حصاد تركيا خلال 2016.. أحداث زلزلت الدولة أشهرها الانقلاب الفاشل واغتيال السفير الروسي
برغم التطور الكبير الذي عاشته تركيا لفترات ليست بالقليلة، لا سيما مع التقدم الذي لحق بها، إلا أن عام 2016 حمل الكثير والكثير، وحضر به العديد من المفاجآت، حيث حمل للأتراك الكثير من المفاجآت والتقلبات السياسية الداخلية، وهو الأمر الذي غيّر بعض الشئ في الوجهة التركية مع رئيسها رجب طيب أردوغان والذي اتخذ العديد من الإجراءات التي ربما سيكون لها مردود مستقبلي في الأعوام المقبلة.
وفي السطور التالية ترصد "الفجر" أهم مظاهر التحول والقرارات التي تمثل حصادا للدولة التركية لعام 2016 في ظل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان:
أحداث سياسية بارزة
شهدت تركيا على مدار العام 2016 والذي قارب على الانتهاء، العديد من الأحداث السياسية البارزة والتي أدت إلى نقاط تحول كبيرة للغاية، كان من أهمها:
الانقلاب الفاشل
يعد من أهم الأحداث التي شهدتها تركيا في عام 2016 وتحديدا في، منتصف يوليو الماضي، والذي كان على مقربة كبرى من الإطاحة بالرئيس التركي أردوغان وحكومته، إلا أن الحظ لم يحالف المنقلبين عليه، وحدثت بعدها جملة من التغييرات السياسية لدى الحكومة التركية، حيث مارس أردوغان سلطات سلطوية، قام بها بالقبض العشوائي على كثيرين، من أبناء المؤسسات العسكرية والتعليم والقضاء وغيرها من المؤسسات، مما جعل أردوغان يتمكن تمكنا غير عاديا في مفاصل الدولة التركية ومؤسساتها.
تراجع الحريات
كان من أهم الوجوه التي برزت في تركيا لعام 2016 هو تراجع الحقوق والحريات بشكل كبير للغاية، فعقب فشل محاولات الانقلاب العسكري، أعلنت وزارة التعليم التركية عن إقالة 15200 من العاملين بالوزارة على خلفية محاولة الانقلاب، وأوقفت السلطات التركية 100 من أفراد المخابرات التركية العامة عن العمل للاشتباه باتصالهم بغولن، وعزل 492 شخصا من العاملين في مجال الشؤون الدينية، وإعلان عن إجراءات قانونية بحق 9322 شخصًا، ودعا مجلس التعليم الأعلى في تركيا لإقالة 1577 من عمداء الكليات ورؤساء الجامعات، بالإضافة إلى إلغاء تراخيص محطات راديو وتلفزيون بتهمة ارتباطها بالداعية فتح الله غولن، كما كثف النظام التركي من عمليات التطهير، التي قام في ظلها إقالة آلاف الشرطيين، وأكدت حينها الأمم المتحدة على أهمية احترام الحقوق الأساسية كحرية التعبير وإجراء محاكمات عادلة، وذلك من أجل الحفاظ على الديمقراطية في تركيا، إلا أن هذه الأمور باتت عادة في تركيا في ظل الظروف القاسية.
التعديلات الدستورية
وكان من جملة تأثيرات الإنقلاب الفاشل على أردوغان، أن قام الأخير بمطالبة تعديلات دستورية، من شأنها تعمل على توسيع صلاحياته التنفيذية وتبقيه في سدة الحكم حتى عام 2029، كما أكد محللون، حيث يأمل حزب العدالة والتنمية الحاكم في البلاد تمرير هذه التعديلات في استفتاء من المقرر أن يجرى في العام المقبل، عاود أردوغان الحديث عن هذه التعديلات وطالب بها حقيقة في شهر نوفمبر الماضي، والتي ستؤدي بالتأكيد في حال إقرارها إلى تعزيز سلطات النظام الرئاسي في تركيا، والمعمول به أيضا في الولايات المتحدة وفرنسا.
اغتيال السفير الروسي
كانت من أهم المفاجآت التي حملها عام 2016، لأردوغان وتركيا، حيث قتل السفير الروسي في تركيا "أندريه كارلوف"، في 19 ديسمبر من العام الحالي، إثر هجوم مسلح داخل معرض فني في أنقرة، بينما قتلت الشرطة التركية المهاجم الذي أعلن أنه نفذ العملية انتقاما لمدينة حلب السورية، جاء هذا على يد "مولود مرت ألطن طاش" وهو من مواليد ولاية أيدن غربي البلاد، وكان يعمل في قوات مكافحة الشغب بأنقرة، وكان هذا الحادث لديها العديد من ردود الأفعال الدولية ليس فقط على المستوى المحلي لدى تركيا وإنما لدى جميع دول العالم.
الصعيد الداخلي لتركيا
كما شهد الداخل التركي العديد من الأمور الخاصة، والتي تمثل نقطة جديدة في مسار التوافق الداخلي التركي، والتي برزت معظمها جميعها خلال هذا العام كان من أهمها:
التصعيد الأقوى ضد الأكراد والتقارب مع معارضيهم
فمنذ مطلع العام الحالي 2016، عكف أردوغان على ضرورة العمل الجاد في التصدي لقوى الأكراد المختلفة، ففي ظل استثمار الانقلاب الفاشل في هذا الملف، صعّد الرئيس التركي من حملته العسكرية، ضد حزب العمال الكردستاني، من خلال التقارب مع جمهور القوميين الأتراك، المعادين للقضية الكردية، وعلى رأسهم، حزب الحركة القومية، اليميني، الذي بات يدعم سياسات أردوغان، عقب الانقلاب الفاشل، وهو من الأمور التي شهدها أيضا هذا العام، حيث التقارب من جهة مع القوى الكردية المعارضة لسياسات حزب العمال الكردستاني، وهو ما يعزز تنفيذ رؤى أردوغان التي يرمي إليها.
رفع الحصانة عن معارضية
كان أيضا هذا من جملة التغييرات التي قام بها أردوغان في هذا العام، فبعد الإنقلاب الفاشل، تم تسريع الأمور، في هذا الشأن وتم إصدار البرلمان التركي لقانون يرفع الحصانة الدبلوماسية عن نواب أكراد، برغم عدم تمكن أردوغان من فعل ذلك في أوقات سابقة، مما جعله متنفذا في أحكام الإعتقالات لهؤلاء المعارضين من الأكراد، ومن ضمن أهم الشخصيات التي اعتقلها، كان زعيم حزب الشعوب الديمقراطي، المقرب من "الكردستاني" صلاح الدين دمير طاش، تمهيدًا لمحاكمته وزملائه، بتهمة التعاون والترويج للحزب الكردستاني.
حركة "خدمة" والتضييق الذي لاحقها
كما شن أردوغان جملة حملات أيضا على العديد من الحركات الداخلية، وكان من أهمها الحملات الأمنية ضد عناصر حركة "خدمة"، والتي لم تتأثر بأي شئ في السابق، إلا أن الانقلاب أدى إلى تحول كبير، حيث فرضت حالة الطوارئ.
السيطرة على الجيش التركي
ومن جملة التغييرات التي شهدها عام 2016، هو سيطرة رجب طيب أردوغان على الجيش التركي واطمئنانه الكامل بالتغلل فيه، حيث تمكن لأول مرة منذ سنوات من شن حملات تطهير واسعة أعقبت الانقلاب الفاشل ساهمت بشكلٍ كبير في إعادة هيكلة المؤسسة بما يتناسب مع رؤى الرئيس التركي، وهو الأمر الذي وصف بالاحتواء الكامل للمؤسسة العسكرية وهيكلتها وفق رؤية حزب العدالة والتنمية.
السيطرة على القضاء
كما كان القضاء ضمن المؤسسات التي حضرت بقوة في مشهد هذا العام في تركيا، حيث تمكن أردوغان من فرض سيطرته على المؤسسة القضائية، عبر تأسيس محاكم الصلح والجزاء التي يرى فيها معارضون ضربة قاسية للحريات في تركيا، والتي وصفها البعض بأنها ترمي إلى احتواء المؤسسة القضائية.
تلاشي دور الإعلام المعارض
كما تلاشى دور الإعلام المعارض في تركيا كثيرا، بعد أن قام أردوغان بعمليات الملاحقة والإغلاق والمصادرة، وفصل الصحافيين العاملين في تلك الكثير من المؤسسات الإعلامية والصفية، مما أحدث خلاء كامل للساحة الداخلية في تركيا من الصحف المعارضة، بعد أن شنت السُّلطات سلسلة حملات اعتقال لصحافيين بارزين؛ كان آخرها حملة اعتقالات طالت آكين أتالاي، رئيس مجلس إدارة صحيفة “جمهورييت” المعارضة، في 11 من نوفمبر الماضي، بعد أيام من اعتقال تسعة من الصحافيين العاملين فيها، بتهمة دعم المحاولة الانقلابية، فضلا عن إغلاق 170 مؤسسة إعلامية ، كما اعتُقِل 105 صحافيين أتراك، وأُلغِيت 777 بطاقة صحافية منذ الانقلاب الفاشل.
السيطرة على الحكومة
وغدت الحكومة التركية في ظل عام 2016 وما طرأ عليه من أحداث، تابعة تماما لشخص أردوغان، كما أكدت المعارضة التركية، حيث بات أردوغان يترأس بشكل دائم اجتماعات رئاسة الوزراء،مما جعلها تتحول بالكامل لمجرد صدى لإرادته وطموحاته، بالإضافة إلى إحكامه قبضته على الحزب الحاكم، وهو الأمر الذي ينتهك الدستور تماما، حيث يمنع أي ارتباط لرئيس الجمهورية بأحزاب سياسية، باعتباره رئيسًا للجميع، وفي هذا يرى البعض إلى أنه حوّل الحزب الحاكم إلى تيارٍ يديره السياسيون الأكثر ولاء له وهم من كبار السن.
انهيار تاريخي لليرة التركية
وشهدت الليرة التركية انهيارا كبيرا أيضا في عام 2016، وكان من ضمن الأحداث التي برزت في المشهد التركي بقوة، حيث سجلت الليرة التركية انهياراً قياسياً مقابل الدولار الأمريكي، ليصل للمرة الأولى إلى 3.4078، وعزت وسائل الإعلام التركية هذا التراجع إلى بيان رئيسة المجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي "جانيت يلين" برفع معدلات الفائدة.
الصعيد الخارجي
دخول الحرب السورية
وعلى الصعيد الخارجي لتركيا، قام أردوغان بعدة أمور كان لها أثرا واضحا خلال هذا العام، ففي أغسطس من هذا العام الذي قارب على الانتهاء 2016، اتخذ أردوغان قرارا، من أهم القرارات التي شهدها هذا العام وهو فرضه الأوامر باتخاذ خطط للتوغل العسكري التركي في سوريا، وبالفعل قامت الدبابات التركية وجنودًا من القوات الخاصة بالدخول إلى سوريا تحت غطاء طائرات حربية أمريكية وتركية، لمساعدة الثوار السوريين في تعزيز سيطرتهم على الأماكن الإستراتيجية التي تريدها تركيا لصالحها، بحيث تبعد عنها القوات الكردية وكذلك عناصر تنظيم داعش، ليضع أردوغان تركيا في أتون حرب يؤكد المتخصصون بشأنها أنها ستسبب كوارث مستقبلية لأردوغان ودولته.
تطور كبير في العلاقات مع روسيا برغم الأزمات
برغم انتهاء العام الماضي 2015 على كارثة في العلاقات بين روسيا وتركيا، إثر إسقاط تركيا الطائرة الروسية الحربية في سوريا، إلا أن هذا العام ينتهي على توافق قوي وكبير بين الدولتين برغم قتل السفير الروسي في أنقرة، حيث يؤكد محللون أن عام 2016 ، شهد توافقا كبيرا في العلاقات ما بين تركيا وروسيا برغم ما حدث، إلا أن الأحدث الدولية والقضايا المشتعلة في المنطقة، مثل القضية السورية التي يتدخل بها كل من روسيا وتركيا، هي أهم من أن تقف عند مقتل السفير الروسي، مستدلين بهذا على الرد المتواضع الذي جاء من قبل فلاديير بوتين، وهو الأمر الذي سينعكس بالتأكيد مستقبلا على العلاقات المتبادلة، في السنوات المقبلة.
حصاد العمليات الإرهابية لعام 2016
وشهدت تركيا العديد من العمليات الإرهابية التي تأتي بكثرة، لا سيما في ظل تكالب أعضاء حزب العمال الكردستاني وتنظيم داعش في الفترات الأخيرة والتي جاءت كالتالي:
12 - يناير: مقتل 11 سائحا ألمانيا و16 آخرين في هجوم انتحاري في منطقة السلطان أحمد السياحيّة التاريخيّة في مدينة إسطنبول، ويعتقد أن الهجوم نفذه تنظيم داعش.
17 - فبراير: مقتل 29 على الأقل في سيارة مفخخة استهدفت محطة للحافلات لنقل العسكريين في منطقة قريبة من رئاسة هيئة الأركان في أنقرة، وتبنى الهجوم أيضاً حركة أو جماعة "صقور حرية كردستان".
13 - مارس: مقتل 37 شخصا على الأقل في هجوم بسيارة مفخخة استهدف محطة للحافلات في أنقرة، وتبنى الهجوم أيضا حركة صقور حريّة كردستان.
19 - مايو: مقتل ثلاثة إسرائيليين وإيراني، بالإضافة إلى جرح عشرات في تفجير انتحاري، نُسب إلى تنظيم داعش في شارع الاستقلال في إسطنبول.
7 - يونيو: مقتل 7 ضباط شرطة و4 مدنيين في تفجير استهدف سيارة شرطة في مدينة إسطنبول، وتبنته حركة "صقور حريّة كردستان" كذلك.
12 - مايو: مقتل حوالي 16 مدنياً في تفجير شاحنة محمّلة بالمتفجرات تابعة لـحزب العمال الكردستاني في قرية دوروملو في محافظة ديار بكر.
20 - أغسطس: مقتل 57 شخصا، في تفجير إرهابي في حفل عرس في مدينة غازي عنتاب التركية.
28 - يونيو: مقتل 47 شخصا على الأقل في ثلاثة تفجيرات انتحارية وإطلاق نار ضمن الهجوم على مطار أتاتورك في إسطنبول، ويعتقد انتسابه لتنظيم داعش.
9 - أكتوبر: مقتل 10 جنود و8 مدنيين في تفجير انتحاري لأحد أعضاء حزب العمال الكردستاني، حيث استهدف نقطة تفتيش في مقاطعة شمدينلي في محافظة هكاري.
10 - ديسمبر: قتل 44 شخصاً غالبيتهم من رجال الشرطة، وجرح 163 آخرين في تفجيرين إرهابيين قرب ملعب بشكتاش في إسطنبول.
إغلاق بعض السفارات
كما شهدت تركيا أيضا إغلاق عدد من السفارات الأجنبية كان أشهرها:
إغلاق السفارة الألمانية
وفي شهر مارس من هذا العام، أعلنت وزارة الخارجية الألمانية عن إغلاق السفارة الألمانية في العاصمة التركية أنقرة بسبب تهديدات أمنية، وجاء هذا الإعلان حينها بعد وقت قصير من تبني جماعة "صقور حرية كردستان" التي تنشط في تركيا الهجوم الذي وقع مؤخرا في أنقرة وأسفر عن مقتل 37 شخصا.
إغلاق السفارة الأمريكية
حيث أغلقت السلطات الأميركية سفارتها في أنقرة، بعد حادثة مقتل نتيجتها السفير الروسي إلى تركيا أندريه كارلوف، حيث أكد السفارة على أهمية إغلاقها وتحذير المواطنين على عدم زيارتها.
إغلاق السفارة الإيرانية
وفي أعقاب حادث اغتيال السفير الروسي أندريه كارلوف، أعلنت أيضا، السفارة الإيرانية في العاصمة التركية أنقرة أنها قررت إغلاق مقراتها الدبلوماسية في المدن التركية، والتي تتواجد خوفاً من تعرضها لأية أحداث أمنية.
أردوغان يدخل تركيا في عداد الدول المنكوبة
وتعليقا على إغلاق السفارات، أكد هشام عبد الفتاح، المتخصص في الشأن الخليجي والباحث في العلاقات الدولية، أن إغلاق إيران والولايات المتحدة لسفارتها هي إجراء احترازي علي خلفية مقتل السفير الروسي.
وأوضح في تصريحات خاصة لـ "الفجر"، أنه من خلال التحقيقات وردود الأفعال الروسية، قد يسفر عن عقوبات علي تركيا أكثر من مسألة غلق السفارات، مذكرا أن تعليق السياحة قد يكون أهم القرارات القادمة لروسيا تجاه تركيا وبالتأكيد إيران كذلك، حيث ستأخذ إجراءات لتؤكد استمرار دعم تركيا الإرهاب بسوريا.
ولفت إلى أن هذا يعني أن تركيا لا تستطيع حماية البعثات الدبلوماسية، مما يجعلها في الأيام القادمة خاصة مع ازدياد المشكلات الأمنية تجاهها أن تدخل في عداد الدول المنكوية.
تركيا تفتقد لشروط الدولة
كما أكد محمد حامد أن مسلسل إغلاق السفارات، من قبل أمريكا وإيران وقلهما ألمانيا، يؤكد أن تركيا تعاني من اضطراب أمني جسيم رغم كونها تحت حالة الطوارئ وعلقت اتفاقية حقوق الإنسان الأوروبية ومع كل ذلك تعاني من هشاشة أمنية ترزح تحت وطأة عمليات إرهابية نوعية عشوائية
وأضاف في تصريحات خاصة لـ"الفجر"، أن هذا يوضح أكثر أن هناك قصورا أمنيا واضحا، و أن أجهزة الدولة التركية مازالت متأثرة بحادث الانقلاب الفاشل وتبعاته السيئة، لا سيما أن الحكومة تشن حملة كبيرة لتفريغ المؤسسات الأمنية بدعوى الانتماء لحركة الخدمة.
وبيّن أن هذا سيؤثر على المستقبل التركي، حيث يظهر تركيا العاجزة عن حماية البعثات الدبلوماسية، مما يجعلها توصف بأنها تفتقد لشروط الدولة، التي تلتزم بحماية الدبلوماسين.