"شامبليون" الفرنسي الذي أحب القاهرة وكره باريس .

منوعات

بوابة الفجر

"جان فرانسوا شامبليون" أحد أشهر الشخصيات بالعالم، وسبب شهرته هو فكه لألغاز حجر رشيد الشهير، وقد جاء "شامبليون" كأحد العلماء المرافقين للحملة الفرنسية علي مصر، وشارك في حركة التنقيب عن الآثار التي تبناها المحتل الفرنسي. 

شارع شامبليون
يبدأ من ميدان التحرير مركز القاهرة التجاري والمروري والسياسي، وينتهي بخلفية مبنى دار القضاء العالي ومبني نقابة الصحفيين، ويتقاطع مع عدة شوارع شهيرة جدًا من بينها محمود بسيونى وعبدالخالق ثروت، وبالرغم مما ارتكبه الاحتلال الفرنسي في مصر، إلا أن الشعب لم ينس فضل "شامبليون" عالم ساهم في فك لغز من ألغاز الحضارة المصرية، وتم إطلاق اسمه علي واحد من أهم الشوارع الحيوية بوسط البلد، ويضم معالم معروفة مثل دار القضاء العالى وقصر شامبليون الذى يعد تحفة معمارية أثرية، وكان أسمه الحقيقى شارع “وابور المياه” وسُمي بهذا الاسم بسبب الماكينات التي كانت تقوم برفع المياه وصبها في أحواض التحلية من ترعه الإسماعليه إلى هذا الشارع وكانت تلك الأحواض تحل محل نقابة الصحفين ودار القضاء العالي في شارع 26 يوليو.

تاريخه
يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالغرب الأوربي، سواء في جانبه الأستعماري المستغل، أو في جانبه العلمى والحضاري والإنساني المشرق، فالشارع يمتد في قلب القاهرة الحديثة التي بناها الخديوي إسماعيل حسب تخطيط يحافظ علي نفس مواصفات أعرق مدن أوروبا، وعلي مشارفه رفرف العلم الإنجليزي فوق ثكنات قصر النيل لتعلن إنجلترا للعالم أن مصر تحت الاحتلال البريطاني، واسمه يرتبط بالفرنسيين ويذكر بحملتهم علي مصر، و في نفس الوقت ينتمي الي الجانب الحضاري المشرق في الغرب .

 العالم  "جان فرانسوا شامبليون"
هناك دائماً جيوش المستعمرين القاتله للمنطقة العربية، و هناك أيضاً وسط حشود هذه الجيوش أشخاص نادرون تمسكوا بإنسانيتهم وعاملوا أبناء الشعوب المستعمرة بما يليق بعراقة حضارتها، وعلي رأس هؤلاء العالم "شامبليون" صاحب الشارع الذي كره باريس، ووقع في غرام القاهرة، 

شامبليون العاشق لمصر وشعبها 
حب "شامبليون" لمصر لم يكن مقصوراً علي تاريخها و آثارها،  وإنما لشعبها أولاً، حيث يقول المؤرخ  "جان لاكويتر" (نراه يهتم بشغف كبير بهذا الشعب الوريث البعيد لتاريخ كله عظة، إلا أن حالته الحالية تؤثر فيه بعمق، وكان شامبليون لا يتحرج اثناء حياته اليومية في صعيد مصر من تقديم نصائحه للفلاحين لكي يتفادوا المضايقات التي كانوا يتعرضون لها من قبل السلطات المحلية، أو لكي يتفادوا تسديد بعض الضرائب المجحفة وعلي الرغم من أن ذلك لم يكن ليخفي عن عيون جواسيس محمد علي باشا . 

رسالة لمحمد علي باشا
و من ناحية أخرى بذل شامبليون كل ما في وسعه للحفاظ علي الآثار المصرية القديمة من النهب، في الوقت الذي كانت المعابد القديمة تفكك و تُستخدم أحجارها لتشييد المصانع و منها مصنع السكر، وعندما علم شامبليون بأنه تم تدمير ثلاثة عشر معبداً من اجمل وأقدم معابد مصر ونهب كنوزها كتب مذكرة لمحمد علي باشا قال فيها  (إنه من مصلحة مصر أن تعمل حكومة سموكم علي الحفاظ الكامل علي الصروح و المباني الأثرية الذي تسبب هدمها في إثارة الأسي في أوروبا كلها).

نشأته 
ولد شامبليون يوم 23 ديسمبر عام 1790 في مدينة "فيجاك" الفرنسية لأب كان يعمل بائعاً متجولاً، وأم ذات أصول برجوازية كانت تعاني من المرض والأمية، وبينما كان شامبليون يطلق العنان لصرخة ميلاده وسط الأحراش الفرنسية، كانت أرض الشارع مجرد ضاحية مهملة تفصل و تصل بين مياه نهر النيل،  ومياه بركة الأزبكية التي كانت محاطه بأفخر قصور الامراء المماليك، كما كان محمد علي باشا جد الخديوي اسماعيل مؤسس الشارع و القاهرة الأوروبية،  مجرد ضابط في الحماية التركية، ولم يكن يحلم بحكم مصر. 

و في عام 1794 شهد شامبليون وهو في الرابعة من عمره حشود جماهير الثورة الفرنسية في الميدان العالي وهي تصرخ " تحيا الجمهورية"  و يومها سقطت بالقرب منه ثلاثة رؤوس بشرية  بفعل المقصلة التي نصبتها الثورة لاعدام اعدائها وسط فرحة الجماهير .

وفي سن الثامنة التحق شامبليون بالمدرسة العمومية، غير أن علي عكس المتوقع لمواهبه لم يكن سعيداً ولا ناجحاً فيها، لذلك سرعان ما منحه مدرسوه لقب التلميذ البليد و السيئ، فقد كان يبغض كل ما يتعلق بالحساب، كما أنه ضعيف في الاملاء، وتسبب ذلك في تكرار معاقبته، فضلاً عن أنه كان يتميز بشخصية سريعة الغضب غير مرتبة، و ربما يرجع ذلك لكونه آخر العنقود، فكان يتمتع داخل الاسره بتدليل عن باقي إخوته، وخارجها كان يكتوي بنار سلطه مدرسية .

كرهه لوالده
لم يكن يحب والده، غير أنه وهو في الرابعة عشرة من عمره كتب قصة قصيرة حكي فيها عن شخص عجوز وزع ثروته كلها علي ابنيه واذ به يجد نفسه وحيداً بعد ان نبذه ولداه و اصبح معدماً، فنصحة أحد الأصدقاء باللجوء الي الحيلة بأن يعلن انه حصل علي كنز كبير وأنه سيترك هذا الكنز لاكثرهما حناناً عليه، فأسرع الاثنان بالاتفاف حوله، وعند وفاة هذا الابن  المسكين لم يجد ولداه بجوار جثته سوى هراوة غليظة و معها ورقة تحتوى علي عبارة تقول هذا سلاح لتأديب الآباء الحمقى لعلاجهم من غباءهم.

هذه القصة لم تعبر قط عن العلاقة التي كانت قائمة بين "جاك شامبليون" وأولاده وآخرهم العالم الجليل، إلا اذا عكسنا مضمونها، فهو لم يتكفل تعليم شامبليون، وجعله يعيش سنوات شبابه مع أخيه .

فك رموز حجر رشيد 
في عام 1822 نجح شامبليون في فك رموز حجر رشيد و حقق معجزته  التاريخية التي أذهلت العالم وفتحت عيونه علي أسرار اللغة والحضارة المصرية القديمة، والتي في ذلك الوقت كانت تبهر العالم كله، غير أنها كانت عصية علي الفهم، ماذا تقول هذه الحضارة، وبأي لغة وما الذي كانت توحي به، رموزها و مقابرها الشامخة، لم يكن أحد يجيب أجابه شافية، تعددت الفرضيات والتفسيرات وبقي الدرس المصري عصيًا علي الفهم ، يشده بعضهم في  اتجاه السحر،  ويدفعه البعض ناحية الرمز،  ويجذبة آخرون نحو العقلانية، وفي جميع الحالات ظل هذا الدرس الغامض هائمًا فوق صفحة النيل ووسط ظلمات المقابر مستريحًا، وربما ساخرًا من إفتراضات علماء الآثار التي تتزاحم حول تفسيره دون طائل، حتي انقذه شامبليون بالتوصل لقراءة صحيحة لرموز اللغة الهيروغليفية علي حجر رشيد.  

شامبليون يصل إلي مصر
وصل الي مصر ليواصل ابحاثه و اكتشافات كنوز الحضارة الفرعونية عام 1827 واستقبله محمد علي باشا في قصره , كما منحه كافة الصلاحيات للبحث و التنقيب عن الأثار الفرعونية و بمجرد نزوله في ميناء الإسكندرية نصب عليه احد الشحاذين , فقد اوهمه أنه مكفوف قال له بفرنسية متقنة( صباح الخير يا مواطن اعطني شيئاً فأنا لم افطر بعد و عندما ناوله بعض النقود الفرنسية وبخه الأعمى و صاح هذه النقود لا تصرف هنا , فما كان من شامبليون المرعوب إلا استدان قرشاً من احد مرافقية و ناوله  له بسرعة ) .
عاش في مصر سنه و نصف لم يتوقف خلالها عن التنقيب عن الآثار الفرعونية ابتداء من اهرامات الجيزة حتي معابد الأقصر و اسوان , و خلال هذه الفترة لم يشك  من حرارة الطقس , بل شعر بانه ابن اصيل لارض مصر فها هو يقول ( اتحمل الحرارة بأفضل ما يكون يبدو اني ولدت في هذا البلد، ويجد الفرنجة اني شديد الشبة بأهلها، شاربي اسود اللون علي افضل ما يكون،  وأصبح طوله محترماً و يعمل علي تأكيد ملامحى الشرقية و بالمناسبة فقد اكتسبت بالفعل العادات المحلية و اشرب العديد من فناجين القهوة، وأدخن ثلاث شيشات في اليوم،  وأخلط كل سحبه نفس برشفة من القهوة ذات الطعم اللذيذ) . 

وفاته 
غادر الاسكندرية الي باريس و في يوم 12 يناير 1732 سقط اثناء لقاء مع احد الأصدقاء نصف مشلول،  غير أنه تحامل علي نفسه، ووضع كتاب قواعد اللغة المصرية قبل أن يفارق الحياة في فجر الرابع من مارس 1832 م.