عبد الخالق ثروت .. قاتل الحرية في الصدور حامي حمي الانجليز حتي النهاية
ينتمي شارع عبد الخالق ثروت إلي القاهرة الخديوية التي شيدها "الخديو اسماعيل" في القرن التاسع عشر سواء علي مستوى أسلوب العمارة أو الأتساع ودقة التنظيم أو الموقع الجغرافي، فكثير من سكانه حتى قيام ثورة يوليو كانوا من الرعايا الأجانب.
جغرافيا الشارع
بدايته من شارع رمسيس قلب القاهرة ماراً بشوارع شمبليون وطلعت حرب وشريف وعماد الدين، قبل أن يبلغ نقطة نهايته التي تقع أمام تمثال "إبراهيم باشا" تاج ميدان الأزبكية الذي بالغ الخديو إسماعيل في الاعتناء بمنشأتها وحدائقها لكى يتفاخر بها امام ضيوفه ملوك وامراء أوروبا الذين شدوا الرحال للقاهرة لحضور الاحتفالات الأسطورية التي صاحبت افتتاح قناة السويس، وأيضاً لكى يصنع منها مركزاً ثقافياً وفنياً ومعمارياً جديراً بمجاورة قصر عابدين مقر الحكم في قاهرته ذات الطراز الأوروبي.
في بدايته نري مبنى نقابة الصحفيين ثم كنيسة الطائفة الأرمنية بالقاهرة كما يجاور مبني نادى القضاة، وعلي ناصية شارع شامبليون نرى عمارة ضخمة لبنك الاستثمار العقارى، وبعدها المبني الانبق الهادئ للسفارة السويسرية، وبعد تقاطع طلعت حرب يبلغ النشاط التجاري بالشارع ذروته من خلال عدد هائل من المحلات، وأقدمها "جروبي" الذي يعتبر من أعرق محلات الشارع.
تاريخية المكان
كان الشارع عبارة عن ساحة مهيأه تماماً لراحة مختلف أنواع الحيوانات، خصوصاً "الجمال" فمنذ أيام المماليك ومنطقة الأزبكية بما فيها الثلث الأخير من الشارع كانت عامرة بتلال القازورات والقمامة وأوكار القتلة واللصوص حول بركة مياه راكدة.
في عهد السلطان قايتباي بدأ الأتابك أبو الأمراء "ازبك بن ططخ" تعميرها، واتخذ من أرض الشارع مناخاً لجماله وخيوله، ومن يومها عرفت أرض الشارع باسم المناخ، وظلت تحافظ عليه حتي بعد الإصلاحات الأوروبية التي بذلها الخديو إسماعيل.
التسمية
عبد الخالق ثروت أسم الشارع الحالي هو أحد أبرز رجال السياسة في مصر في الثلث الأول من القرن العشرين، ولد عام 1873م لأسرة تركية دخلت مصر مع دخول العثمانيين، وجمعت بين الثراء والتوغل في الحكم، فوالده إسماعيل عبد الخالق باشا من كبار المسؤلين بوزارة المالية في عهد الملك فاروق، وجده كان من كبار رجال الحكم في أوائل عهد محمد باشا.
نشأته
منذ طفولته داوم علي النبوغ الدراسي وحصل علي المركز الأول في كافة سنوات دراسته التي أنهاها بالحصول علي ليسانس الحقوق، ليبدأ حياته الوظيفية بالعمل في قضايا الدائرة السنية، وتدرج بسرعة في العديد من المناصب القضائية المهمة حتى اختير لمنصب النائب العام وهو لايزال شاباً.
في ذلك الوقت كانت مصر خاضعة للاحتلال الإنجليزي، ومن خلال عمله في مطبخ القضاء، وايضاً من خبراته التي ورثها عن والده وجده حدد بدقة معالم مستقبلة السياسي، واقتنع بأنه مرهون برضا الإنجليز عنه، فبالغ في خدمتهم، وبالفعل نجح في كسب ثقتهم، فعينه المستشار الإنجليزي "مالكوم مكلريث" الذى كان يشغل منصب النائب العام في الحكومة المصرية سكرتيراً له، بل و جعله مندوباً عنه في قضايا الاحتلال الإنجليزي.
وزيراً للحقانية
عين في منصب وزير الحقانية عام 1914م، ومن خلاله بدأ يناوئ الجهود الوطنية التي كان يقوم بها حزب الوفد برئاسة "سعد زغلول" لتحرير البلاد لدرجة انه قيل انه الذي حرض الانجليز علي نفي "سعد زغلول"،ففضلاً عن الإخلاص في خدمة الانجليز لم يتورع ثروت عن الوقوف ضد إرادة الشعب المصري في التحرر،
موقفه من ثورة ١٩١٩
طالب الانجليز صراحة ابان ثورة ١٩ بفرض إدارة مباشرة علي مصر للقضاء علي الاضطرابات، لذلك كان طبيعياً ان يخرج ثروت من وزارة الحقانية الي وزارة الداخلية لكى يتمكن من خدمة الانجليز بشكل أمثل، فواصل جهوده في قمع الشعب المصري واقترف كافة الإجراءات العنيفة المنافية لتقاليد الدستور في سبيل احكام قبضته التي هي قبضة الانجليز علي البلاد، ولم يتردد في الاستعانه بالأحتلال البريطاني لفرض الأحكام العرفية، والدليل انه طلب من السلطات البريطانية اتخاذ إجراءات عقابية بمقتضى الاحكام العرفية ضد "مصطفي كامل" رئيس الحزب الوطني لمجرد انه أرسل برقية من خلال صحيفة (اللواء) الي السلطان "فؤاد" رأي فيها ثروت تطاولاً علي الأسرة الحاكمة لمجرد أنها ذكرت اسم أحد الأمراء مصحوباً بوصف الأمير السابق، لذلك كان ثروت جديراً بأن يصفه سعد زغلول قائلاً (يقتل الحرية في الصدور ويطفئ جذوره الحمية في القلوب ويملأ المعاقل والسجون من الأحرار، ويجعل جزاء الهتاف للاستقلال الإعدام بالحديد والنار).
رئاسة الوزراء
في عام 1922م قبل ثروت ان يتولى رئاسة الوزارة، وبذلك قطع اجماع السياسيين المصريين الذين اتخذوا من رفض هذا المنصب وسيلة للضغط علي الانجليز حتى يقبلوا بالتفاوض حول استقلال مصر، وبالفعل ظل هذا المنصب شاغراً شهرين بعد استقالة "عدلي يكن" فما كان من الانجليز الا أن جاءوا برجلهم القوى والمطيع عبد الخالق ثروت الذي أمعن في مصادرة حرية الصحافة ومنع العديد من اجتماعات السياسيين الذين يطالبون بالاستقلال الكامل، وكان يصدر أوامره اليومية للصحف بالأمتناع عن نشر العديد من القضايا والأخبار والمواضيع لدرجة أن مراسل صحيفة (الديلي هيرالد) وصف تعامله مع الصحافة قائلاً( إن صحف مصر سواء أكانت وطنية أو انجليزية مكممة تماماً، وان جميع المعلومات التي تستقيها كل الصحف تقريباً تصدر عن رجلين أو ثلاثة يعبرون عن سياسة المندوب السامى البريطاني وعبد الخالق ثروت)، فضلاً عن ذلك فهو واصل تطبيق الاحكام العرفية بشكل مستبد وفي عهده كان الشباب يساقون افواجاً للسجون لمجرد التعبير عن المشاعر الوطنية او تأييد الزعيم سعد زغلول.
أستقالته
تلك الإجراءات التعسفية جعلت كافة القوى السياسية في مصر تتحد ضده، فبعد مرور أشهر قليلة علي تشكيل وزارة مارس فيها كل أشكال القهر علي الشعب المصري بدأت سلسلة من الاغتيالات للرعايا الانجليز في مصر، وكانت اغتيالات منظمة لم تستطع إجراءات ثروت ايقافها، فثارت عليه الحكومة البريطانية وجعلها تضحي بتعاونه.
ثم عاد مرة آخري للحياة السياسية بعد ان اختارة"عدلي يكن" لتولى وزارة الخارجية، ثم تولى رئاسة الوزراء مرة أخرى وواصل خدمته للانجليز بشكل اعمق من خلال المفاوضات التي اجراها معهم حول وضعهم في مصر، فقد قدم فيها بصفته رئيساً للحكومة المصرية تنازلات وصلت الي حد أنه أقر التواجد الاستعماري البريطاني في مصر، واعتبره حقيقة لا مناص منها، وبمقتضي ذلك وافق علي بقاء قوة عسكرية بريطانية في مصر، وان يكون لهذه القوة مستشاران في الحكومة المصرية وتدريبه قاصراً علي الضباط الانجليز وبأساليب بريطانية وكل ذلك يدلل علي انه ظل علي اخلاصه للانجليز وضد إرادة الشعب المصري في الاستقلال حتي نهاية مشواره السياسي.