الأزهر والرئاسة.. تاريخ من الأزمات.. و"الطلاق الشفهي" يخرج الصراع السري للنور
يتجاوز عمر مؤسسة الأزهر الشريف، ألف عام، توالت عليه المشايخ والحكام، ولكنه لازال يحتفظ بمرجعيته الفقهية والدينية، لما له من ثقل في العالم العربي والإسلامي، فمنذ إنشائه على يد جوهر الصقلي عام 970 م، ويتميز الأزهر بأحكامه المستندة على شرع الله وعدم مخالفته، إرضاءً للحاكم.
وتولى 47 عالمًا مشيخة الأزهر الشريف منذ بداية نظام المشيخة، أولهم؛ الشيخ محمد بن عبد الله الخراشي وآخرهم أحمد الطيب الذي ما زال في منصبه إلى الآن، وعلى الرغم من توالي الأنظمة الحاكمة باختلافها، إلّا أن القليل من مشايخ الأزهر ممن استطاعوا الوقوف ضد قرارات حكام ورؤساء مصر عبر التاريخ.
وكان النظام المتبع لاختيار شيخ الأزهر، منذ إنشاءه إلى آخر القرن الحادى عشر الهجرى، أن ينتخب من بين العلماء ناظرًا يشرف على شئونه، ثم تحول النظام بعد ذلك إلى تعيين شيخ الأزهر، الذي بدأ رسميًا عام 1101 ميلادية.
ترصد "الفجر"، مواقف شيوخ الأزهر من قرارات الحكام والرؤساء عبر التاريخ.
قيادة الثورة ضد الفرنسيين
تولى الشيخ عبد الله الشرقاوي، مشيخة الأزهر في الفترة من 1793م إلى 1812م، قاد الثورة ضد الفرنسيين، حتى أصبح زعيمًا للمقاومة الشعبية مما جعل نابليون يقصف الأزهر بالمدافع ويدخل ساحته بالخيول.
معارضة ظلم محمد علي
وبعد خروج الحملة الفرنسية خلع الشيخ عبد الله الشرقاوي وشيوخ آخرون، الولاية عن محمد على، واشترط الشيخ عبد الله الشرقاوى علي محمد على أن يكون عادلًا في حكمه، لكن محمد على لم يفِ بوعده، ولم يكن حاكما عادلا، فدب الخلاف بين محمد علي والشيخ عبد الله الشرقاوي لاعتراض الشرقاوي على ظلمه للمصريين، فما كان من محمد علي إلا أن أقاله من منصبه.
رفض اقتراح "عباس" بندب قضاة في المحاكم الشرعية
أما الشيخ حسونة النواوي، الملقب بـ"الشيخ الشجاع"، فقد تولى مشيخة الأزهر مرتين؛ الأولى فى الفترة من 1896م إلى 1900م، والثانية 1909م، واستقال في العام ذاته في عهد الخديو عباس حلمي الثانى.
ففى عام 1899م عرض على مجلس شورى النواب اقتراحًا بندب قاضيين من مستشاري محكمة الاستئناف الأهلية ليشاركوا قضاة المحاكم الشرعية العليا في الحكم، وقف الشيخ حسونة النواوى ضد هذا الاقتراح، وأصر على موقفه، وقال للخديو: "إن المحكمة الشرعية العليا قائمة مقام المفتى في أكثر أحكامها ومهما يكن من التغيير في الاقتراح فإنه لا يخرجه عن مخالفته للشرع، لأن شرط تولية المفتى مفقود في قضاة الاستئناف"، فأصدر قرارًا بعزله عن منصبه.
رفض إعلان "فؤاد" خلافته للمسلمين
وعارض الشيخ محمد أبو الفضل الجيزاوي، الذي تولى المشيخة في الفترة من 1917إلى 1927 ما رغب فيه الملك فؤاد من إعلان نفسه خليفة للمسلمين بعد سقوط الخلافة العثمانية، مبررًا ذلك بأن مصر لا تصلح دارًا للخلافة، لوقوعها تحت الاحتلال الإنجليزي، ورفض الجيزاوى الاستجابة لطلب الإنجليز بإغلاق الجامع الأزهر إبان ثورة 1919، وصدر في عهده قانون قيد سلطة الملك في تعيين شيخ الأزهر، حين أشرك رئيس الوزراء في هذا الأمر.
رفض اقتراح "فاروق" بالتحالف مع الإنجليز
ويعد الشيخ محمد مصطفى المراغي الذي تولى المشيخة مرتين؛ الأولى في الفترة من 1928 إلى 1930، وكان عمره 47 عاما، والثانية في الفترة من 1935 م إلى 1945 م، حيث رفض فكرة إشراك مصر في الحرب العالمية الثانية، سواء بالتحالف أو التعاون مع الإنجليز أو الألمان للتخلص من الاحتلال البريطاني، فأعلن الإمام المراغي، موقفه، قائلًا؛ "إن مصر لا ناقة لها ولا جمل في هذه الحرب، وإن المعسكرين المتحاربين لا يمتان لمصر بأي صلة"، وكان رئيس الوزراء في ذلك الوقت هو حسين سرى باشا، الذي قام بالاتصال بالشيخ المراغى وخاطبه بلهجة حادة وطلب منه ألا يتحدث إلا بعد الرجوع إليه شخصيًا حتى لا يضع مصر في مأزق، فرد عليه الشيخ المراغى وقال: "هل هذا تهديد لشيخ الأزهر، لا سلطان على شيخ الأزهر إلا الله".
انتقاد بذخ "فاروق" في رحلة شهر العسل
وفي 1950م، انتقدت المشيخة بقيادة شيخ الأزهر عبد المجيد سليم البشري، بذخ الملك فاروق بسبب رحلة شهر العسل التي قام بها مع زوجته ناريمان، وقال الشيخ وقتها مقولته الشهيرة "تقطير هنا وإسراف هناك" معبرًا عن غضبه من قرار الحكومة المتعلق بإنقاص ميزانية الأزهر، في الوقت الذي كان يستجم فيه الملك فاروق في جزيرة إيطالية، وأجبر على ترك منصبه عام 1951 بدعوى اتهامه بنقد الملك وسياساته، ولكن سرعان ما عدل الملك عن قراره وأعاد الشيخ عبد المجيد، لمنصبه في مشيخة الأزهر في فبراير 1952، لكنه لم يستمر طويلاً فاستقال بعد يوليو 1952، تحديدًا في سبتمبر، وحاولت الحكومة وقتها إثناءه عن قراره لكنه رفض الاستمرار.
رفض إصدار فتوى لـ"عبدالناصر" باعتبار الإخوان خوارج
دخل الأزهر في معارك كثيرة مع الرئيس الراحل جمال عبد الناصر أبرزها رفضه إصدار فتوى باعتبار الإخوان المسلمين جماعة إرهابية وخوارج، واحتجاجه على إلغاء المحاكم الشرعية, وكان رئيس الأزهر حينها الشيخ محمد الخضر حسين الذي لم يستمر كثيرًا في منصبه وتقدم باستقالته عام 1954 بسبب الضغوط التي مورست عليه.
كما تعرض الشيخ محمود شلتوت التي تولى المشيخة عام 1957 لضغوط كبيرة انتهت بتقديم استقالته عام 1963، اعتراضًا على قانون الأزهر الذي همش الأزهر وقلل من صلاحيات شيخ الأزهـر وحَدّ من إمكانيات إدارة شئونه، وأعطى بعض هذه الصلاحيات لوزير الأوقاف وشئون الأزهر، وتوفى الشيخ شلتوت في 13ديسمبر 1963م بعد عمر امتد سبعين عامًا.
معارضة قانون "الأحوال الشخصية" لـ"السادات"
في يوليو 1974، قرر الرئيس الراحل أنور السادات تقليص بعض صلاحيات شيخ الأزهر فما كان من الشيخ عبد الحليم محمود شيخ الأزهر وقتها الذي تولى المشيخة فى الفترة من 1973 إلى 1978، إلا تقديم استقالته الأمر الذي أحدث دويًا هائلًا في مصر وسائر أنحاء العالم الإسلامي؛ مما اضطر السادات إلى إصدار قرار أعاد فيه الأمر إلى سابق عهده، وتضمن القرار أن يعامل شيخ الأزهر معاملة الوزير من حيث المرتب والمعاش، ويكون ترتيبه في الأسبقية قبل الوزراء مباشرة، ويكتسب شيخ الأزهر حصانة في منصبه غير القابل للعزل، إضافة إلى أن تقاعده لن يكون قبل 25 عامًا على الأقل.
وعارض الشيخ قانون "جيهان السادات" للأحوال الشخصية، وأكد عدم مطابقة بعض مواده للشريعة الإسلامية، ومع ذلك أصرت الدولة على إصداره فرفض بشدة، ولوح باستقالته، فتم التراجع قليلًا ثم أعادوا المحاولة مرة أخرى قبل وفاة الشيخ، إلا أنه قال: "بعد قليل لن تجدونى ولن تحتاجوا إلى للموافقة على صدور القانون" وبعدها توفى الشيخ، ولم يصدر القانون.
معارضة فتوى لـ"مبارك" بإباحة فوائد البنوك
أما الشيخ جاد الحق علي جاد الحق، تولى المشيخة في الفترة من 1982 إلى 1996 في عهد الرئيس الأسبق حسنى مبارك، وكان شديدًا في الحق ونصرة الإسلام، حيث عارض طلب مبارك بإصدار فتوى رسمية بإباحة فوائد البنوك، وقال مبارك في أحد اجتماعاته مع بعض المشايخ ووزير الأوقاف موجهًا حديثه للشيخ جاد: "بقولك إيه يا مولانا البنوك قربت تفلس والناس لا تضع أموالها بالبنوك.. عايزين فتوى من فضيلتك تنقذ الاقتصاد المنهار وتحلل وضع الفلوس في البنوك لأن الناس بتضع كل ثقتها في الأزهر ودي ضرورات برضه"، فرد عليه الشيخ جاد الحق: "ومن قال لك إني أحرم أو أُحلل؟ إن الذي يُحلل أو يُحرم هو الله ولن تتغير فتواي أبدًا بتحريم فوائد البنوك"، ولم تصدر أي فتوى من الأزهر تبيح فوائد البنوك طيلة حياته.
رفض قانون "الصكوك الإسلامية" لـ"مرسي"
بعد اعتلاء الإخوان، الحكم، بادر الطيب بتغيير القانون الذي يعطى رئيس الجمهورية حق تعيين شيخ الأزهر، بحيث يتم اختياره من قبل هيئة كبار العلماء، وتم الحصول على موافقة المجلس الأعلى للقوات المسلحة وإصدار القرار بالجريدة الرسمية قبل يوم واحد من انعقاد مجلس الشعب، فهددت جماعة الإخوان بإعادة القانون مرة أخرى.
وفي أول يوم رئاسة لمحمد مرسى الحكم وذهابه إلى جامعة القاهرة للاحتفال، انسحب الطيب من الحفل لأنهم أجلسوه في مكان غير لائق بمنصب شيخ الأزهر، بعدها ظهر خلاف الجماعة والطيب على السطح وتمثل في رفض الأخير تعيين ثلاثة "إخوان" نوابًا لرئيس جامعة الأزهر، وظلت جامعة الأزهر من دون نواب لمدة 8 أشهر.
وفي يناير 2013، رفض الأزهر الشريف، مشروع قانون "الصكوك الإسلامية" نظرًا لوجود مخالفات شرعية في بعض بنوده, كما رفض الأزهر حق تملك الأجانب من غير المصريين للصكوك، باعتباره مخالفًا للشرع، لأنه لا يجوز لأجنبي التصرف في الأموال والأصول الثابتة المملوكة للشعب.
رفض "الطلاق الشفوي" لـ"السيسي"
أما الصراع بين الأزهر، والرئيس عبد الفتاح السيسي، ظهرت بوادره، عندما وجه السيسي، رسالة لشيخ الأزهر قائلًا؛ "تعبتني يافضيلة الإمام"، خلال احتفالية عيد الشرطة التي أقيمت أواخر شهر يناير الماضي، قابلها ابتسامة خفيفة من "الطيب".
هذا وطالب السيسي، بهذه الكلمات سن قانون يُنظم الطلاق، وهو ما رفضته هيئة كبار العلماء التي يترأسها الطيب، وأصدر بيانًا اختتمه برسالة فحواها: "على مَن يتساهلون في فتاوى الطلاق،أن يَصرِفوا جُهودَهم إلى ما ينفعُ الناس ويُسهم في حل مشكلاتهم على أرض الواقع؛ فليس الناس الآن في حاجةٍ إلى تغيير أحكام الطلاق، بقدر ما هم في حاجةٍ إلى البحث عن وسائل تُيسِّرُ سُبُلَ العيش الكريم".
وقبل شهر من هذه الواقعة، خلال احتفالات المولد النبوي الشريف، حاول الرئيس السيسي، نفى ما يُثار عن وجود أزمة مع الأزهر وشيخها" الطيب"، عندما خاطب الإمام قائلًا "أنا بحبك ولوفاكرين غير كده تبقى مصيبة"، مما أثار تساؤلات عن طبيعة العلاقة بين هاتين المؤسستين.