"قصور" و"باشاوات" و"يني" و"ماريكا" و"أغوات" ... إنه حي عابدين

هو أقدم أحياء القاهرة الأوروبية التي أسسها "الخديو أسماعيل"، حيث أنه يحمل أسم القصر الملكي الذي كان يسكنه الباشوات والأمراء، غير أن مجاورة الحي لقصر عابدين الذي كان بمثابة خشبة مسرح سياسي ازدحمت بكافة الوجوه التي تحكمت في مقدرات الشعب المصري معظم أيام الاسرة العلوية، وكان الحي يلعب دور المطبخ الذي كان يجهز كل ما يحتاجه لاعبو القصر وعلي رأسهم الولاه و الملوك، أبتداء من طهي المأكولات وتفصيل الملابس وتطريزها إلي تجميع المعلومات والوشايات اللازمه للقرارات والمراسم، ومعنى ذلك أن هذا الحي شهد ذروة مجد الأسرة العلوية وأيضا رأى نار أنكسارها وزوالها.
الأغوات
كانوا أبرز وأنزه سكان الحي في بداية هبوب الرياح الملكية عليه، وكان يسمح لهم بمصاحبة نساء عليه القوم في كافة شئونهم بما فيها ملازمتهن اثناء الأستحمام فلا خوف منهم لأنهم والسيدات سواء فهم كما يدل أسمهم "الخصيان" قد فقدوا ذكورتهم منذ طفولتهم، وكان أشهرهم في الحي "خليل أغا" خادم الخديوي أسماعيل ووالدته "الوالدة باشا".
بفضل العطايا أصبح "خليل أغا" من كبار أثرياء مصر في ذلك الوقت فقد أمتلك أوقافاً هائلة ضمنها عمارات سكنية في حي القلعة كانت معروفة باسمة وإلي الأن توجد مدرسة باسمه في العباسية، ومن الطريف ان الخديو إسماعيل كان يختار ملابس خليل أغا بنفسه فهو كان خادمة الخاص الذي كان يقدم له فنجان القهوة ويؤدى له كل حاجاته الشخصية في طاعة وخضوع.
موضة الأغوات انتشرت في قصور أمراء وبشاوات الحي والقاهرة برمتها ولكن لم يستطع أحدهم تقليد زي خليل اغا، ليس لأرتفاع ثمنه ولكن خشية الاتهام بمنافسة أزياء خدم الخديو فقد كانت الاسرة العلوية تحرص علي التفرد والتميز عن الشعب في كافة شئونها الخاصة.
سعيد ذو الفقار
كان أشهر باشاوات حي عابدين في بداية تاريخه الملكى، فقد كان كبير أمناء القصر، وقصره في شارع "قوله"، وعند بابه كان يجلس بشكل دائم أغا بيده عصا غليظة يهش بها أطفال الحي، فقد كان "الأغوات" بسبب أناقتهم وطراوتهم المبالغ فيها عرضة لعبث صبيان الحي الذين كانوا يتحرشون بهم ليسمعوا أصواتهم الناعمه.
أمين المالطي
آخر فتوات الحي، تمتع بحماية الإنجليز، ورغم بطشة المتكرر بأبناء الحي لم يكن من حق البوليس المصري التعرض له إلا في حضور القنصل البريطاني الذي اضطر الي نفية الي جزيرة مالطا بعدما اعتدى علي احد الرعايا الأجانب، غير ان هذا العقاب لم يزده الا تطاولاً وغياً بل وراح يتباهى بانه نفي الي نفس الجزيرة التي نفي اليها سعد زغلول.
إسماعيل باشا
المفتش ووزير المالية و صاحب افخم قصور الحي الذي قيل ان الخديو عباس و شقيقة الأمير حسن قاموا باغراقة تحت كوبري قصر النيل حتي لفظ انفاسة الأخيرة.
الجنسيات التي كان يحتويها الحي
عرف الحي جنسيات شتى إنجليزية ويونانية وفرنسية وإيطاليه وتركية وأرمنية، ومن أشهر سكانه الأجانب "سانتو" رسام مجلة "السياسة" الأسبوعية وصاحب الرسومات الشهيرة التي صاحبت مقالات الشيخ عبد العزيز البشري، و"صاروخان" رسام الكاريكاتير الشهير، و"يني" صاحب اقدم حانات حي عابدين وابنته "ماريكا" التي كانت تتميز بجمال خارق دفع "إبراهيم بك" حفيد "احمد عرابي" الي التردد يوميا علي حي عابدين والمكوث بالساعات في حانة يني انتظار لنظرة عابرة منها، كما سكن في الحي الخياط الأيطالي "او مندو" الذي قدم من روما خصيصاً ليصنع ملابس السلطان "حسين كامل" الذي تولي العرش بعد عزل الخديو "عباس حلمي الثاني".
أشهر قصور الحي
وفي نفس الوقت كان أبناء الحي من المصريين علي عداء تام مع سكانه من الباشاوات الأتراك والشراكسة الذين بدأو يبنون قصورهم علي أرضه الي جانب بيوت وقصور المصريين، مثل قصر "سلطان باشا" والد هدى شعراوى الذي كان يمتد في الحي من جامع شركس إلي شارع هدى شعراوى، وقصر "محمود حمدى" بالفلكى وقصر "أحمد عرابي" باشا في المنطقة التي يتوسطها ميدان الفلكي الأن وبالقرب منها كان قصر "محمود باشا سليمان" والد محمود باشا رئيس وزراء مصر في العهد الملكى.