كرامات سيدي بدران تتغلب علي عمال الخديوي ... حكاية قصر عابدين (الجزء الأول)
ضربات المعاول تتهاوي حول قصر "عابدين بك" بعد أن أذنت أرملته للخديوي إسماعيل في هدمه وبناء قصر مكانه، شريطه أن يكون القصر اسمه "قصر عابدين"، مساحات واسعة حول القصر وبها بعض الجبانات، أخذ العمال ينقلون تلك الجبانات مجتهدين في الحفاظ علي حرمات الموتي حتي اقتربوا من ضريح لأحد الصالحين يُدعي "سيدي بدران"، وكلما تهاوت ضربات الفؤوس لنبش القبر تمهيداً لنقل رفات صاحبه، يصاب أحدهم بجرح ما يقعده عن العمل، وكأن هذا الولي له كرامات تحصن قبره ضد أن يُنقل من مكانه.
كان ما سبق أحد المشاهد المألوفة التي إعتادها سكان القاهرة، أثناء فترة العمران التي شهدتها مدينتهم علي يد الخديو "إسماعيل"، فقد شهدت قاهرة "المعز" التي تعلقت بها القلوب لأسبلتها التاريخية، وحواريها البسيطة، تغييرًا كبيراً، حيث حولها إسماعيل إلى قطعة من أوروبا لولعه بالتشييد والبناء علي الطرز الحديثة.
ذكر الباحث التاريخي الدكتور "صالح رمضان" في كتابه "الحياة الاجتماعية في عصر إسماعيل"، بأن "إسماعيل" كان شغوفًا بأن يجعل القاهرة على قمة عواصم العالم المتمدن ذات المباني الفخمة، الشوارع الواسعة، والحدائق والمنتزهات.
خصص الخديو "إسماعيل" من أجل عمران القاهرة ديوانًا وبه مجموعة من الموظفين الذين تم تخصيص أموال طائلة لهم لتشييد القصور، وغرس الأشجار، وتخطيط الشوارع الفسيحة، وإقامة الحدائق في أرجاء القاهرة، لذا سُميت القاهرة بـ "قاهرة إسماعيل" نسبة لما قام به من تغيير لملامح قاهرة "المعز".
كان من بين تلك المنشآت التي صرف عليها "إسماعيل" أمولاً عظيمة قصر "عابدين"، حيث أمر ببناء القصر مباشرة بعد توليه حكم مصر في عام 1863م، وأرجع الكاتب "حنفي المحلاوي" في كتابه "ناهد والملك فاروق" أصل تسمية القصر إلي أنه بُني على أطلال منزل لأحد الضباط المماليك في عصر "محمد علي باشا" يُدعى "عابدين بك"، حيثُ اشتراه اسماعيل من أرملته التي اشترطت عليه أن يُسمى القصر باسم زوجها "عابدين" وضم إليه مساحات كبيرة تجاوره، والذي تم تأسيسه بمبلغ 700ألف جنيه، فتم بناء القصر وإزالة ما حوله من جبانات عدا ضريح "سيدي بدران".
ويحتوى قصر عابدين قاعات وصالونات تتميز بألوان جدرانها فالصالون الأبيض والأحمر والأخضر تستخدم في إستقبال الوفود الرسمية أثناء زيارتها لمصر، إضافة إلى مكتبة القصر التي تحوى نحو مايقرب من 55 ألف كتاب.
كما يحتوى القصر على مسرح يضم مئات الكراسي المذهبة وفيه أماكن معزولة بالستائر خاصة بالسيدات ويستخدم الآن في عرض العروض المسرحية الخاصة للزوار والضيوف.
يوجد بداخل القصر العديد من الأجنحة مثل الجناح البلجيكي الذي صمم لإقامة ضيوف مصر المهمين وسمى كذلك لأن ملك بلجيكا هو أول من أقام فيه ويضم هذا الجناح سريرا يعتبر من التحف النادرة نظرا لما يحتويه من الزخارف والرسومات اليدوية.
ويضم القصر متحفا في غاية من الثراء التاريخي حيث كان أبناء وأحفاد الخديوي إسماعيل الذين حكموا مصر من بعده مولعين بوضع لمساتهم على القصر وعمل الإضافات التي تناسب ميول وعصر كل منهم، وقد تم ترميمه ترميما معماريا وفنيا شاملا، وقد شملت هذه الأعمال تطوير وتحديث متحف الأسلحة بإعادة تنسيقه وعرض محتوياته بأحدث أساليب العرض مع إضافة قاعة إلى المتحف خصصت لعرض الأسلحة المختلفة التي تلقاها رؤساء مصر من الجهات الوطنية المختلفة.
أما المتحف الثاني بالقصر خصص لمقتنيات أسرة (محمد على باشا) من أدوات وأواني من الفضة والكريستال والبلور الملون وغيرها من التحف النادرة.
وهكذا أصبح قصر عابدين مجمع للمتاحف المتنوعة تم ربطها بخط زيارة واحد يمر من خلاله الزائر بحدائق القصر مما يتيح للزائر المتعة الثقافية والترفيهية .