شارع رمسيس " شارع الملك الصغير سابقا"

من أكبر وأطول شوارع القاهرة وأكثرها ازدحامًا على المستوى الشعبي والمروري، فهو شريان رئيسي يصل بين عدد هائل من الأحياء تبدأ بميدان التحرير في قلب القاهرة، وتنتهي بالعباسية بعد أن يخترق بولاق ومعروف ورمسيس والفجالة والسكاكيني، والشارع يستقبل ويودع يوميًا ملايين البشر الذين وفدوا للعاصمة من أقاليم مصر المختلفة، والمناطق المحيطة به تنتشر المؤسسات الصحفية القومية وأنشط النقابات المهنية وأبرز الكنائس، واثنان من أفخم المساجد الحديثة، وأقدم المتاحف والمعاهد الموسيقية في الشرق الأوسط.

بالرغم أن شارع رمسيس الذي احتضن نهر النيل حتى القرن التاسع عشر لم يحظ بالعناية اللائقة من المؤرخين والمعماريين الذين تعرضوا لمسيرة القاهرة وشوارعها، فالمؤرخون عادة يهتمون برصد دائرة ضيقة مركزها الحكام، والشارع ظل طوال تاريخه يحافظ على خصام دائم ومتبادل مع مقر حكم مصر، ابتداء من الفسطاط بعد الفتح الإسلامي وقبله حيث أسوار حصن بابليون، ومرورًا بالقطائع والعسكر وقصور الدولة الفاطمية، وانتهاء بالأزبكية وقصر عابدين، والمنشأت السياسية بقصر العيني وكأنه بذلك يثبت أنه شارع الشعب قلبًا وقالبًا.

حيث أن العديد من مؤسساته شغلها الشاغل التعبير عن هموم البسطاء وتوصيل صوتهم ومطالبهم، والشارع ينظر إلى مقاييس الأناقة التقليدية مثل النظافة والتنسيق ودقة المرور باعتبارها ترفًا ملكيًا لا يليق به ولا يناسبة، لذلك يبدو مبتهجًا بازدحامه بالمقاهي والباعة الجائلين خصوصًا في ميدان رمسيس، وبالجموع الغفيرة من الوافدين والمغادرين الذين يتجولون فيه بأطمئنان شديد يصل الي حد الأستهتار بسبب اطمئنانهم إلى ابتعادهم عن تقاليد مناطق الحكم الصارمة قديمًا وحديثًا.

عباس كان الأسم الأول للشارع، وهو عباس حلمي الثاني الذي تولى حكم مصر بعد وفاة الخديوي توفيق، ومن مفارقات أو مضحكات هذه الفترة أن عباس وقتها لم يكن قد بلغ سن الرشد، أي السن القانونية لاعتلاء العرش وهي ثمانية عشر عامًا ميلادية، غير أن العلماء والسياسيين لم يعدموا الوسيلة لجعل عباس راشدًا وربما شيخًا لو أرادوا، فقرروا الاعتماد على التقويم الهجري بحجة أن البلاد إسلامية، وبالفعل نصبوا عباس الذي كان يواصل دراسته في أحدى جامعات لنمسا، وعاد إلى مصر يرفل في ثوب الخديوية علي اليخت الذي أمر امبراطور النمسا "فرنسوا" بإعداده لنقل الخديوي الجديد وشقيقة البرنس محمد كمال كلف ضابطين من حرسه الخاص بمرافقة سموه حتى أرض مصر المحروسة.

ولموقفه وغضبه من سيطرة الاستعمار الإنجليزي على مصر وإعرابه عن ذلك، فقد استقبله الشعب على شواطئ الإسكندرية وفي القاهرة باحتفالات أسطورية، ورضى بأن يطلق اسمه على شارعه المفضل، على اعتبار أنه سيحرر مصر من الإنجليز.

وبعد عباس حلمي، ظل اسم الشارع ألعوبة في يد الأسرة الملكية، فقد أطلق علية أسم "الملكة نازلى" ابنة عبد الرحيم باشا صبري وحفيدة شريف باشا وسليمان باشا الفرنساوي التي تزوجها الملك فؤاد في دروة أحداث ثورة 1919 ، ولكن وبسبب تصرفاتها أضطر ابنها الملك فاروق إلى رفع اسمها من شارع الشعب وقصره على اسم "الملكة" فقط، وعندما قامت ثورة يوليو أطاحت باسم الملكة من الشارع، وإن كانت حافظت على الطابع الملكي للأسم، فقد اطلقت علية أسم "رمسيس".

يبدأ شارع رمسيس بالجدار الخلفي للمتحف المصري الذي شيد عام 1902، بناء علي تصميم المهندس "مارسيل دورنيون" و يتألف من ثلاثة طوابق، وبجوار جدار المتحف مبائرة يتسع ميدان "عبد المنعم رياض" القائد العسكري العظيم الذي استشهد وهو يقاتل على قناة السويس في حرب الاستنزاف، وأطلق اسمه علي الميدان وكان قبلة يعرف باسم "ميدان الشهداء".

وأيضًا تقع مصلحة الكيمياء بمبناها اللافت تواجه ناصية شارع عبد الخالق ثروت، ومبنى نقابة المحامين التي تقع على واجهة الشارع وتلاصق الصحفيين غير أنها تتمتع بتاريخ أعقد قليلاً، فحتى أول القرن التاسع عشر لم تكن مصر تعرف القضاء الحديث، وبفضل الحملة الفرنسية بدأ المصريين يتعرفون على بعض ملامحه، إلا أن المصريين في ذلك الوقت تعاملوا مع مجرد عقد محاكمة باعتباره نوعاً من العجائب، فقد تعودوا علي مدي سنوات طويلة علي أحكام تصل إلى بتر الرقاب دون محاكمات وبإشارة بسيطة من الحاكم أو أي أحد أفراد حاشيته.

ونجد أيضًا أكاديمية السادات للعلوم الإدارية، تقع بالشارع على مشارف الشهر العقاري بمبناه القائم على أربعة أعمدة على الطراز الفرعوني، ونجد الجمعية المصرية للاقتصاد السياسي والإحصاء والتشريع في مبنى مازال يحتفظ بالطابع الملكي، ومعهد الموسيقى العربية الذي جمع رواد الموسيقى الذي يحافظ أيضاً شعار المملكة المصرية.

ويعد مسجد الفتح ذروة ميدان رمسيس بالشارع ويبدو بقبابة الجميلة ومأذنته الشامخة جديرًا بمواجهة السكة الحديد التي تم تشييدها علم 1855 في اعقاب مد الخط الحديدي بين الإسكندرية والقاهرة ومبناها يتميز بطابعة العربي الإسلامى ويتكون من خمسة طوابق وقد وضع تصميمة واشرف علي تنفيذه المهندس البريطاني "ادوين بانس"، ثم نري بين المحطة والجامع يتدافع في الميدان جيش جرار من البشر من المؤكد أنه لا يوجد ما يقارب ضخامته في أي مدينه في العالم، وأيضًا مئات البائعين الجائليين وسيل جارف من السيارات.

وقرب نهاية الشارع أتيلية آرت جاليري بلوحاته الضخمة المتعددة الذي ينتمى معظمها إلى واقعية عصر النهضة الأوروبي، ثم نجد ناصية القبة الفداوية التي بناها "يشبك بن مهدى" وتقع بالقرب من الكنيسة البطرسية التي تعتبر أجمل كنائس القاهرة وأكثرها فخامة، وفي النهاية يقع مبنى المعهد الأكاديمي لجرحات القلب وحديقة الويلي.