عبد الحفيظ سعد يكتب: محمد كمال.. «شماعة» الإخوان للهروب من المسئولية عن الإرهاب
إبراهيم منير يروج للفكرة على طريقة حسن الهضيبى مع سيد قطب والنظام الخاص
■ «كهنة التنظيم» يسعون للتبرؤ من عنف الجماعة لترويجهم للمصالحة بناء على توجهات حلفائهم فى الخارج والتغييرات الإقليمية
تظل الإجابة عن سؤال كيف استمر تنظيم الإخوان على مدار 9 عقود أمراً محيراً.. خاصة فى ظل تاريخ حافل للجماعة مع العنف والمؤامرات، وممارسات تصل لحد خيانة الأوطان، بوقائع مثبتة ربما شاهدناها أمام أعيننا على مدار الست سنوات الماضية، سواء بتعاون التنظيم المفضوح مع أجهزة مخابرات عابرة للدول، وعدم التردد فى تنفيذ ما تطلبه منهم، والتى كانت حاضرة أمام أعيننا عندما وصل هذا التنظيم للحكم.
لكن لا تعد شبكة العلاقات الجاسوسية واللعب بالأوراق الخفية، مبررا مقنعاً وكافياً لتفسير سر استمرار هذا التنظيم.. فعشرات التنظيمات العقائدية والسياسية، لعبت أجهزة دول دورًا فى إنشائها، لكنها اختفت أو انكمشت فور أن ينتهى الغرض منها.
غير أن «الإخوان» كان من الاستثناءات القليلة، التى حافظت على قاعدة البقاء.. من ثلاثينيات القرن العشرين حتى ثورة 30 يونيو، والتى أعقبها تطور جديد فى تاريخ الإخوان، بعد أن تعرضت لمواجهة مع الشعب.
لكن كان الأخطر بالنسبة للإخوان، هو تورط التنظيم عقب 30 يونيو بتنفيذ عمليات إرهابية، وذلك فى خطاباته وبياناته المعلنة، وتهديداته العلنية بالعنف، وصل لحد حدوث تحول فى التنظيم تمثل فى كشف وجهه القبيح بالتحول للعنف المسلح، والذى ارتبط بتشكيل عدة خلايا مسلحة، لتنفيذ عمليات إرهابية تنوعت ما بين القتل والقيام بأعمال تخريبية فى المرافق. وارتبط تنفيذ هذه العمليات الإرهابية، بما يعرف بـ«اللجان النوعية»، وهو التنظيم المسلح الذى أنشأه التنظيم وكان يشرف عليه مكتب الإرشاد، والذى اعتمد هذا الكيان بحجة أنها إحدى أدواته لـ «العمل الثورى».
وعملية التغيير النوعى فى الإخوان باللجوء للعنف، على عكس ما أشاعه التنظيم على مدار عقود، بعد عودتهم للعمل العام عقب الصلح مع السادات، والتى تبرأت قيادات الإخوان فى أعقابه من عمليات العنف التى حدثت فى فترة الملك فاروق، قبل أن يحل التنظيم «أول مرة» عقب عمليته الإرهابية باغتيال القاضى أحمد الخازندار، ومحاولة تفجير محكمة القاهرة، ووصولا لاغتيال رئيس وزراء مصر الأسبق النقراشى، وأيضا عمليات العنف التى خطط لها التنظيم، عبر الصدام مع جمال عبدالناصر.
ونجد أنه عندما بدأ الإخوان فى محاولات الصلح مع السادات، كان لابد من مخرج له، لنفى تورط التنظيم بعمليات العنف، وخرج وقتها مرشد التنظيم حسن الهضيبى بكتابه «دعاة لا قضاة»، والذى أعلن فيه تبرؤ الإخوان من أفكار سيد قطب، والإعلان أنها أفكار لا تحمل توجه الجماعة، وظل الإخوان من بعدها على هذا المنوال بالتبرؤ من العنف، ومحاولة إلقاء المسئولية على سيد قطب وحده فى فترة عبدالناصر أو النظام الخاص فى فترة الملك فاروق.
وربما الحديث يعيد نفسه، بصورة متكررة، مع لجوء الإخوان للعنف والإرهاب عقب 30 يونيو، وهو السيناريو الذى صار فيه الإخوان اعتقادًا منهم أنه سوف يمثل ورقة ضد على الدولة المصرية، لكن بعد فشل هذا السيناريو على الأرض، خاصة مع وجود توجهات دولية وإقليمية، بمواجهة العنف، حتى من الدول التى كانت تدعم الإخوان مثل تركيا التى وجدت نفسها تقع فريسة هى الأخرى للعمليات الإرهابية، وبات استمرار دعمها للإخوان فى ظل اتهامهم بالعنف، يصعب استمرارها فى دعم للإخوان، خاصة مع تحولات أنقرة وتقاربها أكثر مع روسيا، مما يجعل استمرار احتضانها لتنظيم الإخوان «الإرهابي»، يمثل حرجا لها، خاصة بعد انقلاب «السحر على الساحر» وباتت تركيا مهددة أكثر من خطاب العنف داخلها.
ومن هنا بدأ اتجاه الإخوان للبحث عن مخرج للتبرؤ من عمليات العنف والإرهاب الذى تورط فيه كوادر وعناصر التنظيم عقب 30 يونيو، خاصة العمليات التى ارتكبها اللجان النوعية التى كان يشرف عليها عضو مكتب الإرشاد الذى تمت تصفيته فى بداية أكتوبر الماضى.
وبنفس الأسلوب القديم الذى اتبعه حسن الهضيبى فى تحميل «سيد قطب» فاتورة العنف التى حدثت فى الستينيات للتمهيد للمصالحة مع السادات، بدأ الإخوان يبحثون عن «شماعة»، للتحمل فاتورة المسئولية عن الإرهاب، وكان «محمد كمال»، هو الورقة هذه المرة، وظهر ذلك فى الرسالة التى بثها السبت الماضى أحد كهنة التنظيم إبراهيم منير والتى حملت عنوان «وقفة مع النفس»، ألمح فيها لدور محمد كمال فى المسئولية عن العمليات الإرهابية التى نفذتها اللجان النوعية للتنظيم، عندما ربط بينه وبين سيد قطب وعبدالقادر عودة الذى أعدم فى قضية محاولة اغتيال جمال عبدالناصر فى حادث المنشية عام 1954.
ويظهر من رسالة منير التى كان يوجهها فى الأساس، لمجموعة التنظيم التى كانت تؤيد محمد كمال قبل مقتله فى صراعه مع محمود عزت القائم بأعمال المرشد، والتى أعلنت الأسبوع الماضى أنها أجرت انتخابات داخلية واختارت قيادات جديدة للتنظيم، بدلا من مكتب الإرشاد الحالى. واعتبر فيها أن ما أعلنته هذه المجموعة من قرارات لن يعترف بها التنظيم، كما أنه أراد أن ينسب لهذه المجموعة أنها مسئولة عن العنف، باعتبارهم فى الجبهة التى كان يتزعمها محمد كمال قبل مقتله.
ما ألمح إليه إبراهيم منير الذى يعد حاليا القائد الفعلى للتنظيم، بحكم سيطرته على التنظيم الدولى، تتماشى تماما مع الاعترافات التى أدلى بها ثلاثة من أعضاء مكتب الإرشاد وهم محمود غزلان وعبد الرحمن البر، وطه وهدان، فى أثناء التحقيق معهم فى قضية اغتيال ضابط الشرطة العقيد وائل طاحون، واستهداف القضاة وأفراد ومنشآت القوات المسلحة والشرطة والمنشآت العامة، والتى أكدت فيها ثلاثة الإرشاد أن القيادى محمد كمال، عضو مكتب الإرشاد، كان صاحب فكرة إنشاء «لجان العمليات النوعية» التى تقوم بتنفيذ عمليات عنف وقتل وإرهاب فى عموم البلاد.
وأكد غزلان فى التحقيقات، أن «كمال» كان ينقل إلى مجموعات الشباب الذين أطلق عليهم «لجان العمليات النوعية»، تكليفات باسم مكتب إرشاد الجماعة «بالمخالفة للحقيقة والواقع»، على حد قوله، مشيرا إلى أن محمد كمال حينما علم بكشف مخططه أمام مكتب الإرشاد، قام بمهاجمة أعضاء المكتب، ونزع عنهم الشرعية فى إدارة الجماعة.
كما أقر غزلان بأن عددا من شباب جماعة الإخوان، لجأوا إلى العنف وحمل الأسلحة فى المسيرات، ورفضوا مبدأ السلمية فى التعامل مع الدولة، زاعما أن هذا المبدأ كان على غير إرادة جميع أعضاء مكتب إرشاد الجماعة والذين كانوا يرفضون بصورة قاطعة حمل شباب الجماعة للأسلحة فى أثناء المسيرات أو حتى فى تأمينها، وضرورة التزام السلمية التامة ولفت إلى أن «قيادات جماعة الإخوان» كان يتم إخطارهم بأن العمليات النوعية باتت تستهدف الأرواح دون أن يعلموا المحرض عليها، لافتا إلى أن هذا الأمر يخالف مبدأ ومفاهيم جماعة الإخوان، حسب زعمه.
بل إن «غزلان» ذكر فى نص التحقيقات أنه حذر محمد كمال من مغبة تلك التصرفات خاصة أنه يترتب عليه إزهاق الأرواح والذى كان بدوره لا يتطرق إلى أى تفاصيل أو معلومات عن تلك الأمور، مضيفا أنه حينما علم مكتب الإرشاد بوقوف «كمال» وراء تلك العمليات، ارتأى المكتب «أن نسحب منه سلطة التحكم فى بعض شباب الإخوان، خوفا من أن تنزلق البلد فى حرب أهلية أو أن يتحول الوضع فى مصر ليصبح مثل سوريا، وخوفا على مبادئ الجماعة وسمعتها وحرصًا على شبابها».
وتطابق ما ذكره غزلان فى التحقيقات، مع ما قاله عضو مكتب الإرشاد عبد الرحمن البر والمعروف بـ«مفتى التنظيم»، وأيضا عضو مكتب الإرشاد طه وهدان، والذى يسير فى نفس الاتجاه بدأ يروج له إبراهيم منير أمين التنظيم الدولى، فى محاولة من التنظيم كعادته فى التبرؤ من الإرهاب، بإلصاقه بقيادة منه، خاصة إذا كان هذا القيادى رحل، ولن يتمكن من الدفاع عن نفسه، كما حدث فى السابق مع سيد قطب، والنظام الخاص، ويتكرر الآن مع محمد كمال، فى سيناريو أدمن الإخوان لعبه طوال تاريخهم.. هكذا الإخوان.