أحمد متولي يكتب: ليلة سقوط "ماسبيرو" على صوت شيرين
"اطبخي يا جارية كلف يا سيدي" و"الفلوس تخلي العجوز ننوس" و"المال السايب يعلم السرقة" وصولًا إلى مقولة محمد سعد (اللمبي) "الجنيه غلب الكارنية" في فيلم "اللي باللي بالك"، وهي جميعها أمثال شعبية تستحق أن تطلق وبجدارة على مبني عريق في أهميته ومكانته لدى المصريين والوطن العربي جميعًا بحجم مبني "ماسبيرو"، هذا المبني الذي سطر تاريخًا مشرفًا في تاريخ مصر والمصريين بعدما أستطاع أن يقتحم خلوة كل أسرة ويغير مفاهيم ومعتقدات ويضيف لهم ثقافات مختلفة ومتنوعة خلاف الثقافات المصرية المتعارف عليها، إلا أن صدمتنا فيه كانت كبيرة بظهور الإعلام الخاص بجواره أو ما يسمي (قنوات كبار رجال الأعمال) ومنذ ذلك الحين وبدأت تتلاشي الثقافات والمبادئ وبدأت تلعب المصالح الشخصية حسابات أخرى، إلى أن وصلنا لثورة 25 يناير وبدأ التشيك في وطنية هذا المبني العريق وبدأ الجميع يسأل ((هل هو تابع للشعب أم هو مجرد مبني تتحكم فيه الدولة ليصبح صوت الحاكم فقط؟)).
"ماسبيرو"
هذا المبني الذي دخله "عبدالناصر" و"السادات"
و"مبارك" وألقوا فيه خطب تاريخية للشعب المصري أصبح يتهرب منه الجميع
ولجأ رؤساء مصر خاصة بعد ثورة 25 يناير أن يتركوه ويظهرون على قنوات خاصة معروف
انتمائها وأجنداتها وفقد التلفزيون المصري بريقه في الوقت الذي أصبح لا يقدم فيه
شيء جديد فجميع أفلامه قديمة وبرامجه أفكارها عفا عليها الزمن بمراحل وأصبح هذا
المبني لا يحوي سوى على موظفين ترى فيهم الدولة أنهم أصبحوا عالةً عليها يجب
التخلص منهم في أقرب فرصة، ووجدنا قوانين تخط على أرض الواقع للحد من أزمة ماسبيرو
التي تكبد الدولة خسائر سنوية تقدر بمليارات الملايين، وأصبح الحل الذي لا يوجد
غيره هو التخلص من هذا المبني العجوز وموظفيه في أقرب فرصة رغم أن فيهم مبدعين
وعباقرة لم يلتفت إليهم أحد.
بافتتاح شبكة
قنوات DMC الجديدة وبحضور هذه الكوكبة الكبيرة من النجوم الذين شاهدناهم أمس
على شاشات التلفزيون، وبالحفلة الغنائية لشيرين عبدالوهاب التي صاحبت الافتتاح، أستطيع
أن أجذم بما لا يدع مجالًا للشك أن ليلة سقوط
"ماسبيرو" بدأت أمس بإطلاق هذه الشبكة التي تدعمها الدولة بكل طاقتها -وهذا
ليس سرًا على أحد- ببرامجها الجديدة وبكوكبة النجوم والإعلاميين الذين سيظهرون على
شاشتها، وكان من الأجدر للدولة ورجال أعمالها أن يدعمون مبني عريق مثل
"ماسبيرو" ويطوروه بإمكانياتهم المادية والمعنوية والفنية باعتباره
تلفزيون الشعب، وعدم إنشاء إعلام خاص بديل للتلفزيون المصري الذي فقد بريقه بل
وفقد سمعته بين القنوات التي نطلق عليها (قنوات بير السلم التي أصبحت تذيع أفلام
حصريًا ولأول مرة مازالت تعرض في دور العرض السينمائية في نفس التوقيت)، من منا
يشاهد القنوات الأولى والثانية وقنوات الدلتا والصعيد بل والقنوات المتخصصة؛ فجميع
الأفلام الجديدة والحصرية تعرض على قنوات خاصة، ومباريات الكرة متاحة لكل القنوات
وبتعليق لأشهر المعلقين المحبوبين في الوطن العربي، وحتى النشرات الإخبارية
للتلفزيون المصري أصبحت تنافسها فيها عدد من القنوات الأخرى المتخصصة في الأخبار
لمدة 24ساعة ومباشرة.
نعترف أن "ماسبيرو" أخطأ في حق
الشعب بعدم تقديمه كل جديد ومميز رغم أن العاملين في القنوات الخاصة حاليًا هم من
أبناءه، ونعترف أن "ماسبيرو" أخطأ في حق الرئيس "السيسي" أكثر
من مرة؛ مابين الخطأ في اسمه ومابين قطع خطاباته ومابين رداءة الصوت والصورة في
نقل أحاديثه الصحفية، ولكن مع اعترافنا بكل هذا كان لا يجب على أن نحكم جميعًا على
"ماسبيرو" بالإعدام، وبدلًا من أن نعاقبهم ونعلق لهم المشانق وأن نعاير
العاملين فيه بأنهم أصبحوا عالة على المجتمع كان لابد أن نقف بجوارهم شعبًا وحكومة
ورجال أعمال، ومثلما تكاتف الجميع من أجل إنشاء إعلام خاص، كان لابد أن نتكاتف
لنعيد لـ"ماسبيرو" هيبته المفقودة كما قال المثال الشعبي "اطبخي يا جارية كلف يا سيدي"؛
إذا فمن أين سيقدم لنا "ماسبيرو" من جديد ونحن لا ندعمه ماليًا ومعنويًا
بل ونحاربه ونحارب تطويره ونجلب له رؤساء لا يفقهون فى تطويره شيئًا سوى تغير شعار
(لوجو) القناة، وتعيين رئيس القناة الثانية رئيسًا للقناة الأولي وحذف برامج لا
يشاهدها أحد ووضع خريطة برامجية جديد لن يشاهدها أحد أيضًا لأن ما يبحث عن
المصريين وغير المصريين متاح الآن على DMC وغيرها من القنوات الخاصة
الأخرى، فلا عزاء لـ"ماسبيرو" الذي سيُعلن هيكلته خلال أشهر قليلة وقد
لا ترى قنواته النور مرة أخرى ويكون هذا المقال مجرد شاهد على ليلة سقوط "ماسبيرو" أمام سطوة القنوات الخاصة
المدعومة من السلطة الحاكمة.
للتواصل مع الكاتب:
Ahmed Ramadan