفة مع الإخوان، مثل آيات العرابى والتى كان لها فيديو شهير فى أكتوبر العام الماضى، والتى دعت فيه صراحة إلى استهداف الأقباط، ومقاطعتهم، وهو الأمر الذى لاقى قبولا من قبل الإخوان، فى حينها، وهو أمر يتكرر بصورة أو أخرى من قبل الجماعة الإسلامية، ليضعوا أنفسهم فى دائرة آيات عرابى.