أحمد سامي يكتب: حقًا.. إحنا أسفين يا "جنينة"
لم أتردد يومًا أو تعتريني الريبة، في أن المستشار هشام جنينة رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات، سيتم التضحية به، من منصبه، بعدما اقتحم عش دبابير أباطرة الفساد والمفسدين في مصر، وفضحهم على رؤوس الأشهاد، وأزال الغطاء عنهم، ليظهرهم على حقيقتهم أمام الرأي العام.
ولست هنا في وضع تلميع شخص "جنينة"، فقد كانت له مواقف سلبية معي، ولم أكن من المؤيدين له، ولكني شعرت الآن، ككثيرين بأنه ينبغي أن نرفع له القبعة لوقوفه وإصراره، على فضح الفاسدين والمرتشين، الذين يفضح الله أمرهم، الآن، واحدًا تلو الآخر، بعد عزله من منصبه.
"جنينة" له ما له وعليه ما عليه، وله مؤيدين كما أن له معارضين، كل كون رأيه عنه، وكل فريق اقتنع بوجهة نظره، المؤيدون يرون أنه ضحية كشفه أباطرة الفساد واقتحم عش الدبابير، فكان من الطبيعي أن يكون مصيره السجن عقابًا له على فعلته، والمعارضون يرون أنه ذو أجندة أجنبية ويريد الإساءة إلى الدولة وسمعتها ويبغى تشويه سمعة النظام الحالي باعتباره، قد تم تعيينه في عهد المعزول مرسي، ومن ثم فهو إخواني ويريد الانتقام من الرئيس السيسي وكل من جاء بعد 30 يونية.
كشف الرجل باعتباره أكبر رئيس جهاز رقابي في مصر، عن حجم فساد ضخم، بنحو 600 مليار حنيه – رقم ضخم، كان له طيب الأثر على الاقتصاد المصري، لو تم تحصيله، وخفف من حدة الإجراءات التقشفية، التي اتخذتها الدولة الآن - وسلط الضوء على أماكنه وحددها بأنها في جهات سيادية ووزارات كالداخلية والقضاء وغيرها، ومن هنا كانت القشة التي قصمت ظهر البعير، وفتحت أبواب جهنم عليه.
ولم يخف الرجل هنا، من مناصب هؤلاء الفاسدين، أو حاول ابتزازهم كما يحدث، أو استنفع وتربح من منصبه، وإلا كان حتى كتابة تلك السطور، باقٍ في منصبه، له أرصدة وعقارات ونفوذ قوي، ولكنه فتح صدره، وقرر أن يمارس دوره الدستوري، ويعمل وفق ما يمليه عليه ضميره.
ولم ينطق الرجل بوقائع الفساد تلك، من قبيل التخمين أو التوقعات، ولكن بالمستندات التي رفعها إليه أعضاء الجهاز كل من جهته التي يعمل بها في وزارة أو هيئة أو مصلحة حكومية، ولم يتجاوز القانون بعرضه تلك الوقائع على الرأي العام أو الفضائيات قبل عرضها على جهات التحقيق، فقد ملَّ الشكوى إلى جهات التحقيقات كما ذكر، وكان مصيرها الأدراج – حسب قوله –، ولكن كان القرار قد اتُخذ بتنحيته وعزله من الجهاز ليقف عن "الزن ووجع الدماغ" و"ميصدعش دماغ" الدولة التي تحارب الفساد.
وبعد مرور فترة على عزله، تكشفت وقائع فساد أبطالها شخصيات مرموقة ورفيعة المستوى نظرًا للأجهزة والجهات التي يعملون بها، وأول هذه الوقائع كان ضبط رئيس محكمة في الشرقية، متلبسًا بحشيش ومخدرات، في أثناء تفتيشه بكمين، قرب نفق الشهيد أحمد حمدي، وتكشف في التحقيقات أن هناك عصابات كبرى تستغل حصانته في تهريب الممنوعات مقابل رُشىً، فكيف له أن يكون وما قد تحصل عليه في وظيفته، وقد تجرد من ضميره وشرف مهنته وزي المهنة التي هي من أسمى المهن في مصر، وهي مهنة القضاء.
ولم تكن تلك الواقعة الوحيدة، فقد ضبطت هيئة الرقابة الإدارية أمس، أكبر قضية رشوة في مصر، بطلها المدير العام للمشتريات والتوريدات بمجلس الدولة، وفي بيته 24 مليون جنيه و4 ملايين دولار، ومليوني يورو، ومليون ريال سعودي، وكمية كبيرة من المشغولات الذهبية، تقريبًا 150 مليون جنيه.
هاتان واقعتان فقط، تكشفتا للرأي العام، في فترة ليست بعيدة بعد عزل المستشار هشام جنينة، وقريبتين من بعضهما، وكأن الله يريد أن يظهر صدق "جنينة"، ويرشد الدولة إلى ضرورة الأخذ بكلامه والضرب بيد من حديد، على الفسدة المفسدين، وأنا تراجع مستندات الجهاز التي قدمها "جنينة" عن فساد الـ600 مليار، وتحصل تلك الأموال الطائلة، وتنفقها في مصادر تخفف من معاناة الشعب الذي أصبح بين شقى الرحى.
كان ينبغي لدولة تلملم جراحها وتعاني أوضاعًا اقتصادية مزرية، أن تساند كل محارب للفساد، وبالطبع "جنينة"، الذي بُح صوته، وطرق كل أبواب جهات التحقيق، بدءًا من النائب العام وحتى الرئاسة، وأن تحقق في مستندات جهازه، بدلًا من عزله، لتكتشف بعد ذلك قضايا فساد كبيرة تثبت صدق كلام "جنينة"، وتحرجها أمام الرأي العام.
أما آن للدولة أن تعتذر لهذا الرجل الآن، على ما تعرض له، ولأسرته، حيث يحاكم بتهمة بث أخبار كاذبة عن حجم الفساد في مصر، وكل يوم يثبت لنا صدق روايته عن الفساد، كما فصلت ابنته من عملها بالنيابة، أما آن لنا جميعًا أن نقولها الآن، وبكل قناعة "آسفين يا جنينة".