نساء قاتلن مع رسول الله.. وعالجن الجرحى
لقد شاركت النساء المسلمات في المعارك والغزوات التي كان يقودها الرسول صلى الله عليه وسلم، وقد أخرج مسلم أن نجدة الخارجي كتب الى ابن عباس رضي الله عنهما يسأله عن غزو النساء مع النبي صلى الله عليه وسلم فكتب اليه أنه كان يغزو بهن، فيداوين الجرحى، ويحذين (أي يعطين) من الغنائم، وفي سماح الرسول صلى الله عليه وسلم لرفيدة في تضميد جراح سعد بن معاذ وهو غير محرم لها.. لدليل آخر على جواز تمريض المرأة للرجل المريض، وقد بينت كتب التاريخ أن بغداد وقرطبة والاندلس قد شهدت نشاطا للنساء المسلمات اللاتي تعلمن الطب والتمريض ومارسن هذه المهنة.
وفي عهد الرسول صلى الله عليه وسلم كانت المسلمات تحرص على حضور المعارك مع الرجال للوقوف وراءهم ولتأدية خدمات الاسعاف والتضميد للجرحى والمصابين في المعارك. وقد سمح الاسلام للمرأة ان تشترك في الغزوات فتداوي الجرحى وتسقي العطشى وتطبخ الطعام، وقد ورد في الأثر أن الامام احمد بن حنبل قد اجاز للمرأة أن تخدم الرجل المريض حتى لو شاهدت عورته، وقال هذا القول ايضا المحدث الامام الحافظ الذهبي: حتى نساء النبي صلى الله عليه وسلم كن قد اشتركن في مداوة الجرحى وسقي العطشى من المجاهدين. وقد اخرج البخاري عن انس رضي الله عنه حيث قال: "رأيت عائشة بنت ابي بكر وأم سليم وهما مشمرتان أرى قدم سوقهما، تنقلان قرب الماء على متونهما، ثم تفرغان الماء في افواه القوم ثم تراجعن".
شيء من الحصير
وقد ورد في كتاب السيرة النبوية والآقار المحمدية لدحلان، أن النساء من المدينة خرجن يوم أحد ومعهن فاطمة رضي الله عنها لاستقبال المسلمين بعد الغزوة، فلما لقيت فاطمة الرسول صلى الله عليه وسلم اعتنقته وراحت تغسل جراحاته، وعلي رضي الله عنه يسكب الماء فيتزايد الدم، فقامت فاطمة بحرق شيء من الحصير حتى صار رمادا وضمدت به الجرح، فاستمسك الدم.
ويقول الذهبي في كتابه تاريخ الاسلام: قال عروة بن الزبير: ما رأيت عالما بالطب مثل عائشة رضي الله عنها، فقلت: يا خالة من أين تعلمت الطب؟ قالت: كنت اسمع الناس ينعت بعضهم بعضا فأحفظه.
ولما كان التمريض والعقيدة الدينية مرتبطين بشكل وثيق، فان عمل الاسعاف كان يؤدى بشكل مخلص كونه خرج عن نساء مؤمنات ايمانا عميقا، وقد اختصت بهذا العمل سيدات فضليات من نساء العرب والمسلمين وبالاضافة الى خدمة ازواجهن واطفالهن قد قمن بخدمة جرى ومصابي الغزوات، وقد سماهن العرب بالآسيات او الأواسي جمع آسية وهي المرأة التي تأسو الجراح. وقد كن يسرن مع المجاهدين حاملات لأواني الماء والاربطة والجبائر وبعض النباتات العشبية التي لها تأثير مخفف للآلام.
لقد كانت هنالك نساء كثر مارسن هذا الدور الجهادي والانساني معا كأم حكم المخزومية، وأم موسى بن نصير وأم كثير، وصفية بنت عمر بن الخطاب في عهد الخلفاء الراشدين وفيما بعد في العهد الاموي والعباسي والايوبي يضيق المجال للتفصيل عنهن جميعا. وأسوق مثالين لعلهما من أنصع الأمثلة على المرأة الغازية الآسية في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم.
1- كعيبة بنت سعد الأسلمية (رفيدة):
كانت رفيدة مع نساء قومها يوم ان حضر الرسول صلى الله عليه وسلم من مكة الى المدينة، وشاركت في استقباله مع جموع المسلمين. وبعد سنتين دعا الرسول صلى الله عليه وسلم الى غزوة بدر يوم 17 رمضان في السنة الثانية للهجرة الموافق 13 آذار 624م، وقد لبت رفيدة النداء في مجموعة من النساء، فحملن الماء للمجاهدين وكانت تتنقل بين صفوفهم فتعطيهم التشجيع والحنان والماء والطعام وتداوي جراحهم، وبعد الغزوة المذكورة وغيرها من الغزوات، وفي عهد السلم انشأت اول عيادة في المسجد النبوي، وأقامت خيمة لاستقبال المرضى في كل حين، ومما تميزت به رفيدة أنها حينما الهمها الله فقد استقبلت سعد بن معاذ والسيف منغرز في صدره، ولم تسحب السيف حتى لا يستمر النزف وليبقى مانعا للدم وهي تردد مع المسلمين الله اكبر الذي نصر عبده وأعز جنده وهزم الاحزاب وحده.. ولما افاق سعد بن معاذ من غشيته ابتسم في وجه رفيدة طالبا منها اعانته ليصلي مع المسلمين. واستمرت رفيدة في جهادها وواجبها الى ان استشهدت في غزوة لاحقة.
وتقديرا لهذه السيدة العظيمة، فقد قرر مجلس وزراء الصحة العرب عام 1978 بالكويت تأسيس جائزة لأوائل الممرضات اللاتي يتخرجن من معاهد التمريض العربية وحملت هذه الجائزة اسم «جائزة رفيدة» للتمريض. كما اطلق اسمها على كلية التمريض الاردنية في مطلع ثمانينات القرن الماضي فأصبحت كلية رفيدة للتمريض.
2- نسيبة بنت كعب المازنية (أم عمارة)
هذه السيدة المسلمة العظيمة قالت عنها الباحثة العالمية (المسز ماجنام) أن أم عمارة كانت من النساء المسلمات اللاتي قمن في الحروب الاسلامية بالدور الذي تقوم به منظمات الصليب الاحمر في العهد الحاضر.
لقد اسلمت أم عمارة وهي تنتسب الى كعب بن عمرو من بني مازن بن النجار.. أسلمت وبايعت الرسول صلى الله عليه وسلم ليلة العقبة وخرجت مع المسلمين في أحد في الخامس من شوال من السنة الثالثة للهجرة وهي تحمل الماء وادوات الاسعاف، وكان ولداها وزوجها من المحاربين واشتركت معهم في الدفاع عن الرسول صلى الله عليه وسلم وصد الكفار عن الاقتراب من خيمته، وظلت تقاتل وتداوي الجرحى حتى جرح ابنها عبيد بن زيد، فأقبلت عليه وربطت جرحه ثم قالت (قم يا بني وناجز القوم) وعندما رأت الرجل الذي جرح ابنها اعترضته وضربت ساقه فبرك على الارض.. وهنا قال فيها الرسول صلى الله عليه وسلم: « ما التفت يمينا أو شمالا الا وأنا اراها تقاتل دوني، ومن يطيق ما تطيقنه يا نسيبة» وقد عادت بعد أحد الى المدينة بعد أن اصابها سهم في عنقها.. ولم تمت، فقد كتب الله لها أن تشترك في الحرب ضد مسيلمة الكذاب في عهد ابي بكر الصديق رضي الله عنه وكانت مقاتلة شرسة في سبيل الله، وبقيت تقاتل وتحمل السيف حتى بترت ذراعها، وعادت الى يثرب بساعد واحد وهي تحمله، وقد ناهزت الستين عاما، وقد عالجت جرحها بالدهن المغلي.
وتكريما وتخليدا لها فقد اطلق اسمها على كلية التمريض الاردنية في اربد.. فصارت تسمى "كلية نسيبة المازنية للتمريض".