"العنوسة".. بين الحرية وقفص الزوجية
يومًا ما حلمت بذاك الرداء الأبيض وتخيلت فارس أحلامي بجواري وكثيرًا من الحب حولي، لم أفكر جديًا أين سأعيش وأين سيكون بيتي الوردي تحديدًا لم اختار معاده، تفصيلا لم أكمل أحداثه.
وتخيلت فرحته وأسكنت روحي فيها ليكتمل ذاك الحلم إلي أن يأذن له القدر ويكون حقيقو وتحت مسمى القسمة والنصيب، وانتظرت الكثير حتى أفاقت روحي على كلمة ترفضها نفسي كليًا وهي "العنوسة".
ظاهرة العنوسة، في تزايد مخيف في أرجاء الوطن، بسبب عزوف البعض وارتفاع الأسعار والحالة المعيشية السيئة، وهي ظاهرة وقف أمامها الكثير من العوائق والجميع اشترك بها سواء الأباء أو الشباب أو الفتيات وترجع إلى أسباب عديدة منها "اقتصادية، اجتماعية، نفسية" والرغبة بعدم تحمل المسؤولية.
وفي الآونة الأخيرة ارتفع عزوف الشباب عن الزواج والسبب النفسي نراه الأكثر لما يتعرض له الشباب من أفكار غريبة عن الزواج، مثل النقاط السلبية المتعلقة بالزوجة والأولاد والمصاريف وتقنين الحرية، مما يؤدي إلى تشويه فكرة الزواج الحقيقية لدى الشاب، وغير ذلك مما يسمعه من مواقف ومشاكل وخلافات زوجية منتشرة على وسائل التواصل الاجتماعي، فكل هذا يؤدي إلى غرس فكرة سيئه للزواج وتأخيره هو تأخير للمشاكل وتحمل المسؤولية.
وهناك انهدام النموذج الأساسي للزواج وهو الوالدين، فعندما تكون العلاقة بين الوالدين جافة وليس فيها حب وود واحترام متبادل، ولو على الأقل أمام الأطفال فهذا يعكس صورة للزواج أنه مشاكل وعدم استقرار فيحبذ الشباب الابتعاد حتى لا يقع في خطأ والديه كما يعتقد، فالشباب يعشقون الحرية وعدم تحمل المسؤولية واعتقادهم أن الزواج هو القفص ولو كان ذهبيًا فهو سجن وتقنين للحرية.
وتعلب الحالة الاقتصادية الدور الأساسي في أزمة العنوسة، وارتفاع معدلاتها، حيث أصبح للأمور المادية والطبقية الأولوية في عملية القبول للشاب وربما للفتاة أيضًا، إلا أنه قد تغيّرت تربية الآباء والأمّهات للأبناء حتى أصبحوا يشعرون أنهم فاقدو القدرة على تحمل المسؤولية، ناهيك عن ارتفاع نسبة الفقر وتفشّي البطالة.
وكذلك الانخفاض الملحوظ في مستوى دخل الشباب، الذي يجعل منه غير قادر على بناء منزل أو حتّى تحمل مسؤوليّات ماديّة جديدة، والتكاليف الباهظة للزواج، والطلبات التعجزية من الأباء فالجميع يحلم بالرفاهية لأبنائه مهما كلف الأمر.
بينما ترى البنت نفسها هي السبب في عنوستها، حيث ترفض من يتقدم لها لأن سقف طموحاتها مرتفع، ولا تفكر بعقلانية، ولا تهتم برأي ناصح، أو تعيش حالة من الخوف فتتردد في الزواج، وهكذا يسير قطار الزواج مبتعدًا عنها، ولا تنتبه إلا وهي تعبر حاجز الثلاثين.
عندها لا يتقدم لها إلا الأرامل والمطلقين، وتبقى برفضها، وعندها تمر السنون مر السحاب، فيصبح عمرها كبيرًا وتستلم للقدر، غير أن البعض مشغول بحياته العلمية وإثبات نفسه حتى وأن كلف الأمر تأجيل جميع الخطط وأن كان على رأسها فكرة الزواج.
ولا ننسي الطرق التقليدية في الزواج، وهي أحد أسباب العنوسة، حيث مازال البعض يلجأ لأساليب بدائية في عملية اختيار الزوجة، وتكون أساليب معقدة وأحيانا غير مجدية، سواء بالاعتماد على والديه في اختيار العروس أو أحد أصدقائه وغيرها من الطرق البدائية التي زادت من تلك الظاهرة.
وأعلنت الأجهزة الرسمية والجهات الإحصائية، أن عدد العوانس في مصر وصل إلى 8 ملايين أي 40% من مجموع الفتيات في سن الزواج تقريبا، وهذا الرقم مرشح أيضاً للارتفاع بسبب الأزمة الاقتصادية والسياسية التي تعيشها مصر في ظل التوتر السياسي، تنتشر العنوسة في مصر بدرجة كبيرة وحسب الإحصاءات الرسمية يوجد في مصر 13 ملايين شاب وفتاة تجاوزت أعمارهم 35 عاماً ولم يتزوجوا، منهم 2.5 مليون شاب 10.5 مليون فتاة فوق سن الـ35. ومعدل العنوسة في مصر يمثل 17% من الفتيات اللاتي في عمر الزواج، ولكن هذه النسبة في تزايد مستمر وتختلف من محافظة لأخرى.